Monday 3rd January, 2000 G No. 9958جريدة الجزيرة الأثنين 26 ,رمضان 1420 العدد 9958



أبو الحسن الندوي يلحق الأحبة
سلمان بن محمد العُمري

ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ هذا ليس سؤالاً أوجهه للقارئ الكريم، وليس عنواناً لمقالة أو محاضرة، إنما هو عنوان لأهم أثر خلفه لنا أحد علماء الأمة الكبار، إنه أحد مؤلفات الشيخ الجليل أبو الجسن الندوي رحمه الله وقد كانت معرفتي به منذ زمان، وبالتحديد منذ كنت طالباً في المرحلة المتوسطة بمعهد إمام الدعوة العلمي بالرياض حيث أهداني أستاذي الشيخ زيد العبلان نسخة من ذلك الكتاب وقرأته، وكم كان ممتعاً ورائعاً الخوض في غماره، وبالرغم من صغر سني في ذلك الوقت، فقد كنت أرجع كثيراً للشيخ العبلان لأسأله عن كثير مما حوى هذا الكتاب الرائع ليشرح لي وبأسلوب مبسط ما سطره هذا العالم الجليل.
وتمر الأيام ويعقد مؤتمر إسلامي كبير في الهند وذهبت إلى هناك بصحبة العالم العلامة طيب الذكر معالي الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي وفقه الله لكل خير والتقيت بالعالم الفاضل شخصياً، يقاس العالم بعلمه وأبو الحسن ترك لنا أكثر من 700 عنوان لمؤلفاته وكتبه وترجماته، منها 177 عنواناً باللغة العربية.
الشيخ الجليل غادرنا يوم الجمعة الماضية إلى جوار ربه، وإلى جنة عرضها السموات والأرض إن شاء الله لقد كان عام 1420ه عام رحيل لكثير من علماء الأمة العظام، وها هو الندوي رحمه الله يلحق بالأحبة.
لقد ولد الشيخ أبو الحسن الندوي رحمه الله في شهر محرم عام 1332ه في قرية تكية بمديرية راي بيلي بالهند، ونشأ في بيت يظلله العلم والدين، حيث تلقى العلم على يد والده الشيخ عبدالحي الندوي، وواصل تعليمه بعد وفاة والده وهو لا يتعدى سن العاشرة تحت اشراف والدته واخيه الأكبر وذلك على يد عدد من علماء الهند الأفاضل وواصل دراسته الجامعية فدرس العربية وآدابها، والعلوم الشرعية، وركز على الحديث والتفسير، وكان رحمه الله يجيد عدداً من اللغات قراءة وكتابة وتحدثاً فقد كان يتقن العربية لغة القرآن والانجليزية والفارسية بالإضافة للغة الأوردية.
كان الشيخ الجليل ابن واقعه، ولذلك كان مرتبطاً بشكل صميمي بما يحدث في رحاب المسلمين، لقد اهتم بواقع المسلمين وبلدانهم وحالهم، فكتب عن ذلك الكثير، وعمل ما بوسعه لإصلاح ولتطوير حال المسلمين.
ان مؤلفات العالم الندوي رحمه الله أكثر من أن تتسع لها صفحات مقال، أما مضمونها فهو أوسع وأوسع، لقد كتب علماً نافعاً سيبقى في سجله الخالد إلى ما شاء الله، كما ترجم علوماً أفادت وتفيد وستفيد في المستقبل أبناء الأمة وعمومها.
لقد جاب الشيخ الندوي العديد من ديار المسلمين فقد رحل إلى مكة المكرمة، ومصر ودمشق وزار معظم أرجاء العالم، وزياراته تلك لم تكن من أجل النزهة والترويح عن النفس، بل كانت رحلات علم وجولات معرفة وعطاء وخير، لقد قدّم عطاءات جليلة وخدمات لا تقدر بثمن لأمته وأبناء أمته في كل العالم وفي كل ارض حطت قدماه بها.
لقد كانت المجلات من اهتمامات عالمنا الراحل أيضاً فقد أصدر مجلة التعبير ورأس تحرير مجلة الندوة كما أن الجامعة الإسلامية في عليكرة كلفته بوضع منهاج لطلبة البكالوريا في التعليم الديني.
أما جمعيات الخير، وأقصد بها جمعيات الدعوة للدين الحنيف، فإنها كانت في صلب اهتمامات الشيخ الجليل، لقد أسس جمعية للدعوة للإسلام بين الهندوس، كما شارك في تأسيس هيئات إسلامية دعوية وعلمية مختلفة، واختير عضواً في مجالسها، ومنها رابطة العالم الإسلامي، والمجلس الاستشاري الأعلى للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، ورابطة الجامعات الإسلامية، ومركز الدراسات الإسلامية في اكسفورد في بريطانيا، ومجمع اللغة العربية في دمشق، والمجمع الإسلامي لبحوث الحضارة الإسلامية في الأردن، ومجمع اللغة العربية في الأردن.
إن المملكة العربية السعودية وكما عهدناها مهداً للإسلام، ومحط آمال كل المسلمين قد قدرت للشيخ الكبير جهوده في خدمة الإسلام والمسلمين وكرمته بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام وذلك منذ عشرين عاماً.
لقد كان العالم الندوي رحمه الله موسوعة في الفكر والثقافة الإسلامية، وكانت اهتماماته متعددة وكلها تصب في خدمة الإسلام، حتى الأطفال كان لهم نصيبهم الوافر من فكر الندوي رحمه الله حيث خصّهم بالعديد من المؤلفات.
لا نستطيع أمام بنيان شامخ كهذا إلا أن نذرف الدمع، ونقول: إلى رحمة الله أيها العالم الجليل والداعية الكبير، نسأل الله أن يتغمدك المولى بواسع رحمته ورضوانه، وأن يحشرك مع الصديقين والشهداء، وأن يصبر الله الأمة الإسلامية على فراقك، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.