Monday 3rd January, 2000 G No. 9958جريدة الجزيرة الأثنين 26 ,رمضان 1420 العدد 9958



ترميمات علي المقري *
الكلام في إبدالاته القولية

*صنعاء محمد الشيباني:
الشاب العشريني الذي فتح نافذة (قوليه) لجسده قبل اثنتي عشرة سنة ليس نفسه (الصانع) الذي يرمم الأشياء على سبعين ورقة وخمسة وعشرين نصاً، فالأول فتح نافذة واسعة (الجسد نحيل) فدخلت منها تلاوين شتى محملة بالقراءات وصداماتها الباكرة أيضا الاذعان التام لهيمنة الأفكار والشخوص والامتثال الحميمي لدفء المكان.
اما الآخر فصانع مجرب يقف في النقطة الأكثر إضاءة بين:
الكلام: بتحققاته الكثيرة وانسرابات الثرثرة التي تحوطه (خلس نفسه من نفسه/ ثرثر إلى ساعة متأخرة من العمر/ ونام).
وصولاً إلى وظائفه الجديدة المتخلقة في الرؤية ذاتها.
(كلام ثقيل/ ينسكب في شقوق الكلام/ كرعوا دم الكلام/ هناك في حافة الكلام/ الانزلاق في مستنقع الكلام/ خطف في الكلام/ قلوبنا اسودت لفحم الكلام/ تنطفىء في الكلام/ كلام الناس).
وبين:
الإشارة: كإبدال قولي (كلامي) نتتجها الأصابع كموان] لصمت] صاخب يشكل في نسق الكتاب العام ما يقارب من 20% من الحضور اللفظي ، وهو في ذلك يحتمل العبء الرئيسي الأكبر باعتباره موجه حي داخل موتيفات الجملة الشعرية وعناصرها:
(يمد العابرون أصابعهم ليلتقطوها/ غصة في الأصابع/ تركوا,, أصابعهم في إشاراتنا/ يترتعش جناحا الطائر على امتداد الأصابع/ إن الجبال تشبه الأصابع والأصابع لا تطير/ وتغيب في أصابعنا دون صمت أو كلام/ وداع بلا أصابع أو لقاء خلس الليل البنت من طيبتها واختفى في الأصابع/ رسمنا الأصابع فاكتشفنا أنها مقطعة/ رسمنا الأصابع وقلنا إنها تشير إليك/ نقبض على الهواء بأصابع خمس/ تنزف الإشارات من أصابعه/ ضيع أصابعه في الإشارات/ الثلاثون زورت أصابعي).
2/1
حضور الكلام بصفته (ووظائفه المتخلقة شعراً) وكذا حضور الأصابع كوظيفة إشارية ناهضة على ابدالات الصمت لم ينته في حدود التجسد، بل تجاوز ذلك إلى إنتاج التحققات في الأثر.
فالذي يدل على الأصابع في التصوير:(يتقمص بصماتك/ اشارات رصاصاتها/ يهطل الليل فنمد أيدينا/ أياد غير مرئية تتقاذفهن في فراغ مظلم).

3/1
ينضاف إلى ما سبق قول لتوكيد ثالث مختصره: أن الصمت بتلفعه الاشاري والمنتج من أحد أعضاء الجسد كمكمل للقول، وكذا الكلام باعتباره الموازي الشاخص لتحقققات الصمت، يفسحان لثالث يتنفس بالرؤية هذه الإبدالات بمجازاتها الكثيرة.
فالعين في ترميمات المقري بوصفها الثالث حاضرة ليس بوجودها الميكانيكي بل بوصفها مبدعة لرغائبها القولية (بمعنى من المعاني).
(عيون تسيح على الأسفلت/ يتحسس العابرون عيونهم فلا يجدونها/ غصة في العيون/ سماء العين/ بدون عيونهم جاؤوا/ في اقدامهم عيون، وفي عيونهم دخان/ كبطن السجن وعيون/ نعاتب عيونا صدئت, العينان ستمتدان إلى نهاية متوقعة.
ومثلما الكلام والأصابع العين أيضاً تحض في الأثر:
(رقب نجمة/ يصعد في نظرته/ اللفتة الأخيرة/ مبهورون بالظلام).
11
تحاول ترميمات علي المقري إتمام حضورها كتجربة ناجزة في نسق الكتابة الجديدة، باسئلتها العديدة من خلال بحثها الدؤوب عن الشعري في أكثر من موضوعة متعينة في الوعي.
فالشعري موجود في لحظة استحضار التاريخي بآفاقه الصعبة والإشكالية: حيث تتوحد الذات الجمعية، بمحمول رمزي يستوعب تمثلات الإلغاء المصادرة.
(هكذا جاؤوا
قطعوبنا من شجر ابن رشد
ونفونا إلى جبل الدخان
لم يتركونا
نقرأ عاداتنا
أو نتحاور في الزحام,,)
(نص هاشم علي)
وموجود أيضاً داخل القرائي الذي يعاد انتاجه في مستوى من مستويات (التناص) على نحو المجتزأ من نص (إلى أين يمضي هؤلاء) والمشغل الرئيس فيه واحد من عناوين وديع سعادة المثيرة:
(ليست للغراب شجرة
ولا للموتى اخوه
المرارة مرت هكذا
وبعد سنوات قصيرة
مررنا نحن,).
أيضاً موجود في إجناسات (قولية) أخرى تتساوى فيها تشخصات السيرة (المتضخمة) والممتثلة لسطوة التداعي التي تلبس الكاتب باعمالات الأفكار الشعرية التي ابتدأت بالعنوان (نص مغلق) واتهت ب طارق القلب الذي سيخلد على عتبة السؤال.
قصعة المنجا، وجرة أمي، وبقرتنا الحميراء وبكائي الذي خبأه أخي بين ألعابه وسافر,, إلى أين؟!
أحببتك يا فتحية كما أحببت قصعة المنجا التي كانت أمي تسقعها في جرتها,, ووعدت امي بان أصبح سمينا ككبش.
عمر يتقاطع مع بعضه ويفرح,, يتقاطع مع نفسه ويبكي من طرق الباب وغاب,, من يطرق القلب ويبقى,,؟!
!!!
أيضاً:
خصوصية المقري كشاعر إنه يحاول خلق صلة ما بتلق لقرائي خارج نسق الوزن الكتابي وداخل المغامرة ككتابة وألاعيبها كأفكار إن صح القول فهو منذ كتابه الشعري الأول (نافذة للجسد) ينحت صوتا خاصا به، يتلازم مع حضور المقري كواحد من أكثر أبناء جيله إخلاصا للجديد ومن أكثرهم حساسية ووعياً به,, ولا يقلل من شأن منجزه إذ هو عانى في لحظات انعطافاته الجميلة من بعض الهنات والتي قد لا يظن بها أحد غيري، وتتكثف الأولى بتساؤل نبنيه هنا على معطى قرائي صرف وعلى نحو:
* هل من الضرورة لشاعر هو في عمق الكتابة الشعرية الجديدة بتفتقاتها اللا وزنية او هكذا اعتقد على الأقل ان يمتثل وبسهولة الواضح لرجفة التوقيع بصخبه الغنائي وإعتلالاته:
(رسمنا جبلا فاخضر في بناته الكلام
رسمنا طائرا بلا قفص فطار
رسمنا امرأة تشهق مبتلة لا تنام
رسمنا شارعا انسكب في أيامه الزحام
رسمنا ظلا يهرب من ظلام,)
فدخول مثل هذا المقطع كاملا على واحد من أجمل نصوص المجموعة إلى أين يمضي هؤلاء إضافة إلى نصف (ترتيب) من القسم الرابع في المجموعة والذي حمل عنوان مراثي,, أبطل قليلا من سلالسة اندغام الانشغال الواعي للكتابة بتظهرات الشعري خارج الوزن كواحدة من رهانات كتاب الحداثة بما فيهم علي المقري.
* ينضاف إلى ذلك أن بعض مفردات القاموس الوزني المستهلكة لم تزل تنسحب لا وعيياً على بعض السياقات وتنسج داخلها كإحدى التكوينات النسقية في النصوص:
(كيف نمشي والأرصفة نائمة/ نرجع إلى أحجار الذاكرة/ أسفل كيس الذاكرة/ غصة في التراب/ باب مقفل وغياب/ نتحاور في الزحام,).
الكتاب: ترميمات (شعر).
المؤلف: علي المقري.
الطبعة: الأولى 1999م.
الإصدار: الهيئة العامة اليمنية للكتاب.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.