Monday 10th January, 2000 G No. 9965جريدة الجزيرة الأثنين 4 ,شوال 1420 العدد 9965



ثم ماذا
حاربوا ديدان الصمت
بدربن سعود بن محمد آل سعود

لو قدر لأحدنا أن يذهب بعيدا الى مكان لا يؤمه أحد، وليس به حركة تشعر الإنسان أي إنسان بوجود شكل من أشكال الحياة فيه، وزودنا هذاالشخص بالمؤن الضرورية لبقائه حياً كالغذاء والماء، هل يمكن له العيش بصورة طبيعية؟!,, طبعا لو أخضعنا الموضوع للنظرة العلمية المجردة لجاءت الإجابة بنعم أسرع مما نتصور، فالإنسان يحتاج كي لا يباغته الموت لتوفير بعض الاحتياجات الخاصة بضرورة المعيشة وأولها ما يضمن استمرار عمل الوظائف العضوية الأساسية داخل جسمه تماماً ك (الوقود) للسيارة والشعير ل (البعير!!) مع عدم إهمال الفارق الواضح بين قدرة الكائن الحي العاقل على الشكوى والألم والشعور بالضيق وإمكانية التعبير عما يدور بداخله قياساً للآلة الصماء والدواب بأنواعها، ولكن لو تجاوزنا الظروف الجسمية ومايلزمها وتوقفنا عند الانفعالات العاطفية كنتيجة طبيعية لأحاسيس الوحدة والصمت الطويل بعد انقضاء مرحلة التأمل وتكرار المشاهد نفسها كل يوم لدرجة يصبح الاعتياد معها وضعاً سائداً يدفع للملل ويقود للتفكير في توافه الأشياء وتبرير ما لا يقبل التبرير وبكيفية متشائمة جدا اقرب ما يشابهها لحن البكاء العربي الطويل فوق طاولة الأمجاد المنقرضة!!، فالإنسان ليس كتلة تشغل حيزاً فراغياً معيناً فقط وإنما تركيبة معقدة تحتل القيمة الحسية فيها مركز الصدارة، دون اعتبار لمعنى الزمان والمكان، إذ ربما نسكن غرفة ضيقة مظلمة باردة ولكننا نسعد بها!، بينما يحظى غيرنا بالقصور الفارهة الواسعة الجميلة ولكنه يقتات التعاسة طوال يومه وليلته!، وهذه الأوضاع المتباينة يحفظ استمرارها او يسكنها اجتماع الأحبة والأقارب والأصحاب ليأتي بمثابة التنفيس المطلوب لتخدير الأوجاع الحادة والمزمنة غير القابلة للعلاج والوقوف مرة أخرى لمواصلة المسير، فنحن كبشر أصحاء لا نقوى مفارقة الجلساء والندماء والخلان مهما حاولنا أو تظاهرنا بذلك!، فقد نصوم لمدد طويلة عن تناول الوجبات الدسمة والمآدب الملأى بالأطايب ولا نصوم لبضعة ايام عن مجالسة القريبين منا وإن حدث فرغماً عنّا أو بسبب اختلافات وقتية أو خلاف يستقر لفترة ثم يمضي لحال سبيله وتعود الأمور لسابق عهدها، وأحياناً كما يلقى المغترب وطنه الأم بعدما أضناه الغياب محملاً بالشوق واللهفة ويسكنه فرح طفولي يفوق المعدل.
والإنسان مثلما يقول علماء الاجتماع كائن اجتماعي بطبعه يألف التأقلم وسط المجموعات ولا يستقل عنها بطوعه واختياره إلا لأسباب تتصل بطريقة التربية خلال سنوات عمره الأولى! ويكون مردها الأكبر الحرص الزائد عليه، لينمو حب الانطواء لديه ويتجذر شيئاً فشيئاً بأعماق أعماق نفسه كالنبتة الشيطانية مظهرها مقيت وفائدتها معدومة!، وهؤلاء ليسوا أشخاصاً أسوياء غالباً ومعظمهم مريض بعلل نفسية مستعصية ولايفهمهم أحد سواهم!، كلماتهم غريبة وجملهم المتلاحقة تفتقر للمضمون المترابط، ويبدو فشلهم الكامل إذا تأملنا ردودهم التلقائية المرتبكة والخاطئة، وإجمالاً يعتبر الحوار بين البشر أداة مناسبة للتعارف ووسيلة ناجحة لإجهاض الهموم وتهدئة النفوس وفن يعتمده رجال العلاقات العامة المميزون والمشهود لهم بالكفاءة، بل وحتى مجتمعات المدنية الحديثة محدودة التواصل نجد أفرادها يلجأون وبكيفية منتظمة للأخصائيين النفسيين ليتحدثوا لهم عما يدور بخواطرهم أو ما يشغلهم بالوظيفة أو المنزل ليغادروا العيادة النفسية بأحسن حال دون الحاجة لوصفة طبية، ويكفيهم مجرد حديث مطول يسمعه الطبيب ويعلق أو يعقب عليه وانتهى الموضوع, إذن لا تضعوا قيداً يكبل ألسنتكم، وافتحوا أبواب النقاش وبصوت مسموع لمحاربة ديدان الصمت القاتل، ولا تخافوا أو تتوجسوا أو تلتفتوا لنظرة منتقد او عبارة عابرة لمخلوق أجوف ك(الببغاء) ينطق ألفاظاً تعودها بمناسبة وبدون مناسبة.
bader alsaud * hotmail, Com

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

الفنيــة

الاقتصادية

عيد الجزيرة

متابعة

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.