Sunday 16th January, 2000 G No. 9971جريدة الجزيرة الأحد 10 ,شوال 1420 العدد 9971



إلى أمي الحنون
د, صالح بن عبدالله المالك*

إلى المرأة التي أعطت فلذات كبدها كل ما تملكه دون أن تُتبع ذلك منّاً ولا أذى، ولم تطلب مقايضة أو عوضا.
إلى من فقدت زوجها في ريعان شبابها، ثم امتنعت عن الزواج مرة ثانية، كل ذلك من أجل أن تعيش بقية حياتها ترعى أولادها، وتحتضنهم كما تحتضن الحمامة صغارها.
إلى المرأة التي ضحّت برغبتها فداء لسعادة أولادها، وآثرت أن تعيش أرملة، لكنها كانت قريرة العين هادئة البال، ليس فقط مع أولادها، ولكن أيضا مع أحفادها وأسباطها وزوجات أولادها.
الى المرأة التي تعاملت مع زوجات أولادها تعاملها مع بنتها الوحيدة، فكانت المعاملة بينها وبينهن مليئة بالمودة والاحترام والألفة والإخاء، تحنّ عليهن وتعطف على أطفالهن عطف الأم الرؤوم.
إلى من حباها الله بذاكرة فوتوغرافية عجيبة في حفظ الشعر والقصص، بل إنها كانت تقرض الشعر الشعبي بالبديهة دونما تكلف أو تحضير، وهذا ما جعل مجلسها مركز جذب للأقارب والجيران.
إلى من تأسّت بالمصطفى صلى الله عليه وسلم في الصلاة في جوف الليل الأخير، وضربت أروع الأمثال في صلة الرحم والعطف على المحتاجين فكان نتاج ذلك أن كافأها الله بطول الأجل وسعة الرزق، راجيا أن يمنّ عليها في الآخرة بجنات النعيم.
إلى المرأة التي عاشت ما يقرب من مائة عام لم تُكلّف أحداً عَنَتاً أو مشقةً، حتى إنها لم تدخل المستشفى مرة واحدة في حياتها، بل إنها سلمت روحها لباريها بيسر وسهولة في الساعة التي كان ابنها أحمد وزوجته يطوفان حول الكعبة نيابة عنها، كان ذلك يوم الخميس الموافق منتصف شهر رمضان المبارك من هذا العام.
إلى المرأة التي أوصت بكل مالها، بالتراضي مع جميع الورثة لانفاقه في سبيل البّر والإحسان.
وأخيراً وليس آخراً، إلى أمي التي سمعتُ خبر وفاتها أثناء وجودي في شيكاجو ألتمسُ علاجا لصغيري عبدالله بسبب إصابته بسكتة دماغية في الصيف الماضي، فلم أملك تجاه أمي الحبيبة سوى المبادرة بالعودة الى المملكة لاحظى بشرف المشاركة في الصلاة عليها والتماس الرحمة لها.
إليك يا أمي والجنةُ تحت أقدام الأمهات أُهدي لمسة وفاءٍ وحب وعرفان بالجميل.
وتعبيرا عن شعوري وشعور إخواني الصادق، إليك أُهدي هذه الأبيات المتواضعة، اعترافا بما كنتِ تُسدينه لي ولإخواني من حب وحنان، وبما كنت تُقديمنه لنا من تضحيات طوال عمرك المديد، سائلا المولى عزوجل أن يُمطر عليك شآبيب رحمته، وأن يُلحقكِ بوالدي الذي رفضتِ أن تتزوجي بعده، وأن يجمعكما في جنات الخلد، مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا:

لموتكِ يا أماهُ ينفطرُ القلبُ
وتلتاعُ مني النفسُ والعينُ واللبُ
ولو كنتُ أدري أن حتفك عاجل
لما شغلتني عنكِ أرضٌ ولا حبُّ
ولكنّ عبدالله نجليّ قد دنا
من اليأس حتى كاد يقتله الكربُ
يُعاني من الاسقام وهو مُحاصرٌ
بأصنافِ آلامٍ,, فأسهلُها صعبُ
فتىً لا ينال النوم إلا مُعذباً
ولا الزادَ إلا ما يجودُ به ثقبُ
ثمانون يوماً أو تزيد وقد بدا
كطفلٍ وَليدٍ لا يسير ولا يحبُو
فأذعنتُ للرحمن قلباً ومُهجةً
فليس لنا إلا الذي قدّر الربُّ
وزرتُ بلاد العم سام لابتغي
شفاءً بإذن الله يُمحىَ به الخطبُ
ظننتُ - وشاء الله غير مظنتي -
بأنّ شفاء الأم ليس به ريبُ
فداهمني خطبٌ جليل بليلةٍ
دقائقها دهرٌ وهدأتها حربُ
إذ الهاتف المشؤوم ينعى أُميمتي
ويعلن أن الموت ليس له طِبّ
فعدتُ سريعاً أذرف الدمع ساخناً
يسيح غزيراً ليس يحجبه الهُدبُ
وياحرّ دمعي في المطار وقد بدا
وُجومٌ على وجه الأحبة بل نُصبُ
بكيتُ على أمٍ رؤومٍ لطيفةٍ
وإنّي لها المشتاقُ والوالهُ الصبُّ
فقدتكِ يا أماه عطفاً ورحمةً
فأنتِ ربوعُ الخير والمنبع العذبُ
أقول إلى من نلمس الودّ بعدما
تواريت في قبر يُجلّله التُربُ
فكلّ سِمات الطهر فيكِ تمثلت
وفاضت وقد أمسى إليكِ لها دربُ
ألا في سبيل الزهد تسعون حِجّةً
وتسعة أعوام تجنبّها العيبُ
مضت في سبيل الله تنشدُ جنةً
وتطلبُ ربّاً أن يكون لها القربُ
أقول لاختي حين مزّقها الجوى
رُويدك يا أختاه كلٌّ له نحبُ
رُويدك يا أختاه كفّي عن البكا
عسى كوثرَ الرحمن منه لها شُرب
فويحٌ لاختي وابنتيها وخالتي
وأولاد أبناءٍ على حبها شبّوا
هو الموتُ لا يُبقي ولا هو غافل
وكل امرىءٍ منا سيدركه النّوبُ
سقى الله قبراً ضمّ أمّاً كريمة
من العفو والغفران تمطره السُحبُ
وخُصّ إلهي بالتجلد إخوتي
ولا لقي الأحباب حزناً ولا الصحبُ
وأذهب عن ابني البأس ياربِّ كلّه
وبلغهُ ما يهفو إليه وما يصبو
وأختمُ قولي بالصلاة على الذي
سيلقى الإلهُ لا يُدنّسه ذنبُ
* شيكاجو/ أمريكا.


رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.