Sunday 16th January, 2000 G No. 9971جريدة الجزيرة الأحد 10 ,شوال 1420 العدد 9971



صفحات مطوية في تاريخ الإعلام
يونس بحري ,,الكاتب والصحفي والمذيع والسائح العراقي الذي شغل الناس أيام هتلر
قابل الملك عبدالعزيز سنة 1349ه، وساح في تهامة وأسهم في جهود الدعوة في إندونيسيا لصالح المملكة، ولم يذكر له مواقف معادية للمملكة من إذاعة برلين
د , عبدالرحمن الشبيلي

مقدمة وتعريف
لا أظن أن اعلاميا أشغل الناس في العالم العربي، وألهب مشاعرهم إبان الحرب العالمية الثانية، مثلما فعل يونس بحري، الإذاعي العراقي الصاخب، الذي وصف نفسه في مذكراته هنا برلين حي العرب التي نشرها في شكل سلسلة شهرية بدون تاريخ صدر منها ثمانية أجزاء، بالأوصاف الآتية:
الصحفي والدبلوماسي والسائح، وإمام جامع باريس، ومفتي إندونيسيا، ومستشار ملك ليبيا، ومذيع راديو برلين في الحرب العالمية الثانية، وصاحب العرب وحي العرب ، الرجل الذي يتقن 16 لغة، وعبر مضيق جبل طارق سباحة وزامل جلوبلز وزير إعلام ألمانيا الرايخ الثالث ، وتحدث إلى هتلر وموسوليني، وقام بجولة حول العالم على الاقدام باسم السائح العراقي ، أول من قال حي العرب وقال من إذاعة برلين بلاد العرب للعرب .
أول من أطلق وهو في سجن بغداد على عبدالكريم قاسم لقب الزعيم الأوحد
والواقع أنه قد كان له نصيب كبير وصحيح من كل هذه الألقاب، بل ويمكن أن يضاف إليها المعلومات الآتية:
1 أنه أشهر الإذاعيين العرب في الستينيات الهجرية الأربعينيات الميلادية وأكثرهم ضجيجاً، ورث أحمد سعيد مدرسته في إذاعة صوت العرب فيما بعد .
2 ينتمي الى أسرة الجبوري من الموصل وقد ولد في حدود عام 1904م، ويذكر أنه تزوج في كل بلد زاره، حتى ادعى انه اقترن بمائة وعشرين زوجة، وله أولاد غير معروفين، ولا يعرف بعضهم بعضا، لكن أشهرهم كما أفاد بذلك المحامي والمؤرخ رجب بركات هو الدكتور لؤي، وهو على ما يبدو أكاديمي معروف في بغداد، وله كتاب عن سكة حديد بغداد 1967م ، وابنه سعد أو سعدي ، الذي ذكر الزميل د, عبدالعزيز بن سلمة، المندوب السعودي الدائم لدى اليونسكو أنه يعمل في مجال المسرح في فرنسا، وابنته منى يونس التي يبدو من كتابات منشورة لها أنها تقيم في الخليج.
3 ظل يونس بحري يتنقل في آخر سنوات حياته بين العراق ولبنان والكويت، وعاش فقيرا معدما حتى توفي كما ذكر لي الأستاذ نجدة فتحي صفوت في 31 مارس 1979م في بغداد، وكنت قد اطلعت على برقية بعث بها من الكويت قبيل وفاته الى السفير محمد الحمد الشبيلي، الذي كان يعطف عليه بصفة خاصة، لمعرفته به عندما كان قنصلا في البصرة ثم سفيرا في بغداد.
4 كان أول مذيع في الإذاعة العراقية عند تأسيسها عام 1936م، وقد أذاع البيان رقم 1 في أول انقلاب عسكري في العراق في ذلك العام، وأرخ للعراق في تلك الفترة بكتابه العراق اليوم، بيروت 1937م .
5 وبالاضافة الى هذا الكتاب الذي قد يكون الأقدم ألّف عن تاريخ السودان القاهرة 1937م ، وكتاب هنا بغداد، 1938م والجامعة الإسلامية باريس 1948م وتونس بيروت 1955م وعن ثورة الجزائر بيروت 1956م وعن الحرب مع اسرائيل وحليفاتها بيروت 1956م ودماء في المغرب العربي بيروت 1955م وعن ليبيا بيروت 1956م وعن المغرب بيروت 1956م ، وهنا برلين حي العرب 8 أجزاء بيروت 1956م وسبعة أشهر في سجون بغداد بيروت 1960م وعن محاكمات المهداوي بيروت 1961م وعن جمهورية موريتانيا الإسلامية بيروت 1961م وعن ثورة 14 رمضان المبارك بيروت 1963م وعن ليالي باريس باريس 1965م ، وعن أسرار ثورة مارس رشيد عالي الكيلاني 1948م بغداد 1968م .
6 أمدّني مشكورا الأستاذ نجدة فتحي صفوت بنبذة يحتفظ بها عن سيرة يونس بحري، وبما ورد عنه في الوثائق البريطانية عام 1946م، وبما كتبه عنه كتاب أعلام الأدب في العراق الحديث الصادر في لندن 1994م لمؤلفه مير صبري.
7 ومما جاء فيها عن سيرة حياته أنه ولد في أسرة رقيقة الحال، ودرس في دار المعلمين الابتدائية ثم التحق بوظيفة كتابية في وزارة المالية، ثم سافر سائحا في أوروبا وآسيا ثم زار تونس وليبيا والهند وإيران وأفغانستان، وقد سجن في باريس، وأصبح إماما لجامع باريس، ويدير المقهى الملحق به ويغني ليلا فيه.
8 أصدر جريدة العُقاب في بغداد عام 1933م وجريدة الميثاق 1934م, وفي باريس أصدر جريدة العرب 1947م، فضلا عن صحف أخرى في اندونيسيا سيرد ذكرها.
9 التحق في خدمة النازية، وأسس في برلين إذاعتها العربية، وقام على إدارتها من 5/4/1939م، وحتى 2/3/1945م وقد اشتهر بمعاداة الشيوعية.
10 وبسبب عدائه للشيوعية، كان أول من اعتقل في بغداد صبيحة انقلاب عبدالكريم قاسم 4 يولية 1958م ، وصار له نصيب من محاكمة المهداوي، وقد أطلق من سجنه لقب الزعيم الأوحد على عبدالكريم قاسم، وكان يقوم بتقليد صوته وطريقته في إلقاء الخطب، كما كان يسلّي السجناء أيضا بمحاكاة خطب هتلر، وقد شفعت له خفة روحه في الافراج عنه بعد سبعة أشهر.
11 ثم فتح مطعما للمأكولات العالمية في بغداد، دعا إليه عبدالكريم قاسم ورفاقه، ثم سمح له بالهجرة الى لبنان، وبعد حركة عبدالسلام عارف التصحيحية سنة 1964م عاد ليعمل في جريدة المنار في بغداد بعد نقلها من البصرة .
لكن المهم في هذا المقال الذي يقلّب في صفحات مجهولة وقديمة في تاريخ الإعلام، ويحاول التعريف ببعض شخصياته ومحطاته، أن هذا الاذاعي المغامر كان على صخبه ذا مواقف ايجابية فيما يتصل بقادة هذه البلاد، التي ما تزال تعيش نفحات الذكرى المئوية الميمونة.
يونس بحري زار الملك عبدالعزيز قبل سبعين عاماً:
ذكر د, يعقوب الحجي في كتابه عن سيرة المؤرخ والصحفي الكويتي الشيخ عبدالعزيز الرشيد الكويت 1993م ص296 أن يونس بحري كان يمنّي نفسه بأن يكون أول رحالة عربي يعبر الربع الخالي، لكنه بالاتصال بالسلطات النجدية الحجازية قبل توحيد المملكة وجد أن من الصعب السياحة في هذا الجزء من شبه الجزيرة العربية، وأنه لابد من الاستئذان من السلطان عبدالعزيز، رحمه الله، وحين قدم إلى الحجاز سنة 1349ه أحسن استقباله، وسمح له بالتجول في تهامة، وأمر الشيخ عبدالله السليمان وزير المالية بتجهيز سيارة تنقله الى الليث ثم بيشة وجازان، وقد استمر في رحلته حتى بلغ صنعاء وقابل الامام يحيى، ثم اتجه من اليمن عبر البحر إلى سنغافورة.
نشر له د, الحجي في كتابه المشار اليه عدة صور ننشر بعضها مع هذا المقال ومن بينها صورة التقطت له في جدة بتاريخ 19/شعبان/1349ه مع بعض الشخصيات بالاضافة الى الشيخ عبدالعزيز الرشيد، مما يوضح أن صلته بالشيخ عبدالعزيز بدأت من هنا، وأنهما التقيا بعدد من المثقفين في مكة المكرمة وجدة.
لكن المؤكد أن الملك عبدالعزيز لم يكن يعرف يونس بحري من قبل، حيث لم تبدأ الاذاعات بعد في تلك الفترة، وهو لم يشتهر في العالم العربي إلا بعد التحاقه بإذاعة ألمانيا بعد عشر سنوات من ذلك التاريخ، وقد ذكر د, الحجي أن الشيخ الرشيد ويونس بحري حضرا حفل ذكرى جلوس الملك عبدالعزيز على عرش البلاد في ذلك العام.
إسهامه في الدعوة في إندونيسيا:
وصل يونس بحري الى سنغافورة قادما من اليمن في مطلع عام 1350ه يونية 1931م ، وقد تصادف وصوله مع وصول الشيخ عبدالعزيز الرشيد الى هناك، وهو الذي سبق لكاتب هذه السطور أن أشار في مقالات سابقة الجزيرة، العدد 9641 في 4/11/1419ه الى أنه هاجر الى اندونيسيا تنفيذا لرغبة الملك عبدالعزيز في الدعوة والقيام بدحض الشبهات حول حقيقة المذهب السلفي الذي تنتهجه المملكة بعد دخول الحجاز في الدولة السعودية الجديدة، وهي شبهات أدت الى انخفاض عدد حجاج الجاوة في تلك الفترة.
ويبدو أن مجيء يونس بحري الى إندونيسيا ثم تعاونه مع الشيخ عبدالعزيز الرشيد رحمهما الله في جهود الدعوة لم يكن مصادفة، إلا أنه لم يتبين لكاتب هذا المقال ما إذا كان يونس بحري قد هاجر الى إندونيسيا بتكليف من الملك عبدالعزيز أيضا، وللغرض نفسه الذي جاء من أجله الشيخ الرشيد، فلقد اقتصر د, الحجي في كتابه على ذكر أن بحري قد فكر في الذهاب الى بلاد الملايو على إثر زيارة كان قد قام بها الى مصر قبل الحجاز والتقى فيها هناك بعدد من الأدباء المصريين الذين شرحوا له حال العرب في اندونيسيا والخلافات بينهم، وأنه قرر الذهاب الى هناك للعمل على توحيد كلمتهم، لكن من المؤكد أنه عندما التقى بالشيخ الرشيد في مكة المكرمة بعد فترة وجيزة قد اطلع منه على عزمه على الهجرة داعية للملك عبدالعزيز، فالتقت الرغبتان عندهما منذ ذلك اللقاء على التوجه الى سنغافورة ومن ثم الاقامة والزواج هناك.
كانت إندونيسيا وسنغافورة بلاد الملايو تزخران بالصحف والمجلات العربية، التي يصدرها العرب الحضارم في الغالب والجمعيات الإسلامية، وكانت الخلافات السياسية والفكرية الطائفية والمذهبية تعصف بالجاليات هناك، ولذلك فقد انصرف الشيخ الرشيد ومعه يونس بحري الى التوفيق بين هذه الاتجاهات والطوائف، فعملا على اصدار جريدة شهرية مشتركة تحمل اسم الكويت والعراقي، وهو اسم مركب من الكويت اسم المجلة الكويتية الأولى التي أصدرها الشيخ الرشيد ومن كلمة العراقي الجزء الثاني من لقب السائح العراقي الذي كان ينعت به يونس بحري قبل التحاقه بإذاعة برلين.
صدرت المجلة في جمادى الأولى 1350ه نوفمبر 1931م واستمرت عاما كاملا ظهر فيه عشرة أعداد وقد تطرقت في أعدادها الأولى الى أمور اسلامية عامة، وكتب فيها يونس بحري يهاجم طه حسين وسلامة موسى، ثم كشفت المجلة في أعدادها اللاحقة ان هدف الشيخ الرشيد من المجيء الى اندونيسيا هو الدعاية للحج والدفاع عن نجد والحجاز وهو ما كان حريصا من قبل على عدم اظهاره، وقد شارك يونس بحري ببعض مقالات في الاتجاه نفسه.
وبعد أن عاد يونس بحري من زيارة لوطنه العراق في مايو 1932م، قرر أن يصدر بمفرده جريدة أسبوعية باسم الحق ، ظهر عددها الأول في أغسطس من العام نفسه، وهدف منها أن تكون همزة وصل بين مسلمي الملايو واخوانهم في البلدان الاسلامية الأخرى، دون الدخول في ساحة الخلافات الداخلية.
طرقت الجريدة أمورا جادة، وطريفة، كما ركزت على معالجة مشكلة الاندونيسيين الذين ينقطعون في الحجاز بعد أداء شعيرة الحج، كما نوه يونس بحري بانتصار جنود الملك عبدالعزيز في اخماد فتنة ابن رفادة.
وتعرّض يونس بحري في تلك الفترة لاعتداءين عليه بسبب مواقف جريدته، ثم اختفى من إندونيسيا في يناير 1933م بعد أن كان قد صدر من جريدته العدد الثاني عشر، وكان البعض يحسبها للشيخ الرشيد والثابت أنها ليونس بحري.
وبعد:
هذه لمحات موجزة عن الشخصية الإذاعية والصحفية الشهيرة والمتناقضة يونس بحري، أشهر الإذاعيين العرب في الحرب العالمية الثانية، الذي وضع نفسه في خدمة هتلر والنازية.
والأمل أن يلحق بهذا المقال عمل آخر يتممه بمعلومات أكثر دقة وشمولية فيما يتصل بأمور الدعوة في إندونيسيا، وعن زيارته للحجاز، وسياحته في تهامة قبل تسعين عاما، راجيا أن يسهم في الكتابة عنها من لديه معلومات أوسع، مع تكرار الشكر لكل من اسهم في تزويدي بمعلومات إضافية ساعدت في استكمال هذا المقال، ومنهم د, يعقوب الحجي الكويت ، والأستاذ نجدة فتحي صفوت لندن والأستاذ المحامي رجب بركات المقيم في الرياض ، ود, عبدالعزيز بن سلمة المندوب السعودي الدائم لدى اليونسكو، باريس .


رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.