Saturday 22nd January, 2000 G No. 9977جريدة الجزيرة السبت 16 ,شوال 1420 العدد 9977



وزارة للثقافة وتحقيق للذات

الرياض عاصمة للثقافة العربية لعام 2000, حدث يعيد الحياة الى بعض الاحلام التي وأدتها عوامل مختلفة في نفوس المثقفين، احلام من نسج ابرة الواقع وبخيوط المستقبل، وليست صعبة المنال ولا عسيرة التحقيق، وبخاصة ان الآخرين حققوها منذ زمن بعيد مع ان امكاناتنا تفوق امكاناتهم وبنسبة غير قابلة للمقارنة، وتزامنا مع الاقتناع بسقوط نظرية المراكز والاطراف,, القلوب والهوامش,, والتي تم تسويقها لاهداف ليست ثقافية, فهاهي الرياض عاصمة للثقافة العربية، وهانحن في مركز قطب الدائرة، وهاهي الآمال تتجدد والاحلام تصحو والافق يتسع من جديد لاحلام المستقبل الثقافية والحضارية وهي تطرح نفسها: اسئلة وحواراً وامنيات.
مع وجود جهات مختلفة لها جهودها الثقافية والتعليمية والاعلامية، ولكن، لصعوبة التنسيق فيما بينها، ولكون الثقافة والفنون والابداع لا تتعدى كونها هامشاً من هوامش اهتماماتها العديدة، فان وجود وزارة للثقافة تتخصص في الثقافة والفنون والابداع اصبح حاجة تفرضها مواكبة التطورات التي طالت المجالات الاخرى، حيث تستطيع، بحكم تخصصها وملامستها المباشرة، معالجة كثير مما يعانيه المهتمون بالثقافة والفنون والابداع انتاجاً او استفادة او استمتاعاً, بحيث تكون البداية مع بداية هذه المناسبة الرياض عاصمة للثقافة العربية لعام 2000 وتكون الممارسة الرسمية لانتاج الفعاليات والاشراف على تنفيذها طوال عام كامل تهيئة لها لكي تتشكل وتأخذ وضعها النهائي في نهاية العام, ولاشك ان التعاطي المباشر يومياً مع الفعاليات وما يواكبها من نجاح او فشل,, من كمال او قصور,, وما يطرح على هوامش هذه الفعاليات من اسئلة وحوارات وما يتم ملاحظته من عقبات ومشكلات، كل ذلك، سوف يجعل الرؤية اكثر وضوحاً، وسيبلور كثيراً من الخطط والتصورات والاهداف التي ستواكب وتخدم خطط التنمية، بل، والتي لا غنى لخطط التنمية عنها، ومن حيث ان الانسان هو الهدف من التنمية، ومن حيث ان الثقافة هي نتاج انساني يعود على منتجه اولاً بالفائدة والمتعة ويساعده على تطوير نفسه وامكاناته والرقي بسلوكه وممارساته قولاً وفعلاً، ويشكل نظرته الى العالم وموقفه منه.
هذا بشكل عام، وكحاجة دائمة، اما والمناسبة قد بدأت فعلاً، والوقت يسابقنا,, والآخرون ينتظرون ما سوف نقدم في هذه المناسبة، فان المشكلات الموجودة، والتي تستدعي العلاج السريع، هي اول ما يجب تلافيه او محاولة التقليل منه ومن آثاره السلبية في سعي سوف يؤدي مستقبلاً الى الغائه نهائياً، وهذا هو الامل والطموح.
الناتج الثقافي المتوقع يجب ان نحاول الا يقل كماً وكيفاً عن الناتج الحضاري المادي وعن الانجازات الاقتصادية والحضور الاعلامي الذي تتمتع به بلادنا، حيث لا تنفع كل وسائل الاعلام والتلميع الخارجي والمهرجاني والاحتفائي والولائمي ولا كل مظاهر التقدم المادي والتقني اذا كان المنتج الثقافي ضعيفاً ومتواضعاً، حيث يلاحظ الآخرون ان هوة كبيرة تفصل بين ما نمارسه ونتمتع به من تقدم مادي وتقني من جهة وما نقدمه من ثقافة تعكس تقليدية لا ترى نفسها الا في الماضي ولا تسعى الى تحقيق ذاتها حاضراً ومستقبلاً بقدر ما تسعى وتنفق على هذا السعي الى تحقيق تراث شبع بحثاً وتحقيقاً حتى كأني بهذا التراث الماضوي يصيح بنا: دعوني,, دعوني وانتبهوا الى حاضركم ومستقبلكم، ويذكرنا بقول الشاعر القديم :

ان الفتى من يقول: هاأنذا
ليس الفتى من يقول: كان أبي
ولاشك ان فيمن سيزورنا مثقفين حقيقيين قادرين على التمييز والتقييم، ولن يكونوا كلهم، مجرد اشباه مثقفين او صحفيين لا يتعدى اهتمامهم سوى التصوير والتسكع في المآدب وبين أبهاء الفنادق الفاخرة .
ما سوف نقدم سوف يعكس وعينا الحقيقي لمفهوم الثقافة الذي يعيه ويفهمه بعض من سيدعى من الخارج لحضور الفعاليات, ومن الاولويات اذن، ان نزيل ما علق بأذهان من سبقوهم من اننا بلد لم يكد يتجاوز مرحلة الامية فقط او انه لا يهتم بالثقافة على الاطلاق, وكان هذا التصور ناتجا عن ملاحظات لفعاليات سابقة قدمنا فيها ونقدم ثقافة لا تمثل الواقع ولا العصر ولا المستوى الحضاري المادي والتقني الذي نعيشه، بل ولا تؤكد على هويتنا الحقيقية بالركيزة الوحيدة لهذه الهوية وهي اللغة الفصحى .
من ضمن ما نطمح اليه: تقديم منجز ثقافي يمثل فكراً يجادل الواقع ويستشرف المستقبل، ويتبنى الحوار القائم على الرؤى المتعددة، والذي يؤمن بالاختلاف وتغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية الضيقة، والقائم على الصدق والشفافية وعدم تهميش المثقفين الحقيقيين وتركهم بعيداً عن الضوء ومنابر الاعلام، والذي لا يخلط بين المثقف والمتعلم، بل ويميز بين المثقف الجاد والدعي البهلوان ، والذي لا يتكىء على الشللية لتمرير سطحيته وتكريس ظهوره الاعلامي ومحاربة ظهور من يفضح زيفه وادعاءه، والذي يمتنع عن استغلال الترويج لبعض الكتابات النسائية المبتدئة لاغراض غير ثقافية مما يحرم المثقفات والمبدعات الحقيقيات ذوات المبادىء من التقييم والتقدير العادل والحقيقي.
هذه المناسبة فرصة لتعرية كثير من الممارسات الثقافية ونقدها، بشرط,, الا يراعى في هذا النقد جانب المنتفعين من بقاء الثقافة والاعلام الثقافي على حالهما البائسة.
وفرصة لاستغلال الوسائل المتاحة للترويج لثقافتنا كما يفعل الآخرون من خلال السفارات والاعلام الخارجي بالكلمة والصورة والمطبوعة وبلغات مختلفة تتناسب مع ثقافة ولغة الآخر ولاستغلال الوسائل الحديثة كالانترنت وان يكون تقدمنا المادي والتقني سبباً في تفوقنا وابداعنا كالغرب لا سبباً في الخمول والتخلف والاتكالية.
وفرصة لتشجيع القراءة والتأليف من خلال اقامة معرض دائم للكتاب لا تغيب عنه الكتب السعودية المهاجرة ، ففي حين نبحث عن الكاتب السعودي في الخارج تكون بلادنا من اقوى اسواق استهلاك الكتاب في العالم، ولكن,, لكتب الآخرين، مما يستدعي تشجيع الطباعة والنشر والتوزيع وتبسيط الاجراءات الرقابية الروتينية على المطبوعات وشمول كافة مستلزمات الطباعة بالاعفاء الجمركي وغيرها من التسهيلات.
لعل هذا، او بعضا منه، يغيّر على الاقل الاقبال الجماهيري المتواضع جداً في مناسباتنا الثقافية، وهذا دليل اننا لا نقدم للجمهور ما يريد او ما يناسب ذائقته الجديدة واحساسه الفني والجمالي الحديث.
لا يطمح احد الى انجازات خارقة او غير مسبوقة، بقدر ما يطمح المثقفون الى عمل جديد ينهض على رؤية جديدة لواقع جديد.
عبد الله بن سعد اللحيدان

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

الحدث صورة

رياض الثقافة

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.