Thursday 27th January, 2000 G No. 9982جريدة الجزيرة الخميس 20 ,شوال 1420 العدد 9982



مستعدون,, غير مستعدين؟أكشن!!
منيرة أحمد الغامدي

كان والدي يرحمه الله يهوى التصوير الفوتغرافي لدرجة العشق، ولدي واخوتي مئات من الصور الفوتوغرافية منذ خلقنا الله على وجه البصيرة حتى كبرنا بعض الشيء! وبدأنا نرفض تصويره الذي كان اشبه بالقصف العشوائي المباغت,, حيث كان يصورنا نياماً وقياماً وقعوداً، ولنا من الصور ما نحن فيها معلقون في الشجر، وأخرى نسبح في البحر، ندري ببعضها ومئات لا ندري إلا بعد تحميضه لها، ولكم أن تتصوروا مقدار فرحته بها وضحكاته المجلجلة التي كنا نسمعها قبل أن يصل إلينا محملا بغنيمته الفوتوغرافية.
بدأنا نرفض ذلك القصف غير المقنن لمواقع وجوهنا وبقية أجسادنا، وذلك بعد أن بدأ اهتمامنا بالمخرجات النهائية للصور يتزايد، فبدأنا نعد العدة للصورة، نتأهب ونتزهب وقد نتعطر أحياناً.
لم تعد طلة تلك الوجوه التلقائية التي نراها تبحلق فينا من خلال الصور تستهوينا,, بل إن احدى اخواتي كانت تبكي بحرقة بعد رؤيتها لصورتها، وكانت تمزق الكثير من الصور مدعية بأنها لاتمثلها ولا تمت لها بصلة!! وعليه بدأنا نتحنط ونضع الأصبع على الخد في كل صورة، ذلك التقليد الذي نادراً ما تخلو منه صورة، ولا أعتقد أن منا من لم يظهر بتلك الصورة في حياته ولو مرة واحدة!! (ولا تسألوني متى كانت تلك الحقبة من الزمن,, هو زمن وولى وليس ببعيد على كل حال).
لعل والدي كان على حق في اتجاهه الذي كنا نرفضه وكان يصر عليه، ولعلني الآن بدأت استشعر حلاوة وجمال التلقائية في التصرفات قولاً وفعلاً وليس في الصور فحسب ، ولا يعتبر استيعاب ذلك تأخراً مني على كل حال!
كانت احدى صديقاتي تحدثني عن التلقائية وفطرية التعامل، وكيف أننا في احيان كثيرة، ومناسبات متعددة نفتقد التلقائية المحببة، رغم بساطة الموقف الأمر الذي لا يستدعي معه كل ذلك التشنج!!
تقول صديقتي انها كانت في بداية العام الدراسي وفي بداية المحاضرة، وطلبت من الطالبات اللاتي لا تقل أعمارهن عن شيء وعشرين أن يقمن بتعريف أنفسهن (الاسم، العمر، الحالة الاجتماعية,,,الخ) وكانت تتوقع منهن اجابات تلقائية ، إذ ان الاجابة معروفة ومحفوظة لديهن بطبيعة الحال، ولكنها فوجئت بأن كل واحدة منهن بدأت في كتابة تلك البيانات على ورقة وبدأت تقرأ وكأنها ستلقي قصيدة عصماء كتبها غيرها، وتخشى أن تخطىء في حرف من حروف اسمها فلا تعود تعرف من هي!!
تقول صديقتي,, شعرت بالمرارة والغصة والرغبة في الضحك في نفس الوقت فشر البلية ما يضحك,، وبدأنا أنا وصديقتي نتساءل على من يقع الدور في تعليم وتعويد الأطفال على التلقائية، وما هو الحل؟
هل يجب أن يكون هناك دروس متخصصة تعطى للأطفال من المراحل المبتدئة في التعليم؟ أم هل يجب أن يكون هناك برامج تلفزيونية أفضل تعنى بالطفل بدلاً من تلك البرامج التي مع احترامي الشديد مللناها فهي منذ كانت على أيامنا الخوالي لم تتغير ولم تتبدل اللهم إلا وجوه الأطفال، بل إن بعض العائلات التلفزيونية توارثتها!!
نفس الأسطوانة ونفس الموشح (شاطر حبيبي وبطل عبودي!! ممتاز حمودي ، يالله يا بابا سفقوا له عندما تضيء اللمبة الحمراء!!) ومن وراء الكواليس ياويله وياسواد ليله اللي ما يسمع الكلام!!
إذا كان الدور على الأهل فهل يجب أن يساعد الأهل أبناءهم ليعبروا بتلقائية، هل على الأهل أن يبتعدوا عن ترديد تلك الكلمة المقيتة عيب بمناسبة وغير مناسبة؟ وهل يعون ضرورة اتاحة الفرصة للطفل للتعبير حتى لو أخطأ! على أن يصحح لاحقاً بطريقة أكثر حضارية بدلاً من ياولد اسكت وانثبر ويا بنت انكتمي وروحي شوفي دروسك!! وإيانا وإياكم ان تجلسوا مع الكبار مرة ثانية!
هل يجب أن نستمر في رشهم بمريتو أمام الآخرين هل يجب أن تبقى أعيننا مسلطة عليهم بحيث لا يرمشون ويفشلوننا !!
يحز في النفس أن نرى الطفولة بكل جمالها وروعتها تختنق، نعم لتعليم الطفل ما يجب وما لا يجب في حدود المعقول مع أن هذه الكلمة نسبية، ولكن أن يكون كل شيء عيبا وما هو ليس كذلك فهو لا يجوز؟؟ ان يكون دورنا في حياته مجرد تلقين وأوامر منذ استيقاظه حتى ينام!! هذا خنق للبراءة واغتيال للتلقائية الفطرية.
احداهن ولدها البالغ من العمر ثلاث سنوات لم يشرب اللبن في حياته، كانت في زيارة لزميلة لها، فما كان من ولدها إلا أن فتح بكل تلقائية الأطفال الطبيعيين ثلاجة تلك الزميلة وشرب بسم الله عليه لتراً إلا شيئا من اللبن!! أتعلمون ماذا حدث بعد ذلك؟ قد لا تصدقون أنها أشبعته ضرباً بعد عودتها لبيتها,, تقول فشلها!! تقول اللبن ينتهي تاريخ صلاحيته دون أن يشرب في البيت.
سبحان الله كنت أظن بأنها سوف تطير فرحاً لأن عقدته من شرب اللبن قد زالت!! الكارثة أن والده قال لها تستاهلين,, كثيراً ما أطلب منك أن تتركيه في البيت مع الشغالة، ولكنك ترفضين إلا أن تأخذيه حتى تري زميلاتك ملابسه الجديدة!! تستاهلين!!
حتى لو كانت تستاهل، ولكنهم لا يستحقون منا إلا كل رعاية وعناية واهتمام، حتى لا نتحمل ذنب تنشئتهم الخاطئة، لينشأ جيل خال من العقد النفسية والإحساس بالنقص والدونية، طفل ثقته بنفسه مرتفعة واحساسه بآدميته عال، جيل تلقائي بانٍ مساهم,, بعيد عن شحاذة اشارات المرور حتى بعد أنصاف الليالي، وعن سموم مقاهي الثمامة وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة، وعن بعض مواقع الانترنت الهادمة وهو مازال في البيضة!! احفظهم يا رب.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

منوعـات

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.