Thursday 27th January, 2000 G No. 9982جريدة الجزيرة الخميس 20 ,شوال 1420 العدد 9982



شدو
أنا أبتسم، إذاً أنا مكتئب!
د, فارس الغزي

الدكتور: فهد اليحيى رجل يعجبني ويخيفني في آن واحد!: يعجبني تبحره في مجاله العلمي، ويخيفني (صيده!) في كل مرة يغوص بها في أعماق محيط الطبيعة البشرية الهادر!, لذا لن أكتمكم السر بالقول ان مقالة من مقالات هذا الرجل بخصوص (الاكتئاب) قد سببت لي قلقاً لم أكن بحاجة إليه ألبتة, وبما أن (عندي مايكفيني!) لم أجد سوى الدعاء له بالعفو كوسيلة من وسائل التغلب على ما اعتراني بسببه! ان باعث استهلالي لتلك المقالة بابتهال العفو عنه، يكمن في كونه جدع في بطني حصاة! ، مما جعلني آوي إلى مكان يعصمني فلم أجد سوى (حقل الذرة!) فدخلته,,!
حسنا!,, ما القصة,, القصة تتلخص في أنني قد قرأت في (الجزيرة) مقالا للدكتور فهد يفيدنا فيه عن وجود نوع من الاكتئاب المسمى: بالاكتئاب الباسم : Smiling Depression ، وقد ذكر الدكتور ان من ضمن أعراضه (التبسم!)، الأمر الذي من جرائه أن لازمني شعور قهري بالتساؤل (الذاتي) عما إذا كنت مصابا ب(المضحك المبكي!) هذا، وذلك في أعقاب كل عملية ابتسام قام بها فكاي مذ قراءتي لمقالته,,!
وبما أن الموت مع الجماعة رحمة! ، كما يقولون، فقد وجدت بعض العزاء في كثرة المكتئبين تبسما أو المبتسمين كآبة من حولي!, بل لقد وجدت أيضا أن أغلب قصائد شعرائنا، الفصيح منها والعامي على قدم المساواة، تنضح بالتبسم مما أكد لي أننا كلنا (في الشرق اكتئاب!), حسنا! تأمل، مثلا، بيت المتنبي:
ولما التقينا والنوى ورقيبنا
غفولان عنا ظلت أبكي وتبسم
أجبني الآن (مع رجاء مراعاة الطابع الهزلي لتلك المقالة!),, ألا تجد شيئا مثيرا للغرابة في مضمون هذا البيت؟!,, ألا تستشف من بكاء المتنبي (رغم تحقق اللقاء وغفلة الرقيب!)،,, وتبسم حبيبة المتنبي (في حضرة رجل يبكي!) دليلين قويين على أن هذين الشخصين (غير طبيعيين!) مما قد يدل على أنهما يعانيان من الاكتئاب، بغض النظر عن اختلاف عرضيهما أضحك أم بكاء (أينك يا بروزاك في مثل تلك المواقف؟!).
وتستمر المعاناة (التبسمية!) على إثر تذكري بيتا من الشعر لايخلو من الابتسام,, بل هو أدهى وأمر حيث انه ابتسام حيوان ابعد ما يكون عن الألفة! إنه الأسد الذي قال عنه عجز بيت الشاعر :(فلاتظنن أن الليث يبتسم!),, ومرة أخرى أجد نفسي في خضم عملية تقمص دور أحسن مافيه أن ايجابيته الوحيدة تتمثل في الموت (بعجالة!) في أحضان أسد هصور (تتبسم!) براثنه وتبسم أنيابه!.
في ذينك اللحظة، استجمعت قواي واسررت إلى نفسي (صارخا) بكفى إذعانا وقررت عدم السماح للخيال ليسرح بي (كما هي عادته دوما!) بل أصررت، هذه المرة، على أن أكون (الراعي!) السارح بالخيال يحدوني الأمل بخيال لاينتهي بالموت اكتئابا, ومع ذلك، خرجت بنتيجة مأسوية مثيلة لسابقتها، بل ان الخيال الثاني قد أضاف إلى حقيقة كونه أسدا هصورا جائعا، فاجعة (ابتسامه) مما يعني أسدا جائعا ومكتئبا كذلك (يا الله الخيرة!).
وبما أن الشعر، أي شعر، يميزه عامل (المشاعر الانسانية)، وبما أن الاكتئاب، كذلك ، لايفرق بين هذا أو ذاك، فقد أردت الانصاف فآليت على نفسي ألا أغفل البحث عن مكتئب عامي,, فقط لأجد (ضعيفا مكتئبا ضحكا!) يتوسل بعد فوات الأوان!:
أضحك مع اللي ضحك والهم طاويني
هنا، تراءى لي أن شدة وطأة ماأحس به هذا الشاعر من آلام اكتئاب (أبو بسمة!) لم توجد له خيارا سوى الاعتراف بحقيقة ما كان يلم به؟!,,, وإن كان السياق يوحي بأن الوقت لعلاجه كان متأخرا جدا, ومع ذلك حري بي أن أقول ان مجرد اعتراف هذا الشاعر بالاكتئاب، يعد خطوة من خطوات الشفاء بحد ذاته، وكما يردد الدكتور فهد دائما!, أمر آخر ان في اعتراف هذا الشاعر دليلا قويا على شجاعته (كوننا ولا نزال!) نرى في الاعتراف بالمرض النفسي ضعفا لاحد له، بل وشرخا في انطباع (الآخر) عن ذكورة ورجولة المعترف! ولكن,, يبقى السؤال الأبدي عما إذا كان اعتراف شعرائنا، السابق ذكرهم، بالاكتئاب، قد ساعد فعلا على شفائهم منه؟!,, لا أدري، حيث لامجال هنا للتأكد من ذلك بسبب موتهم (الجماعي!)، ولكن والسؤال للدكتور فهد هل تستطيع اختبارات الDNA كشف أسباب موت المكتئبين كقدرتها على كشف الأسباب العضوية؟!
أخيرا، ومن وحي ما سبق ذكره، أجد لدي رغبة (أعدك بأنها الأخيرة يا دكتور: فهد!) تتمثل فيما إذا كنت توافقني الرأي على عدم صحة فرضية ما لدينا من أقوال مأثورة من قبيل معرفتك للشر حري ألا تقع به؟!, ,, خصوصا بعد تجربتي مع (الاكتئاب المبسوط أو الباسم، لافرق!)، وهي تجربة ما كان لها أن تحدث لولا قراءتي لما كتبت عنه يادكتورنا الفاضل؟!, أقول قولي هذا لأنني أرى أن الاحاطة بأبعاد الشيء دائما ما تقود إلى تقمص الأدوار وتخيل النهايات السلبية المرتبطة بهذا الشيء! مما، بالتالي، يلقي (بالعارف) إلى تهلكة مايعرف بألم المعرفة , بالمناسبة، لاحظ أنه في نفس الوقت الذي يقول الأمريكيون Ignorance is aBless أو الجهالة نعمة، يتمنى شاعرنا (الذي قد يكون مكتئبا هو الآخر!) تمنيا يبدو أن أوانه قد فات:

من لي بعيش الأغبياء فإنه
لاعيش إلا عيش من لم يعلم
أو خذ تغني نظيره الآخر قائلا:

ذو العقل يشقى بالنعيم بعقله
وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم
ختاما، أخي د/ فهد: أستمتع دوما بما يخطه يراعاك الماتع,, لك الشكر.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

منوعـات

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.