Thursday 27th January, 2000 G No. 9982جريدة الجزيرة الخميس 20 ,شوال 1420 العدد 9982



الزمن المقلوب
عشرة فروق بين لاعب الكرة ولاعب الكلمة,,!
أحمد عبدالرحمن العرفج

لنعترف ان الكتابة مهنة خرقاء، مستباحة يرتادها الامي والجاهل ونصف المتعلم وما بينهم!!
هل شاهدت أميا يعبث بالكهرباء، او بمعمل كيمياء، أو بقيادة طائرة؟!!
ولكنك تجد الملايين يكتبون وينشرون، يتحدثون عن طقوس الكتابة وألمها واوقاتها، ونوعية القلم الذي يكتبون به!!
يحيطون ذواتهم بأمجاد هلامية، ومفاخر سرابية ولا يتورعون عن التورم بأشكال نرجسية حتى ان واحدهم تراه (كالقط يحكي انتفاخا صولة الاسد)!!
الكل يتحدث عن مشاريع المستقبل التي لا تتجاوز مقالاً سوف يكتبه او كتابا سوف يصدره,, ثم ماذا؟!
قال احدهم ان الكتابة، لا تأتيه الا في الثلث الاخير من الليل، وقال آخر في الكتابة أعيش في عالم آخر، وقال ثالث وهو أتعس القائلين انه يكتب لينقد الآخرين!!
حاولت ان افتعل مقارنة بين الكاتب ولاعب الكرة فوصلت الى نتائج مذهلة وعجيبة، بل ومدهشة,.
أولاً: من حيث التدليس:
اللاعب يحمي نفسه بانه يلعب على المكشوف، ولا يمكن ان يجتاز الامتحان الا بجدارة، اما الكاتب فهو لا يحمي نفسه، لذا قد يحتمي بآخرين!!
ثانيا: من حيث القيام بالعمل:
لاعب الكرة فاعل قائم بذاته (عيني) تراه امامك يكر ويفر، ويقتل ويدبر، وليس له الا قدمان ورأس وسرعة ولياقة، اما الكاتب فانه (قد يكون قائما بنفسه) وقد يكون بغيره، فهو لا يكر ولا يفر، ولا هم يركضون، لا تكاد تعلم عن لياقته وسرعته ورأسه الا صورته التي غالبا ما يظهر فيها بانه مستغرق في التفكير، او ممسك بقلم، او متكىء على يده اليمنى وكأنه في لحظة تجلٍ زرقاء!!
ثالثا: من حيث التصديق:
لاعب كرة القدم، لا يفعل الا ما يراه صوابا، ولا يعرف النفاق او المجاملة أو المجانية، انه يقدم نفسه كفاعل يعمل ما يعتقد!!
أما (لاعب الكلمة) فانه يقول ما لا يفعل، ويفعل ما لا يقول، وينافق ويجامل وينكر اليوم ما قاله بالامس، ويبرر ذلك بالتجديد والتحول، اليس آفة الماء الركود!!
رابعا: من حيث المتعة:
يسرق لاعب الكرة الانظار ويستحوذ على القلوب، لانه يمتع اولا، مجتهد ثانيا، ولانه وهذا اهمها صادق بعزمه وعزائمه!! وركضه واخلاصه.
اما لاعب الكلمة، فانه في الغالب (يبيع الكلام) فإذا لم يشتره احد وزعه (مجانا) ككل الاشياء التي لا قيمة لها.
خامساً: من حيث التخصص والدور:
لاعب الكرة، له دور، لذا تسمع ان الحارس نصف الفريق وهذا رأس حربة، وذلك ظهير ايمن، وهذا ظهير ايسر، انها حركة تنظيمية، ومتى كانت الحركة سيئة او فوضوية فان الفريق يعود يجرجر اذيال الهزيمة!!اما في مجال الكتابة، فلاعب الكلمة يمسي شاعراً ويصبح ناثرا، تراه في وجه النهار يكتب عن انقلاب سيارة بطيخ، وفي ظهيرة الغد تراه يكتب وينتقد رجلا اشترى منديلا للسيدة ام كلثوم ببضعة ملايين، وبعد غد تراه يشرح حديث (من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه).
سادساً: من حيث اللياقة:
لاعب الكرة تراه يتدرب يومياً ويعرض على الفحص الدوري، اسبوعيا يمنع من اللعب بحجة عدم اكتمال اللياقة اما لاعبو الكلمة فتراهم منذ عشرين سنة لم يقرأ، ولم يفكر، ولم يحلل ومتى سمعت عن كاتب متوقف عن الكتابة بدعوى عدم اللياقة، وفق هذه الفوضى انتشرت امراض الاسهال الكتابي، وعمى الالوان وعرجان الثقافة وبرصان الحروف!!
سابعاً: من حيث الاخلاق:
لاعب كرة القدم انسان تحكمه قوانين واعراف وفق أنظمة وتعليمات لهذا تراه مؤدبا وخلوقا وكل من نزل عن السطر (اكل على رأسه) لهذا تسمع عن ايقاف فلان سنة وآخر شهر وثالث مباراة واحدة، علاوة على ان الخطأ الذي ارتكبه معروف ومشهور يراه كل الناس!!
اما لاعب الكلمة، فهو رجل يسير وفق هواة لا قوانين ولا اعراف تحكمه، لهذا لا تسمع عن ايقاف كاتب استخف بعقول القراء، او انه استجدى أو جامل!!
ثامناً: من حيث الخفاء والوضوح:
لاعب الكرة يلعب على مستطيل اخضر ليله كنهاره، كالشمس في رابعة النهار، لا يمكن ان تتصور ان لاعبا يلعب عن آخر، بل لا يمكن للاعب لا يستحق او غير كفء ان تراه داخل هذا المستطيل!
اما لاعب الكلمة فهو كالخفاش يلعب في مستطيل الورقة، ويمكن ان يكون هو اللاعب ويمكن ان يكون لا!!
ولهذا تجد الفرق كبيرا عند الكاتب عندما يتحدث وعندما يكتب فهو في الكتابة يكتب الجمل المشرقة والعبارات الجزلة، وعندما يتحدث تتوارى منه خجلا وتقول (ليته سكت!!)
تاسعا: من حيث التعاون:لاعبو الكرة يؤدون واجباتهم بشكل جماعي لهذا تنتشر فكرة (الكرة الشاملة) بل ان الكرة تسير وفق خطط من الحارس الى الدفاع، مرورا بالوسط، وانتهاء بالهجوم، واحراز الهدف، اما لاعبو الكلمة فهم كائنات متناحرة يتقاتلون في سبيل الغاء بعضهم، فهم يتعاونون ولكن على الاثم والعدوان.
عاشراً: من حيث النتائج:
لاعبو الكرة يتحاورون لهدف، ويجتمعون لعمل، ويتكاتفون من اجل تحقيق النصر وهو يتحقق بقدر خدمتهم لمحبوبتهم لذا يقال: (الكرة لا تخدم الا الذي يخدمها), اما لاعبو الكلمة فهم قبائل وعشائر مندثرون بعباءات ويكثر فيها العطاس والسعال (ولا عجب فهذه ضريبة الكتابة كما يقولون) هدفهم غير واضح لانهم يعدون التلميح خيراً من التصريح والكناية خيراً من الوضوح، وعملهم هو نفخ ذواتهم على الورقة، لهذا نجد ان الكتاب عندنا بالملايين بينما قد يفتقر الفريق لرأس حربة بارع، أو لاعب اقواس يقظ، او ظهير ايسر طائر!!
أعلم ان هذا سيغضب قوماً ولكنه سيفرح قوما آخرين، وهذه مقارنة اولية ولو سرت لنهاية المطاف لوجدت الف فضل وفضل للاعب الكرة على لاعب الكلمة، ولا يخفى على الذكي او الغبي بأن الاشارة هنا الى اولئك الكتاب الذين لا اصلا اقاموا ولا فرعا عملوا، والا ففي الساحة من اهل الكتابة من تتراقص طربا لحروفهم وتنتظرهم كما ينتظر الفلاح موعد (خرف التمر) في أواخر آب اللاهب,.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

منوعـات

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.