Thursday 27th January, 2000 G No. 9982جريدة الجزيرة الخميس 20 ,شوال 1420 العدد 9982



بدايات
نتوءات الحجر
محمد عبدالرزاق القشعمي

عاد الفتى لأمه باكيا عندما ناداه ابن عمه الذي يكبره ياولد الحِتِّي أمام أولاد آخرين، مما شعر معها بإحراج وإهانة، إذ كيف يكون ابن امرأة وبمعيارتها أيضا، فجعلت تطيّب خاطره تساحره للتوقف عن البكاء، وإنه ابن والده فلان، وإنه لم يدعك بهذا الاسم إلا لعدم تواجد والدك حاليا هنا، فهو دائما مسافر إلا لفترات بسيطة، أما كونه يذكر معيارتها الحِتِّي فهذا لا يعبيها ، إذ أنها وهي صغيرة كانت تقف تحت النخلة وتشحذها شيئا من التمر وتقول لها حِتّي,, حِتّي,, أي لعل الهواء يطوح بالعذق فتسقط بعض تمرها أو بلحها مثل ما يقال لكالغبّوري عند سماع عمك وهو يقول إن تمرها السنة مغبِّر.
فكررتها كثيراً إن تمرها السنة غبوري يعني مغطى بالغبار, ومثل خالك وهو صغير عندما فقدوا البطيخ من المزرعة وسأله والده عنه قال: هل رأيتموني آكله أو سمعتم درمي ولهذا سمي الدرم ، وهكذا نسي الموضوع الذي جاء من أجله، فطلبت منه أمه أن يذهب مع أخته لتجميع الجلة من حوش البعارين، إذ لم يبق حطب لتشب منه النار على الغداء، والجلة هي دمن البعارين ليكون بديلاً للحطب حتى تشرط له أن يلحس المغرفة بعد نضوج الطعام وغرفه من القدر للصحن، ذهب مع أخته إلى مبرك البعارين خارج سور البيت فبدأت أخته بجمع الجلة وبدأ يلعب فوجد سحبلة سحلية صغيرة فمسك بها وأخذها إلى حيث أخته ووجد بجوارها الناقة واقفة فوضع السحبلة على يدها مما جعلها تدبي على ساقها فرفعت يدها بقوة وهوت بها على الفتى مما جعله يتدحرج بين أرجلها فقام مسرعا إلى حيث توجد أمه ولم يخبرها بما جرى, إذ لو أخبرها لضربته لأنه قد تعدى على الناقة وهي في نظرهم جميعاً أغلى منه، إذ أن الناقة يستفاد منها في أوجه كثيرة أما هو فبماذا يستفاد منه.
أخذت الحب القمح للطاحونة لطحنه، فأزالت ما علق بالحجر من غبار ورمل ووضعت تحت الحجر الأسفلالأرضي سفرة من خوص النخل ثم ترفع الطبقة العليا من الحجر الآخر ووضعته فوق الحجر الأسفل ثم بدأت بأخذ الحب وإدخاله مع الفتحة الصغيرة الموجودة في وسط الحجر الأعلى فأدارت الطاحونة بيدها من اليمين لليسار فبدأ الطحين يسقط على السفرة فمد يده لمساعدتها وتظاهر بأنه هو الذي يتولى عنها الطحن وأنه لولا وجوده بجوارها لما تم هذا العمل ولما وجدوا ما يتغدون به.
انتهت من جمع الطحين ووضعته بالقدر وأضافت له الماء وبدأت بعجنه رغم ما يختلط به من رمل ليس بالقليل ومع ذلك يؤكل بتلذذ لعدم وجود البديل.
وكذا عندما تنوي طبخ جريش فهي تتولى جرش الحب بالحجر الآخر المماثل للطاحونة فقط إن المجرشة تختلف بكبر فتحات أو نتوءات الحجر، بل هي أصغر حجما من الطاحونة، وإذا كان المطلوب من الطحين أو الجريش كثيراً لوجود وليمة أو مناسبة عرس فتتساعد عدة نساء في طحن أو جرش الحب فيتقابلن مع بعضهن وفي وسطهن الحجر وتسند كل واحدة رجلها برجل الأخرى ويبدأن بالغناء الحماسي وتتولى أمهرهن وضع الحب بالفتحة الوسطى بشكل سريع والطحين أو الجريش ينزل من جوانب الحجر بكمية كبيرة.
يذكر أنه في فصل الصيف يتناولون عشاءهم خارج المنزل بالقرب من بابه المحاذي للطعس المضل وأنهم في الظلام سمعوا صوتاً مثل الوحيف ورأوا نوراً لهذا الشيء يسير في السماء فخافوا وتقافزوا إلى داخل المنزل والبقاء في إحدى الغرف وبقيت والدته وامرأة عمه في باب الحجرة، بحيث تستطيعان سماع الصوت, أما الرجل أو من يكبرونه من أبناء عمه أو عمومته فبقوا حيث هم، وكانوا يضحكون لخوفهم من الطائرة، وكانت والدته تقول إن أم فلان تقول لها إن هناك سحارات سوف يأتين بالليل لخطف الأولاد,, وأكيد إنهم هاذولي.
جاء الخبر بقرب قدوم والده من الرياض وأنه ينوي بناء مسجد ليكون جامعاً بالقرية وسيتكفل أحد المحسنين بتكاليفه وقد أناب الوالد ليتولى مهمة الإشراف على البناء وتجهيزه, فأحضر البنائين والعمال من أبناء القرى القريبة وبدأوا بنقل الأحجار والخشب، فقد كلف بعض الفنيين بقطع الأحجار من الجبل خارج النفود والأخشاب فتجمع من القرى القريبة، وأحضرت الجمال لنقل مستلزمات البناء من خشب وعسبان وطين وأحجار وغيرها ونصبت خيمة بجوار المسجد انتقلت إليها والدته حيث بدأت تطبخ لهم الوجبات الثلاث وتقدم لهم القهوة فيما بينها والتمر وقت فكوك الريق والهجور,, وبدأ الفتى يمسك بيد والده ليدله على الطريق وقت تنقلاته بين الخيمة او المسجد أو مكان قضاء حاجته,, المهم ألا يصطدم بشجرة أو يسقط في بئر, وما سواها فلا يعتمد عليه في شيء,, وحضر خاله من قرية أخرى للمساعدة في العمل، وبدأ الفتى يركب فوق الجمل وقت الذهاب لنقل الخشب أو الطين من القرى الأخرة، وكان يشعر بالزهو أمام أبناء عمومته ويجد نفسه ذا قيمة، بل مدللاً أحياناً لوجود والده بقربه، في إحدى المرات وهو يركب الجمل ذاهباً مع خاله لجلب الخشب وجريد النخل إلى جانب جمال أخرى, بدأ جمله يهرول مسرعاً مما أبعده عن البقية فخاف الفتى أن يهرب به أو يسقطه أرضا مما حمله إلى القفز من فوق الجمل إلى الأرض مما آلم قدميه الصغيرتين, ألماً استمر فترة طويلة.
كانوا يفرحون إذا حان وقت المطر ويستبشرون به إذا نزل ليسقي الزرع والنخل ويزيد من موجود الآبار من الماء، ويخرج الحشائش في البر لترعى به المواشي, ذات يوم كانوا في القهوة وكان عمه يعد القهوة للرجال من عمومته او من الجيران وكان المطر يهطل ويسمع صوته من غطاء السماوة التي توضع فوق فتحة سقفالقهوة , فكان الفتى كثير الحركة إما بالذهاب لوالدته لإحضار شيء ما وإما للاطمئنان عليهم مع نزول المطر.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

منوعـات

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.