Friday 28th January, 2000 G No. 9983جريدة الجزيرة الجمعة 21 ,شوال 1420 العدد 9983



صورة مؤلمة لعقوق الوالدين في مجتمعنا
عبدالعزيز بن محمد الزير

حقيقة لم يخطر ببالي من قبل فكرة الكتابة حول ظاهرة عقوق الوالدين التي بدأت في التفشي والتغلغل في قلة من الأسر في بلادنا بشكل واضح وجلي ومعاناة البعض من الآباء والأمهات من سوء معاملة أبنائهم لهم بشكل مستمر بقصد أو بغير قصد، في تجاهل مظلم لما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة من آيات وأحاديث تدل دلالة واضحة على الأهمية القصوى ببر الوالدين والاحسان إليهما وطاعتهما فيما يأمران من غير معصية لله، كما تشدد أيضاً على تحريمه بالوعيد الشديد لمرتكبه في أكثر من موضع وتنهى عنه بكافة اشكاله حتى ولو بكلمة أف، حيث قال رب العزة والجلال في محكم تنزيله الكريم: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا اياه وبالوالدين احسانا اما يبلغن عندك الكبر احدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا , الاسراء: 23 24 .
كما قال تعالى: فهل عسيتم إن توليتم ان تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ,, محمد: 22، 23 .
ومن الاحاديث النبوية ما ورد في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس , رواه البخاري.
وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من الكبائر شتم الرجل والديه! قالوا: يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم، يسب الرجل فيسب أباه، ويسب أمه، فيسب أمه , متفق عليه.
وعن أبي عيسى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ان الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعا وهات، ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال، واضاعة المال , متفق عليه,(1).
هذا هو ديننا الإسلامي الحنيف الذي يحرص دائماً لكل ما فيه خير ومصلحة للمسلم ومجتمعه في الدنيا والآخرة من خلال توجيهاته السامية التي نزلت بها في القرآن الكريم.
ولكن ما دفعني للحديث عن هذا الموضوع والتذكير به في هذا الوقت بالذات هو عدم تحملي لما شاهدت وعايشت لصورة حقيقية ومؤلمة لعقوق الوالدين عندما كنت في طريقي الى المنزل في وقت متأخر نسبياً من الليل، حيث تابعت وبمحض الصدفة فصولا دراماتيكية لمأساة واقعية بطلها أحد الشباب في عقده الثالث من العمر تقريباً وهو يدفع أمه بكل قوة وقسوة الى خارج المنزل، مع ارتفاع حاد ومتقطع لنبرات صوته الدالة على أنه انسان غير سوي أو به علة من أمره يكيل لوالدته كافة أنواع السباب والشتائم والتهديد لها بالضرب مرة أخرى ورميها في دار العجزة والبراءة منها لو حاولت الاستنجاد بأحد من أقاربها لمناصرتها، وفي المقابل وعلى النقيض من تصرفات هذا العاق شاهدت وشاهد كل من حضر من الجيران، هذه الأم الضعيفة وهي تحاول بكل ما أوتيت من طيبة قلب وحنان غريزي وعطف أمومي تهدئة حالة ابنها النفسية والدعاء له بالهداية لاقناعه بالسماح لها بالدخول حتى ولو في سور المنزل لحين بزوغ الشمس على أمل أن تتجه بعد ذلك الى منزل أحد أقاربها، وفي محاولة يائسة من بعض الجيران لتهدئة الوضع بينهما لم يكن من هذا الشاب من اجابة لهذه التوسلات سوى السباب واغلاق الباب بكل قوة في وجه والدته لتسقط أمام مرآنا على الأرض في حالة يرثى لها من البكاء والاجهاد والتأثر الشديد من شدة الموقف، ليقوم أحد الجيران بعد ذلك بتوصيلها الى منزل أحد أقاربها كما طلبت, وهذه ولله الحمد ليست صورة شائعة في مجتمعنا وانما هي حالة شاذة ومستنكرة من بعض المعتوهين والمتسلطين من الشباب الذين لا يعرفون ما لهم وما عليهم من حقوق وواجبات تجاه ربهم وتجاه والديهم.
أما عن الصور الأخرى في تمادي الكثير من الشباب لامتهان سوء التعامل مع آبائهم أو امهاتهم بشكل مقصود أو غير مقصود والتي تندرج ضمن عقوق الوالدين هي:
عدم الاكتراث بوجودهما في المنزل وقلة الاهتمام بهما أو العناية بأمورهما, التضجر والتأفف من طلباتهما وعدم الانصياع لأوامرهما فيما يرضى الله.
رفع الصوت عليهما عند محادثتهما أو النقاش معهما وعدم الخضوع لهما.
البعد عنهما عند مرضهما وتركهما لأهل الخير ومراكز رعاية المسنين أو المستشفيات وكشاهد على ذلك مستشفى النقاهة بمدينة الرياض .
هجرهما لفترات طويلة بحجة الانشغال عنهما بالأعمال الخاصة.
الاستهزاء بكلامهما عند التحدث بقصد السخرية.
عدم ملاطفتهما في الكلام أو الأفعال.
ممارسة بعض الأعمال المكروهة أمامهما مثل شرب الدخان وما شابهه.
رفع بعض الأبناء القضايا عليهما في المحاكم والتشهير بهما, الكذب والتحايل عليهما في كثير من الأحوال.
التطاول عليهما بالسب أو الشتم, وهذه السلبيات في الواقع ربما يكون لها أسباب منها:
ضمور الوازع الديني ومجانية التقاليد والعادات التي تربينا عليها، بسبب عدم التوجيه الصحيح للناشئة من قبل الوالدين، أو الى قلة القراءة والاطلاع على الكتب الارشادية والمراجع الدينية التي من شأنها تقوية هذا الجانب الديني والأخلاقي.
قرناء وجلساء السوء الذين يتعلم منهم من يجالسهم ويصاحبهم الأخلاق السيئة والتحريض على فعلها وممارستها باسم الأخوة والصداقة وهي في الغالب تؤدي الى الدمار والخسران.
تعاطي المخدرات أو المسكرات لدرجة تجعل هذا الشخص دائم المشاكل معهما في كل وقت وكل مكان.
المحاكاة والتقليد عبر وسائل الاعلام المختلفة والتي تعرض الغالبية العظمى منها الكثير من المسلسلات والأفلام ذات التوجه المنافي للشريعة الاسلامية كأفلام الإثارة، السطو، عصابات المخدرات، الجنس والإغراء، الاغتصاب، اضافة إلى تركيزها للعمل بالتحريض على استقلال الشباب وتحرره من القيود المفروضة عليه من والديه من تربية وتوجيه واصلاح.
اقتران الزوج أو الزوجة بشخص لا يطيق بعض المسنين والرغبة في الاستقلالية مما يدفع أحدهما للتحريض على العقوق.
أتمنى أن أكون قد وفقت في طرح بعض من هذه الصور المؤلمة لما يحدث من عقوق للوالدين في هذا المجتمع الطيب في ظل شريعتنا الاسلامية الغراء، متمنياً من الله سبحانه وتعالى ان تدفع هذه المقالة الكثير من الدعاة وأئمة المساجد في بلادنا الى التطرق من خلال خطبهم ومحاضراتهم لهذه الأساليب الممتهنة لدى البعض من الشباب في تعاملهم مع والديهم، والعمل على توجيههم التوجيه الصحيح الذي يرضي الله ورسوله.
كما آمل أن تلامس هذه المقالة الجانب الطيب لدى كل عاق لوالديه لمحاسبة نفسه على هذا التقصير الشديد في حقهما ومحاولة تغيير نمط حياته الى الأفضل فيما يتعلق بمعاملتهما حتى نكفل جميعاً السعادة لهما والبعد عن كل ما يغضبهما, وكما تدين تدان، والله الهادي الى سواء السبيل.
* المرجع:
(1) رياض الصالحين/ أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي، حققه شعيب الأرنؤوط, ط3 الرياض : مؤسسة الرسالة، 1418ه , ص135


رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

الثقافية

الاقتصادية

فروسية

أفاق اسلامية

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

أطفال

شرفات

العالم اليوم

تراث الجزيرة

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]
ContactMIS@al-jazirah.com with questions or comments to c/o Abdullatif Saad Al-Ateeq.
Copyright, 1997-1999 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved.