Friday 4th February, 2000 G No. 9990جريدة الجزيرة الجمعة 28 ,شوال 1420 العدد 9990



قصة للنقد
خطوط رمادية

يعود الينا بعد غياب طويل,, الصديق المتميز ثويني آل عليوي بهذه القصة الرائعة التي يصح القول بأنها ذات الاسلوب السهل الممتنع!
والصديق ثويني يكاد يكون شحيحاً في انتاجه القصصي,.
ولذا احتفاءً بهذه القصة,, فاننا نضعها بين أيديكم لتقرؤوها بعين الناقد,, ومن ثم تبعثون الينا بكتاباتكم النقدية وتعليقاتكم المختلفة حول هذه القصة,, ليتم نشرها فور وصولها الينا.
خطوط رمادية
شعرت بزوال الدفء,, تحسست مكانها فلم اجدها,, استيقظت فزعاً,, خرجت من غرفتي الى غرفتها فلم اجدها,, صوتُّ عليها فلم اسمع جواباً,, ذهبت الى الصالة فاذا هي منكبة على كراستها,, حسبتها نائمة عندما رأيها منبطحة بيد انها كانت ترسم كعادتها,, فعرفت سر عدم اجابتها لندائي عندما ناديتها,, اقتربت منها,, نظرت إليّ وكأني الى جوارها منذ مدة طويلة,, دائماً ارى في نظرتها إليّ الكثير من المعاني التي لا افهمها,, لم احاول ان احادثها,, فأنا اعلم مسبقاً بأنها لن تحادثني بما أنها استقبلتني بهذه النظرة,, حتى وان اثنيت على رسمها الذي تعشق,, احياناً أتساءل: ماذا ستصبح هذه الصغيرة؟
فعيناها غابتا نخيل وصمتها جليد كالنار,, مما يجعلني اتخيلها في مستقبلها ممسكة بالفرشاة تتحدث بالالوان فأسمعها وأفهمها,, احياناً او ربما دائماً لا افهمها,, أمها فقط,, هي الوحيدة التي تفهمها,, وتفهمني أنا أيضاً,, آهٍ,, على ذكرها اكاد اشم رائحة القهوة قادمة من المطبخ,, نهضت قاصداً اياه, لا ادري لماذا راود تفكيري فكرة ان اجدها في المطبخ بشعرها الذي لم ترتبه بعد وبنظرة ترمقني,.
صباح الخير,, متى جئت؟
اجزم انها شعرت بمجيئي,, اعرف ذلك من دفئها الذي يواجهني بصدودها,, الذي يقترب مني بابتعادها,, اين تضع القهوة؟ الماء المغلي يكاد يفر من الكنكة ,, اين فنجان القهوة؟,, انه هناك بوجهه المسود من البارحة ينتظرني لافرك وجهه وأسوّده من جديد,, وهذه الصغيرة، ماذا تريد من إفطاري ابحث في فضاء المطبخ,, بقايا عشاء البارحة على جريدة الامس,, تذكرت الفاضل من العشاء الذي في الثلاجة,, أحميته على النار ثم اخذته وجزءاً من جريدة الامس الى حيث صغيرتي,, والتي رفضت افطاري,, واخذت تنظر إليّ والى افطاري بنظرة خلت معها أنها سترسمني بكل دقة,, بقميصي البني المقلم بالذهبي,, وشعري المسرّح الى الخلف,, وعيوني المحجلة بالسمار,, وشواربي الكثيفة,, وذقني الاخضر,, سرحت في شكلي المرسوم, اخذتني ابتسامة الى تذكر الكاريكاتير الساخر بجريدة الامس,, اخذت اتأمله من بين بقايا الطعام,, شاب نحيف طويل يقول لأبيه: تبي شي يا يبه,, ابطلع مع الشباب للبر وابجي بكرة,, يرد الاب الجالس: سلامتك يا وليدي,, بس اياني واياك تنام فوق طعس,, أنت ناسي العام الماضي يوم,, يتوطاك راعي الجيب يحسبك داب أقهقه,, فتتطاير بقايا النوم,, اجول بناظري الجريدة بحثاً عن لا شيء,, عناوين متفرقة,, دواء جديد يبشر بنتائج,, البرد يقتل 13 شخصاً في ,,, فلسطيني يعرض بيع ابنه لعلاج ابنته من فشل كلوي,, شدني العنوان لقراءة الخبر,, ذكرت تقارير امس الثلاثاء ان أباً فلسطينياً لخمسة اولاد عرض ابنه للبيع لتمويل عملية جراحية لابنته المريضة,, ,, لم اشأ ان اكمل,, كما اني لم أشأ أيضاً ان اتخيل هذا الموقف خشية ان انتقل الى تخيل نفسي في مثل هذا الموقف الصعب جداً,, نعم معادلة صعبة,, ان تبيع ابنك لتشتري الآخر,, قلت لا اريد ان ادخل في هذا الخيال وإذا بي في اعماقه وكدت اصل الى قعره لولا صوت الهاتف الجوال بنغمته المملة بيد صغيرتي التي احضرته من غرفة نومي.
مرحباً
,,,.
اهلاً بك,, صباح النور
,,,,؟
أبداً لم تزعجني,, لماذا لم تتصل على هاتف المنزل اوفر لك؟
,,.
إنها ليست بالمنزل منذ يوم امس.
,,,,؟
في منزل أهلها.
,,,؟
لا,, لست لوحدي,, معي صغيرتي.
,,,؟
سوء خلاف كالعادة.
,,,,؟
ربما لن احضر الليلة أيضاً,, فأين سأضع هذه الصغيرة؟
,,.
لا,, لا اريد ان يعرف اهلي بهذا الخلاف.
,,,؟
لا عليك,, ابحثوا هذه الليلة عن رابع لكم غيري,, مع السلامة.
لا يزال اليوم في بدايته,, ولم اجد سوى ان انبطح الى جوار صغيرتي اشاركها هذا الاندماج لعلّي افهمها.
ماذا ترسمين؟
ماهذا؟ منزل؟
,,,.
كانت ترسم بصمت منزلاً لا يوجد به سوى نافذة واحدة تطل منها امرأة,, عرفت أنها امرأة من الخطوط الكثيرة حول الدائرة الوجه ,, وهذه النافذة كانت تطل على حديقة مليئة بخطوط عمودية في رؤوسها دوائر, إنها اشجار كما يبدو,, وفي وسط الحديقة خطوط اعتقد انها ارجوحة فقد كانت في وسطها طفلة تبدو اكبر حجماً مما عليه بقية الاشياء في الرسم,, حتى انها اكبر من الرجل الذي يدفع الارجوحة.
من هذا الرجل؟
,,,.
هل هو الاب؟
,,,,.
فقط اكتفت بنظرة إليّ,, وهزت رأسها بالايجاب,, شعرت بالغبطة لأني بدأت ادخل الى عالم هذه الصغيرة الى درجة اني بدأت اشعر بوجودي داخل لوحتها بوجه دائري,, واطراف عبارة عن خطوط,, كل ما حولي من اشياء خطوط رمادية,, وفراغات بيضاء,, سألتها وهي على الارجوحة.
من تلك المرأة في النافذة؟ أمك؟
,,,.
سألتها وهي ممسكة بالقلم وقد اضافت الى احدى عينيها دمعة حدودها رمادية.
الى متى سأظل ادفع هذه الارجوحة؟
,,.
قلبت القلم رأساً على عقب وداست على وجهي بالممحاة واخذت تتلاشى خطوطي الرمادية.
ثويني محمد آل عليوي

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

أفاق اسلامية

ملحق الميدان

الجنادرية 15

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

شرفات

العالم اليوم

تراث الجزيرة

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved