Friday 4th February, 2000 G No. 9990جريدة الجزيرة الجمعة 28 ,شوال 1420 العدد 9990



هل الشعر الليبي مجرد هامش للمتن الشعري في المشرق العربي
الناقد الليبي إدريس المسماري في حوار لـ الجزيرة
أسئلة الناقد هي حفر مستمر في الذاكرة الثقافية

بكتابه النقدي المتميز حدود القراءة يؤكد الناقد والأديب الليبي إدريس المسماري ان الساحة الابداعية الليبية زاخرة بالعطاء وتعيش في تواصل حقيقي يمتزج فيها النضال مع الابداع فهي التي قدمت عمر المختار وفي الأدب قدمت إبراهيم الكوني وغيرهم من الرواد الاوائل ناصر التليس وحتى إبراهيم الفقيه وينتمي إدريس المسماري إلى الجيل الحديث ويرصد في كتابه حدود القراءة عددا من الاعمال الابداعية المتنوعة التي دار حولها حوارنا معه لالجزيرة بجانب تسليط الضوء على مراحل النهضة في ليبيا وواقعها الثقافي الذي قد يغفل عنه الكثيرون.
مائة عام من النهضة
* صدر لك مؤخراً كتاب حدود القراءة وكانت الملاحظة الأولى انك تُعنى بالتطبيق أكثر من التنظير؟
التنظير النقدي قضية أساسية في ثقافتنا خاصة مع تداخل الأشكال الادبية حاليا, لكن تبقى الممارسة النقدية الحقيقية هي قراءة النص واكتشاف مستوياته وسياقه وتحليله، من هنا يصبح النقد فعالا ومؤشراً يدل على امكان تجدد الحياة والابداع,, وعلى أي الاحوال فأن تكتب نقدا يعني ان تحترق بجمر الاسئلة: كيف، لماذا، أين؟! إنها اسئلة الحفر المستمر في الذاكرة الثقافية بحثا عن الاجمل والأروع في الابداع.
* من خلال الكتاب يتبين تنوع الدراسات فيما بين الشعر والقصة والمقدمات التنظيرية,, وقبل ان نخوض في التفاصيل نود ان نضع امام القارئ أهم ملامح النهضة الثقافية في ليبيا؟
ليبيا تاريخيا منطقة طرد سكان باعتبار ان حجم الصحراء كبير للغاية باستثناء مركزين حضاريين هما طرابس وبنغازي, كما انها جغرافيا تحتل موقعا متميزا بين المشرق العربي والمغرب العربي,, وقد لعبت عناصر الجغرافيا والتاريخ دورا أساسيا في التكوين الثقافي، فخضوع ليبيا للاستعمار الايطالي كان دافعا لتأسيس الصحافة الوطنية، وقرب ليبيا من مصر ساعد على التبادل الثقافي بين البلدين، فدخلت المطبعة ليبيا بعد فترة قليلة من دخولها إلى مصر، وأول ديوان ليبي لمصطفى بن ذكرى طبع في مصر عام 1882م, كما ان الشاعر الليبي سليمان الباروني انشأ في مصر جريدة الأسد الاسلامي المناهضة للاستعمار، وجاء كثير من الطلاب للدراسة في الأزهر الشريف,, وتوالى هذا التبادل الثقافي ليتجلى مرة اخرى في مساهمة الاساتذة المصريين في تأسيس الجامعة في ليبيا عام 1961م وعلى رأسهم عثمان أمين وعبدالرحمن بدوي، بجانب احسان عباس ونقولا زيادة وغيرهم.
* برغم دخول المطبعة الى ليبيا في منتصف القرن التاسع بما يعني ان عمر النهضة يزيد عن مائة عام، إلا ان هناك اتهاما للمبدع الليبي بأن علاقته بتراثه وبالاجيال السابقة تكاد تكون مقطوعة؟
نتيجة لان نهضة ليبيا ارتبطت واستلهمت المشرق، فكل جيل من الادباء الليبيين كان يتطلع دائما إلى تجارب المشرق,, فمثلا جيل الخمسينيات لدينا يتابع صلاح عبدالصبور (مصر) أو السياب (العراق),, بدلا من الاهتمام بتجربة احد الشعراء الليبيين المؤسسين كأحمد الشارف مثلا,, لكن اعتقد ان هذا الوضع تغير بازدياد النضج والوعي بالذات وتبني الدعوة إلى ترابط الاجيال، والتعامل بمسؤولية مع المشروع الثقافي الوطني, ففي العام الماضي مثلا اقيم احتفال بمئوية أحمد رفيق المهدوي تحت شعار مائة عام من الابداع والثقافة في ليبيا.
نجوم فوق المنابر
* إذا كان كما تقول هناك مشروع ثقافي وطني,, فلماذا لا يزال المبدع الليبي بعيدا عن منابر الثقافة العربية,, بمعنى ادق لا يتواصل معها او على الاقل غير معروف على تلك المنابر؟
المبدع الليبي ليس بعيداً برغبته, فثمة مؤسسات عربية لا تدعو كتابا من ليبيا على الاطلاق,, لكن هذا لا ينفي وجود مثقفين ليبيين معروفين بابداعهم على المستوى العربي,, إذن الصوت الليبي ليس غائبا ولكنه مغيب,, لان الواقع الثقافي العربي يتعامل مع النجوم اكثر مما يتعامل مع المبدع الحقيقي، وثمة جو من البربا جندا يحيط بالثقافة العربية!! مما يجعلنا ندعو إلى حركة ثقافية حديثة، تنقد نقداً حقيقيا غير مُتجن، وتعيد النظر إلىواقعنا، وعليها ان تمتاز بالشفافية أكثر.
* وهل عيب الثقافة العربية البرباجندا فحسب؟
بالطبع هناك اشياء اخرى,, فثقافتنا قد مرت بقفزات لم تترك لنا الفرصة كي نقف امام انفسنا ونسألها: لماذا هذا الشكل أو ذاك؟ لماذا نريد التطوير؟ ولهذا اغلب التطويرات تحدث عفوية ودون وعي حقيقي,, فمثلا بعد قصيدة التفعيلة جاءت قصيدة النثر، هل يعني هذا ان قصيدة التفعيلة استنفدت أغراضها؟ كما أن من اوجاع الثقافة العربية قضية الغاء الآخر، والمثقفون انفسهم يحتاجون إلى ديمقراطية فيما بينهم لإيجاد واقع ثقافي حقيقي يتجاوز تراكمات الماضي السلبية, ويكفي اننا مازلنا نعاني من انتقال بعض الكُتاب بين بعض البلاد العربية.
القبيلة وطن
* قدمت دراسة هامة عن أحد رواد القص في ليبيا وهو عبدالله القويري,, فكيف تقيم تجربته؟
عاش القويري سنوات شبابه الاولى في المهجر بمصر هربا من بطش الفاشية الاولى، وخلال حياته بمصر خالط الناس والواقع المصري ورصد ذلك في مجموعته حياتهم التي نشرت اغلب قصصها في جريدة المساء المصرية, وبعد عودته إلى الوطن سنة 1957م قام بقراءة الواقع تاريخيا واجتماعيا، فهو كاتب لديه احساس مفزع بالغربة داخل الوطن، حيث لا يزال معنى الوطن في ليبيا هو وطن القبيلة,, ولدى القويري ولع بهندسة العوالم والشخصيات مما يعني طغيان الفكرة على الشكل، وعدم العفوية وبالبساطة، يتجلى هذا في حواراته الذهنية على سبيل المثال، كأن ثمة ازمة او فكرة مسبقة عن المعالم يطمح الكاتب لتحقيقها في الذهن وليس في الواقع.
* ومن خلال اهتماماتك النقدية أين تضع تجربة إبراهيم الكوني على خارطة الابداع العربي؟
يمكن ان نقول: ان الكوني يقف بجدارة اسما شامخا في خارطة الابداع الروائي العربي، حيث يقدم لحظة روائية هامة اعطت دفعا جديدا للشكل الروائي، فما أنجزه الكوني بشهادة النقاد العرب إضافة لا تنكر للرواية العربية، لانه ارتاد مناطق غير مألوفة على الرواية العربية التي انحصرت مواضعها بين (الريف/ المدينة) فجاء الكوني وانتقل إلى عالم الصحراء بتراثه الاسطوري والعجائبي.
الشعر هنا,, والشعر هناك
* إذا انتقلنا إلى التجربة الشعرية في ليبيا,, هناك اتهام يؤكده كلامك السابق بأن التجربة الشعرية في ليبيا تعيش عالة على المشرق العربي؟
بداية هناك عجز عن لملمة القصيدة الليبية المبعثرة في الصحف والدوريات وبعض الدواوين المتفرقة التي طال عليها الامد منذ ان صدرت,, ويمكن القول ان القصيدة الليبية الحديثة ولدت في منتصف الخمسينيات من رحم التجربة الشعرية في المشرق، مثل اي مولود حاول الشاعر الليبي آنذاك ان يقلد روادها، فأخذ او استعار كل شاعر ليبي صوتا شعريا من المشرق يتواءم مع مزاجه النفسي ورؤيته الاجتماعية,, وفي عام 1965 أصدر الاستاذ خليفة التليسي دراسة رائدة بعنوان رفيق شاعر الوطن ومن خلاله طرح بعمق وبمنهجية شخصية هذا الشاعر الرائد الذي يعد احد اقطاب المدرسة الكلاسيكية مثل حافظ وشوقي في مصر,, ليصل بالبحث الى السؤال الاساسي: هل الشعر في ليبيا مجرد هامش للمتن الشعري في المشرق؟! هذا ما يحتاج إلى دراسة مستفيضة ومعقدة.
* قمت بقراءة عدد من دواوين الشعراء الشبان,, وكان الملمح الرئيسي هو غلبة قصيدة النثر,, فماذا عن قصيدة النثر في ليبيا؟
الابداع الشعري الحداثي في ليبيا يُعنى بالايقاع اليومي للحياة وتشكيل رؤية جمالية من المألوف والعادي, من هنا أصبح شعراء قصيدة النثر ظاهرة متميزة من حيث النشر والتواجد والتفاعل، وان كانوا يجابهون بالتسفيه من قبل الاتجاه المحافظ,, لكن مكمن الاشكالية يتجلى في غياب البحث والدراسة العميقة لقصيدة النثر، التي ادى حضورها المكثف إلى فتح الباب على مصراعيه لكتابات ساذجة ومدعية ولا قيمة لها,, كأن قصيدة النثر هي لصق مجموعة من المعاني والصور الرديئة والكلمات غير المترابطة التي تقتحم القارئ وتشوش ذائقته الأدبية.
شريف صالح

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

أفاق اسلامية

ملحق الميدان

الجنادرية 15

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

شرفات

العالم اليوم

تراث الجزيرة

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved