Sunday 6th February, 2000 G No. 9992جريدة الجزيرة الأحد 30 ,شوال 1420 العدد 9992



الإسلام والشرق:تعايش لاتصارع
د,محمد بن عبدالله آل زلفة

لا أدري إذا كان القائمون علىمهرجان الجنادرية عند اختيار موضوع الاسلام والشرق محوراً رئيساً لهذا العام هو من باب مقابلة الإسلام والغرب الذي كان محوراً رئيساً لعام سبق من اعوام الجنادرية، وكيفما كانت الدوافع الا انني لا اجد وجهاً للمقارنة والتشابه بين الحالتين، فالاسلام والشرق بينهما والتشابه والتماثل والعلاقة الحضارية العفوية مالايجعله في مكان المقارنة بين حالة الاسلام والغرب، حيث كانت ومازالت تمثل علاقة بين قطبين متناقضين لاتجمع بينهما اية مقومة من مقومات العلاقة الودية من المنظور التاريخي والتراثي بل ينطبق عليها ماقاله احد اساطين الفكر الغربي ورموز فترته الاستعمارية السيد كوبلاند الذي قال مقولته المشهورة الشرق شرق والغرب غرب ولايمكن ان يلتقيا
لم يحدد الواضعون لمحور الاسلام والشرق، بشكل واضح معالم المجال الجغرافي والفضاء الثقافي لمحور الاسلام والشرق، فالشرق جغرافياً معروف ومحدد، الا انه هناك ثقافة غربية طاغية علىمساحة كبيرة من اجزائه وخصوصا في روسيا.
وهل يمكن والحالة هذه اعتبار الاجزاء الآسيوية من روسيا ذات الثقافة والحضارة الاوروبية من الشرق ام من الغرب؟
وهل ماقام ويقوم من صراع بين ثقافتين في مجال جغرافي واحد يدخل في عداد صراع الشرق مع الغرب؟
ام صراع بين ثقافتين مختلفتين تعيشان في مجال جغرافي واحد؟, وهل ماسيناقش في محور الجنادرية الرئيسي كيف وصل الاسلام الى هذه الاجزاء من الشرق؟ وما تأثير الاسلام على حياة وتفكير الشعوب الشرقية تلك التي تنتمي الى ثقافات محلية لكل منها ما يميزها مثل الثقافة الهندية والصينية والثقافات المحلية الاخرى.
وهل سيتناول المحور القبول والرفض لثقافة وحضارة الاسلام من قبل هذه الثقافة؟
وهل أصبح هناك في اي حقبة تاريخية ، قبل ظهور الاستعمار الاوروبي، مايمكن ان نطلق عليه صراع الثقافات او صراع الاديان في مجال جغرافي واحد؟
ثم هل سيتناول المحور انتقال المواجهات بين الاسلام والغرب في مجال جغرافي جديد (اي الشرق) بعيداً عن المسارح التقليدية لصراع الاسلام والغرب؟
وماهي طبيعة العلاقة بين الغرب حينما اصبح القوة المهيمنة في الشرق وبين الثقافة الاسلامية التي أصبحت تكون احد المقومات الثقافية المؤثرة في هذه الانحاء؟ وماهو دور الاستعمار الغربي في تأجيج الصراع بين الثقافة الاسلامية واتباع الثقافات؟ والأديان الأخرى المحلية؟
وماهو الاختلاف في طبيعة المواجهة بين الغرب والاسلام في بلاد الشرق عن طبيعة الصراع التقليدي بين الاسلام والغرب في فضاءاته التقليدية؟
هذه الاسئلة وغيرها هل هي ماستكون مدار النقاش في الجنادرية ومن خلال محورها الرئيسي؟
وهل وضعت العدة والتجهيز واختيار المتحدثين المتخصصين لمناقشة مثل هذه القضايا بشكل متعمق ووفق اطر منهجية تجعل أمام الراغب والباحث والدارس حصيلة علمية تمكنه من فهم هذه العلاقة بين الاسلام والشرق من خلال مجموعات الاجابة على ماتم طرحه من اسئلة حيث لانريد لجهد بذله القائمون على مهرجان الجنادرية وما تحمله المهرجان من مصاريف يذهب سدى دون ان يثمر بثمرة متمثلة في حصيلة علمية اكاديمية يبنى عليها اسس لمفاهيم جديدة أو تأصيلاً لماكان سائداً.
إن الغرب وبكل معطيات ثقافته وحضارته قد رمى بكل ثقله على الشرق منذ السنوات الاولى لبداية مايسمى بعصر الكشوف الجغرافية التي بدأها البرتغاليون في القرن الخامس عشر الميلادي، حينما خطت اوروبا خطواتها بقوة في التخلص من براثن هيمنة فكر اوروبا العصور الوسطى المتخلف والانعتاق من ربقة الجهل الذي كانت الكنيسة تمثل المؤثر الاكبر في تجهيل العقلية الاوروبية.
ومن غريب المتناقضات ان المساهم الاكبر في تحرير العقلية الاوروبية من جهلها وتخلفها كانت الحضارة الاسلامية المتقدمة والمتطورة في فكرهاوتحرر عقلية مفكريها ونبوغهم في كافة انواع المعارف, ولكن بقدر ماكانت اوروبا تتقدم خطوة نحو الانعتاق من براثن الجهل والتخلف مستنيرة بمشاعل الفكر العربي الاسلامي، كان العرب والمسلمون يتراجعون بعشرات الخطوات نحو التخلف والجهل.
وما ان دقت جحافل واساطيل الغزو البرتغالي البوابات الجنوبية للوطن العربي بعد ان اجتازت رأس الرجاء الصالح حتى كشفت عن عجز المسلمين وتخلفهم ولم تمض سنوات قليلة حتى اصبح المحيط الهندي شبه بحيرة برتغالية تسرح سفن البرتغاليين وتمرح مابين سواحل الهند وسواحل الجزيرة العربية مسيطرة على اهم مراكز التجارة في العالم وعلى كل تجارة الشرق الذي لم تكن اوروبا تستغني عنها وحرمت العرب منها كلية، وتحولت برشلونة الى مركز لتجارة اوروبا مع الشرق،وتحولت مراكز التجارة في عالمنا العربي في عدن وغزة والسويس والاسكندرية والقطيف والبصرة الى مدن اشباح بعد ان كانت زهرات مدن التجارة العالمية.
لانغفل أهمية ومضة جادت بها القدرة الالهية ممثلة في قيام الدولة العثمانية التي تصدت ولو لبعض الوقت لخطورة الغزو الاوروبي على الشرق العربي ولكنها ومضة سرعان ما انطفأ بريقها بسبب انغماس الدولة في فكر تلك المرحلة التخلفي وحافظت وبشدة ولقرون طويلة على روح التخلف وشرعنته فأصبح سمة لفترة الحكم العثماني.
وفتح البرتغاليون أبواب الشرق مشرعة امام بقية الاروبيين الذين تعاقبوا قوة اثر اخرى واصبح سرقوتها في بلادها تزداد كلما ازداد ارتباطها وهيمنتها على ثروات الشرق واصبحت الهند اكبر مجال استثماري لبريطانيا ومن ثرواته بنت لنفسها اكبر امبراطورية في العالم، وقس على ذلك ما اقامته هولندا لنفسها من نفوذ وسيطرة في اندونيسيا وفرنسا في مناطق اخرى من الشرق الاقصى وزحف النفوذ والهيمنة البريطانية ليشمل معظم انحاء الصين،و قوت وجودها وسيطرتها على الطرق الموصلة الى مناطق نفوذها في الشرق ابتداء بجبل طارق مروراً بمصر وبلاد الشام والعراق والخليج العربي وانتهاء بعدن.
من هنا نسأل مجدداً ماهي مواقف هذه الدول الغربية من الاسلام والمسلمين في هذه البلاد المفتوحة بالقوة من قبل الغرب، وماهو حجم التأثير الغربي على هذه المجتمعات وماهي مواقف الشعوب والحكومات الاسلامية المحلية في هذه البلدان من الفتح او الغزو الاوروبي؟
وهل كانت هناك مواقف تنسيق بين هذه الكيانات الاسلامية وبين حكومة الاسلام المركزية المتمثلة في الخلافة العثمانية؟.
ترى هل هذا ماسيناقش في الجنادرية ام الامر سيقتصر على مناقشة القضايا المعاصرة وهي قضايا لايمكن فهمها مالم نفهم خلفياتها التاريخية وتأثير المراحل التاريخية عليها.
إن الشرق مع اهميته لنا وعلاقتنا الثقافية والتاريخية به منذ قرون ماقبل الاسلام الا ان معرفتنا به لاتزال قليلة.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

الجنادرية 15

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved