Thursday 10th February, 2000 G No. 9996جريدة الجزيرة الخميس 4 ,ذو القعدة 1420 العدد 9996



الإسلام عبر الألفيات الثلاث
2 - 3
د, خليل بن عبدالله الخليل

الحضارة الغربية مازالت في عنفوان شبابها وما أنجزته في القرن العشرين وما سبقه بقليل من إنجازات فكرية وعلمية وصناعية وعسكرية واقتصادية وعمرانية للبشرية يؤهلها للاحتفال والابتهاج بدخول الألفية الثالثة لميلاد المسيح عليه السلام، ولكن المنافسة مازالت قائمة والمزاحمة أشد وأصعب وأعقد مما كانت عليه سابقاً فيما بينها وبين الإسلام.
كانت المنافسة بين الغرب والإسلام متمثلة في أمرين حسبما ذكر الدكتور برنارد لويس في كتابه الإسلام والغرب lslam and the west الذي نشر عام 1993, الأمر الأول: المنافسة على قلوب البشر وذلك بسعي كل من المسيحية والإسلام لكسب الشعوب وتحويلهم إلى معسكره العقائدي.
الأمر الثاني:
المنافسة على الأرض والمواقع الاستراتيجية باحتلالها والسيطرة عليها.
ولقد كسب الإسلام الكثير من الشعوب التي تحولت بأكملها من الوثنية والمسيحية وغيرهما إلى الإسلام في مدة زمنية وجيزة,, كما أنه استطاع أن يمد رقعة حضارته وهيمنته إلى أراض فسيحة ومواقع حساسة في العالم, وقد استمر انتشار الإسلام وتحويله للشعوب من الديانات السماوية والأرضية إلى الإسلام حتى بعد انحسار قوته العسكرية وانقسام واجهته السياسية.
ذكر المؤرخ أرنولد توينبي في الجزء الثاني من كتابه الذي بعنوان تاريخ البشرية أن الإسلام لم يتراجع في القرن العاشر الميلادي بالرغم من التفكك السياسي للدولة الإسلامية، وأرخ لاعتناق القارلق بأسلوب لطيف فقالففي أيام الخليفة المقتدر908 932 ه حين كانت الخلافة العباسية على أضعف ما يكون، وبعث بلغار الفولغا وهم شعب تركي,, إلى الخليفة يطلبون منه أن يبعث إليهم من يفقههم في الدين الإسلامي وقد أرسل الخليفة بعثة إليهم 922 ه وقد اعتنق القارلق وهم أتراك الإسلام مع جيرانهم في ما وراء النهر وهم السامانيون، وقد انتشر الإسلام إلى حوض تاريم وحملوا الإسلام معهم,, ثم يتابع المؤرخ فيقول: وهكذا فيما كانت الدولة الإسلامية الواحدة في الشرق تتمزق، كان الناس يدخلون في الإسلام أفواجاً,, على كلٍ أكثر مما كانوا يعتنقونه ودولته واحدة قوية أنتهى ص110.
تواصل المد الإسلامي على الأرض، وأحرز انتصارات عسكرية مجيدة، وتنامت المكتسبات الإسلامية في مجالات العلوم والمعارف والصناعات والعمران,, مع أنه (الإسلام) كان عرضة للهجمات العسكرية المدمرة، والانقسامات السياسية المثبطة في القرون الثلاثة الأولى من الألفية الثانية.
ولعل أهم ملامح تلك الحقبة الزمنية حدثان تاريخيان وهما: الحملة الصليبية الأولى التي أسهم المغامرون فيهاوعددهم قرابة (20) ألف رجل والتي أسفرت عن احتلال القدس عام 1099م والثاني: الغزو المغولي للمالك الإسلامية, استطاع الإسلام التغلب والمواجهة باستعادة القدس عندما تغلب البطل صلاح الدين الأيوبي على الفرنجة في معركة حطين (شمال فلسطين) عام 1187م أي بعد 86عاماً من احتلالها من قبل طلائع البعث المسيحي الغربي, أما المغول الغازون ورثة بيت جنكيز خان الذي دمر كنوز الحضارة الإسلامية فقد تحولوا للإسلام أسرة تلو الأخرى، القبيلة الذهبية في النصف الغربي من السهوب الأوراسية عام 1257م، والإيلخانيون في إيران والعراق عام 1295م، والتشاغيون في ماوراء النهر وحوض تاريم وما جاوره من منطقة السهوب عام 1326م, قلد حكام المغول وأتباعهم الغازون الالبون المسلمين المغلوبين بعد احتلال ممالكهم,, مُحطّمين بذلك المقولة المشهورة المغلوب يقلد الغالب فلقد أصبح الغالب مقلداً للمغلوب بفضل ما للحضارة الإسلامية من عقيدة صافية، ومبادىء سامية وتشريعات عادلة، ومثل نبيلة تتفق مع الفطرة البشرية وتستجيب للحاجات والطموحات الإنسانية البالية.
حقّق الإسلام في منافساته مع الإمبراطوريات العظمى والأديان المؤثرة الكثير من الإنجازات والانتصارات عبر الألفية الأولى ومجمل الألفية الثانية ومازال منافساً قوياً في مطلع الألفية الثالثة بالرغم من اختلاف ميادين ووسائل وغايات المنافسات بعض الشيء.
الغرب يعرف ويعترف بمايملك الإسلام ديناً وشعوباً ودولاً من مدخرات وقوى قابلة لصناعة حضارة منافسة، والمشكلة لدى الغرب تكمن في رؤيتهم للحضارة الإسلامية باعتبارهاحضارةً منافسة ومغايرة ,, متوسعين في إيضاح الفوارق والفجوات بين الحضارتين الغربية والإسلامية, وبعض المسلمين يحلو لهم ذلك,, واقعين في الفخ الفكري، فأخذوا يروجون لعناصر الاختلاف والتصادم,, بدلاً من البحث عن القواسم المشتركة التي يمكن أن نصل من خلالها إلى مايطمئن ويهدئ المنصفين والأسوياء في الغرب عبر الحوارات البنّاءة واللقاءات المثمرة التي تأخذ في الاعتبار إمكانية التعايش بين الشعوب مع الاختلاف في المعتقدات والرؤى والأفكار والمعيشة، وإمكانية التفاهم بين الدول بناءً على تبادل المصالح وتوسيع دوائر الحوار والتعاون.
بذلت الكنيسة الغربية في السابق الكثير لإيقاف زحف المسلمين من عبور المحيطات لأوروبا، كما بذلت الامبراطوريات الغربية الغالي والنفيس من أجل تحجيم المسلمين وإشغالهم عن الامتداد الحضاري الفعّال, مع ذلك عبر الإسلام المحيطات وحقّقت الأقليات المسلمة ما لم تحققه الجيوش,, خاصةً إبّان الحكم العثماني الذي جاهد من أجل مد رواق سيطرته لأوروبا, ليس ذلك فحسب وإنما غزت الجيوش الغربية في القرنين الأخيرين من الألفية الثانية الممالك والدول المسلمة، وجثمت على صدر المسلمين عقوداً طويلة, غزا نابليون مصر عام 1798م،وأحاطت السفن البريطانية والفرنسية بالخليج العربي راسية على شواطىء عمان والكويت والبحرين، واستولت فرنسا على المغرب العربي وتحكمت بريطانيا في مصر والسودان وفي فلسطين والعراق ومثلها فرنسا في لبنان وسوريا، كذلك استعمرت هولندا اندونيسيا ، وإيطاليا ليبيا، وتقاسمت بريطانيا وفرنسا أفريقيا السوداء، وتحكمت بريطانيا في شبه القارة الهندية وأفغانستان, كانت رسالة الاستعمار الغربي المعلنة تنادي بالتحضر و المدينة ولاشك في أن شيئاً من ذلك حصل للدول والشعوب المسلمة المغلوبة على أمرها, إلا أن التنافس الحضاري بين الغرب المسيحي والإسلام كان الأساس الذي لا يُرى والمقصد الذي لا يقال.
انتفضت الشعوب المسلمة ضد الاستعمار الغربي العسكري واستطاعت أن تتحرّر من ربقته الواحدة تلو الأخرى، وأن تبني لها كيانات سياسية مستقلة على ما كان لديها من ضعف في الإمكانات العسكرية والاقتصادية والعلمية, قدّم الشعب الجزائري مليون شهيد من أجل أن يعود لحضارته الأم بعد (150) عاماً من الاستعمار, لقد كان الشعار المرفوع في الصراع مع الغرب المستعمر هو الإسلام ولقد كان الأسلوب المتبع في جميع البقاع المسلمة لإخراج المستعمر الغربي هو الجهاد وكان القادة من العلماء و المصلحين الذين آمنوا بحقهم في البقاء باعتبارهم مسلمين وآمنوا بوجوب استقلال شعوبهم وبلادهم.
لم تكن الاسلحة بين المستعمرين الغربيين والمسلمين متكافئة,, ومع ذلك استطاعوا من خلال تفعيل روح الإسلام، والاستضاءة بمبادئه الداعية للعزة والعدل والكرامة والعلو والاستقلال والخيرية، أن يحرزوا الانتصارات وأن يحرروا الديار وأن يفرضوا على أعدائهم الاعتراف بحقوقهم واحترام مبادئهم والتعامل مع كياناتهم التي اختاروها لحياتهم.
لم يستطع الغرب مع مايعتقده حيال الإسلام وأهله من شك وعداء وسخرية، ومع مايملكه من إمكانات بشرية وعسكرية وعلمية واقتصادية، أن يلغي الوجود الإسلامي، ولا أن ينزع من الحضارة الإسلامية عنصر التأثير والمنافسة على مر الايام والعقود والقرون, والأحداث تثبت حدثاً بحدث أن الإسلام مازال ديناً منافساً للحضارات القائمة ولاتغيب شمس يوم إلا بانضمام المئات بل الآلاف لمعسكر الإسلام العقائدي من مسلمة الدار أو مسلمة الاختيار ، كما أن الإسلام مازال محوراً للكثير من أحداث التاريخ المعاصر سلماً وحرباً,, في مشارق الأرض ومغاربها.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

الجنادرية 15

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved