Thursday 10th February, 2000 G No. 9996جريدة الجزيرة الخميس 4 ,ذو القعدة 1420 العدد 9996



بدايات
بين العشاءين
محمد عبدالرزاق القشعمي

اعتاد والد الفتى أن ينظم جلسة بين صلاتي المغرب والعشاء (بين العشاءين) وقت اشرافه على بناء جامع الصبخة ب(معقره)، فكان يقدم العشاء بعد صلاة المغرب مباشرة بعده يبدأ من يحسن القراءة بتلاوة فصل او اكثر من كتاب الكبائر او رياض الصالحين او تفسير ابن كثير او عند حضور احد طلبة العلم والذي يتغنى بقصيدة طويلة بعنوان (النونية) لابن القيم, اذ سريعا ما يبدأ النوم يغزو جفونهم فيحس الوالد بذلك او ينبهه من بجواره ان الجميع قد ارهق بالعمل نهارا، وانهم قد ناموا، فيطلب حينئذ نقل السراج الى المسجد وينادى بالصلاة فيذهب الجميع الى (المشقات) لتجديد وضوئهم، اما الفتى فيذهب مع والدته التي حضرت مع نساء القرية لسماع القراءة، وتبقى معهن تحت جدار الجيران يفصل بينهن وبين مجموعة الرجال بضع خطوات, يشعر الفتى بالفرح لوجود والده بالقرية، بمكانته المهيبة بين الرجال وانه يأمر وينهى ولا يعصى له امر رغم انه لا يبصر.
يذكر الفتى انه كان بجوار والدته بالظلام وهي مع مجموعة نساء القرية يستمعن للحديث ولا يدري إلا وهي تسحبه بيده لينام بالمنزل، وقد كومت له مرتفعا من الرمل ليضع رأسه عليه كوسادة، تقول والدته ان احد اقربائهم قد وصل من قريتهم البعيدة في (الثوير)، وانه قد رأى في طريقه مبنى في وسط النفود قرب (المنسف) انكشف بين الرمال وهو صخر قوي له رأس مدبب، وهو يحكي القصة لوالده قال: اكيد من اصنام الجاهلية، فمن اراد الاجر والثواب فليتبعني الى هناك فخرجوا من الصباح الباكر كل يحمل معوله (مسحات عتلة فاروع) ووصلوا بعد الظهر فبعد الصلاة بدأوا بمحاولة ازالته، ولكنهم لم يستطيعوا لقوته وصلابته فضربوا رأسه حتى ازالوا جزءا منه وعادوا ، بعد مدة عرف ان هذا المبنى من علامات الطريق التي وضعتها زبيدة ليستدل بها الحاج القادم من العراق وغيرها الى مكة والمدينة.
(بين العشاءين) هي الفترة الرئيسة لاجتماع رجال القرية وحضور رجال القرى القريبة لتناول القهوة والتحدث في شئونهم وشجونهم، مثلا عندما يهم احدهم بحفر بئر بعد ماؤها او يبني منزلا متهدما، او يضيف مجموعة غرف لاولاده الذين زاد عددهم، او انه سيزوج احدهم او سيصرم نخله ولا احد يساعده لذا يأتي للقهوة، وهي المكان الذي يُشب فيه النار ويجتمع به الرجال، فيطلب منهم مد يد المساعدة فيتفقون على ان يتركوا اشغالهم في مزارعهم للنساء ويذهبون في الموعد والمكان المتفق عليه، فكل مجموعة تقوم بالعمل الخاص بها، هذا يحضر الطين وذاك الماء وهذا يخلط ويلين الطين، وغيرهم يحضرون جريد النخل وخشب الاثل كل حسب ما يتوافر لديه وكأنه يعمل لبناء منزله الخاص، فقط يقدم لهم وجبة الغداء والعشاء والهجور، واذا لم يتوافر لديه ما يؤكل احضر ما يتوافر له في منزله بل تجد النساء يشاركن في الاعمال الخفيفة او يحضرن الطعام ويساعدهن الاطفال، وكان معلم البناء (الستاد) له تقدير ومكانه تميزه من بينهم.
يفرح الفتى كغيره كثيرا عندما يأتي عيد الاضحى، فتلبسه والدته ثوبه الجديد او تغسل له ثوبه ويذهب معها لصلاة العيد، بعد الصلاة تكون الناقة (الفاطر) قد أحضرت فيتجمع حولها الرجال لذبحها، فتعقل بيدها اليمنى فتقف على الرجلين ويد واحدة فيربط رأسها بحبل ويسحب نحو جنبها الايمن، فيتقدم من يوكل اليه ذبحها فيضربها بالسكين في اسفل رقبتها، وبسرعة يبدأ الدم يسيل بغزارة فتبدأ بالرغاء الشديد، وتحاول الهجوم أو السير بسرعة ولكن قواها تخور فتقع على ركبتها المربوطة والاخرى المطلقة، وتترك حتى تنزف دمها وتنتهي حركتها فتقطع رقبتها ويبدأ سلخها بدءا من السنام في اعلى جسمها، ويبقى الجلد كفراش يقي اللحم من التراب، يقطع ذنب الناقة ، ويرمى به بعيدا فيتسابق الاطفال لأخذه وشويه واكله قبل نضوج اللحم، وكل منزل يحضر أوانيه ليوضع بها نصيبه من اللحم,
وكثيرا ما يوجد في بطن الناقة ناقة صغيرة لم يكتمل نموها وقد ماتت بذبح امها، بعد صلاة الظهر يجتمع الرجال اولا فيقدم لهم الطعام المطبوخ جريشا كان او قرصانا بعد ان يأكلوا ما بالصحن، ينادي كبيرهم لاهل البيت بان هاتوا ما عندكم، فيقوم اكبر الصبيان بإيصال الصحن بعد خلوه من الطعام واحضار ما لديهم، وغالبا ما يكون قطع لحم بقدر مغطى فيزيل غطاءه كبيرهم، قائلا: سمّوا الله يحييكم يكون بينهم قادم من قريب او عابر سبيل وكان شباب القرى المجاورة قد اجتمعوا ليلة البارحة واشعلوا النار في كومة من الخشب والشجر يسمونها (شعلة العيد) فيتسابق للقفز من فوقها الشباب,,
فكلما علا لهيبها شعر القافز بأهميته، وقد حصل ان سقط احد ابناء عمه (الكويم) بوسط الشعلة فتقافز عليه رفقاؤه وسحبوه الى خارجها بعد ان احرقت ملابسه، و(شلوطت) جسمه، واصيب بحرق سبب له الوفاة بعد ذلك.
يتميز عيد الاضحى بوفرة اللحم خلاف عيد الفطر الذي تفرش فيه المفارش بجوار مسجد القرية، بحيث يخرج كل منزل ما لديه من مأكل مجهز لهذه المناسبة بعد عودتهم من مسجد العيد، وقد كانت الصلاة تقام عادة بين القريتين المتجاورتين.
زارهم مساء يوم العيد خاله قادما من قريتهم البعيدة ليسلم على والدته جدة الفتى لأمه سلام العيد,
وكان يتوسط مجلس الرجال (القهوة)، وقد سمح للفتى بالجلوس بجواره، على الرغم من ان الاطفال امثاله لا يجلسون بالقرب من الباب حيث مكان الاحذية، بدأ خاله يروي اخباره وقد علق بذاكرة الفتى احدى قصصه، وهي انه قد ذهب ليبيع (يجلب) العشب الذي جمعه من النفود في سوق الاعلاف بالجردة ببريدة، وكان الحمل ثقيلا على بعيريه، وقد ادركه الليل قبل الوصول الى هدفه وليس لديه ما يأكله فتلفت يبحث عن أحد يستضيفه (يخطره) من ابناء البادية الذين عادة ما يسكنون خارج المدينة في بيوت الشعر، فرأى بيت شعر ليس بالقريب منه فدفع راحلتيه الى حيث يقع بيت الشعر، وعندما وصل اليه خرج رجل وسلّم عليه وقال ان صاحب البيت فقير وليس لديه ما يقدمه اذ إنه احد ثلاثة قد استضافهم قبل وصوله ويعرفون حالته.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

الجنادرية 15

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved