Thursday 10th February, 2000 G No. 9996جريدة الجزيرة الخميس 4 ,ذو القعدة 1420 العدد 9996



المنتقم
للكاتب الفرنسي الكبير: جي دي موبان
ترجمة: حصة إبراهيم العمار

حينما اقترن (انطوان لوليت) بالارملة (ماتيلدا سوريز) كان قد عانى لعشر سنوات خلت من لواعج الهيام بها.
اما زوجها المتوفى (سوريز) فقد كان صديقه ورفيق دراسته وكان يميل اليه كثيرا رغم انه كان يعتبره غبيا نوعا:
مسكين (سوريز) اعتاد ان يقول لنفسه سوف لن يتأتى له تحقيق شيء ذي بال.
وعندما تزوج (سوريز) الآنسة (ماتيلدا دوقال) عرت (لوليت) الدهشة الممزوجة بشيء من الحنق كونه معجبا بها هو ذاته!
كانت ابنة تاجر خردوات جمع مبلغا من المال قبل ان يتقاعد,, اما هي فحلوة,, ذكية,, مهذبة وقد تزوجت (سوريز) لماله!!
عقب ذلك شرع (لوليت) في النظر اليها بشكل مغاير,, وزاد اهتمامه بها,, وكان هو وسيما ذكيا ميسور الحال,, وظن أنه سيستميل زوجة رفيقه على ان مساعيه السيئة باءت بالفشل فزادت لواعج شوقه واضطر الى إخفاء مشاعره الخجولة في طيات ذاته رغم ما سببه له ذلك من تباريح الوجد والغرام المحرم وكان احساسه المتناقض ذاك نابعا من كونها زوجة لصديقه العزيز اما هي فإنها بعد ان اطمأنت الى انه قد جنح للسلم وتخلى عن طيشه شرعت تعامله برقة وحنان,, لسنوات تسع وذات صباح تلقى (لوليت) رسالة دامية تخبره فيها بان زوجها المسكين قد قضى نحبه إثر انسداد تاجي اصاب قلبه!
وصعق (لوليت) عند تلقيه الخبر فقد كان صديقه ورفيق دربه وكانا في ذات السن تقريبا على ان وقع الصدمة قد انزاح شيئا فشيئاً إذ ان الطريق قد خلا له اخيرا بعد إذ غدت ارملة صديقه ملك يمينه ان رام ان يقترن بها.
على انه تصرف طبقا لمجريات الامور وحتمية الموقف ونجح في ارتداء قناع من الهيبة والحزن على صديق عمره الذي تصرمته المنية وهو بعد في ريعان الشباب لمّا يزل وانتظر حتى إذا انقضت الفترة التقليدية ومضت حقبة من الزمن تزوج منها! كان ذلك بعد خمسة عشر شهرا.
ورأى الناس في زواجه من أرملة صديقه شهامة ونبلا ووفاء لرفيق دربه فيما احس هو بان السعادة قد اضحت ملك يديه وكان التفاهم الفوري ودفء العاطفة مما زاد في ذاك الارتباط الروحي الوثيق بينهما,, ما كانت بينهما ثمة اسرار بل ان كلا منهما كان يحدث الآخر بما يجول في خاطره, ونما حبه لها وتعاظم وكان يشعر تجاهها بتلك الثقة المطلقة المريحة,, فعاملها معاملة الخل الوفي والند المماثل الامين على ان خاطره ظل في حرج متناذر من ذكرى ما فات تلقي على فؤاده بظلال من كدر,,, بعد ان استشعر امتعاضا وغيظا حيال صديقه الراحل الذي كان احسن حظا منه وسبقه الى امتلاك زوجته,, ذاك الذي كان اول من اقتطف برعمها الندي وحظي بفؤادها البكر الفتي فأذهب بذلك كثيرا من وهج الشاعرية والرومانسية في الأمر برمته,, وافسدت ذكرى البعل المتوفى كثيرا من عذوبة اللحظات الحاضرة وشرع ذلك الخاطر يؤرق ليل (لوليت) ونهاره.
وعاد يسألها عن زوجها السابق، مستفسرا آلاف المرات عن ادق تفاصيل حياتها معه,, مصرا على اطلاعه على كل دقيقة وجليلة عنه حتى إذا ما وافته بذلك كله امطر قبر المسكين بوابل من السخرية اللاذعة مبالغا في تصوير نقائصه وزلاته,.
وقد يكون في مكان قصي بالمنزل فيصرخ في أية لحظة مناديا زوجته,.
ماتيلدا !
نعم عزيزي,, ما الامر؟
آ,,, اريد ان اقول لك شيئا!
فتأتي المسكينة اليه باسمة الثغر,, منشرحة الصدر,, متسلحة بكم هائل من الصبر,, وهي تعلم علم اليقين انه سيحدثها عن (سوريز) فتأبى إلا ان تسايره في ذلك:
أتذكرين ذلك اليوم الذي حاول (سوريز) فيه اقناعي بأن ذوي القامات الضئيلة افضل من ضخام الأجسام؟ ويسترسل في ابداء ملاحظات مهينة بحق صديقه الراحل,,, ذاك الذي لم يكن يوازيه بسطة في الجسم، فتوافقه (مدم لوليت) الرأي وتؤكد على رجاحة عقله مقارنة بغباء زوجها السابق ضاحكة من كل قلبها,, ممتدحة (لوليت) الذي يتم ذلك عادة بقوله:
حسنا,, لا عليك (ماتيلدا) لا تلومي المسكين فقد كان غبيا نوعا,.
وكانا سعيدين غاية,, وظلا على ديدنهما يغمرها بفيض من الحب فتبادله عشقا بعشق فهما في شهر عسل دائم وظل يبرهن لها على ما تحظى به في فؤاده من مكانة بشتى السبل المعتادة.
وذات ليلة ارقهما فيض من حماس الشباب الملتهب فطفقا يتبادلان المزاح وسألها فجأة:
اخبريني حبيبتي!
عمّ ؟!
آه,, انه سؤال أرعن نوعا,, عن (سوريز) ما كان مقدار حبه لك؟
ليس بمقدار محبتك عزيزي!
وانتفضت كبرياء الرجل في ذاته فأردف:
فإذاً كان أخرقا في اساليب التعامل معك؟
اجل,, كان كذلك,, لم يؤت نصيبا من الحكمة على الاطلاق.
ذاك الفظ,, لم يكن لطيفا معك إذاً,.
ابدا,, قالت مؤكدة,.
وعاوده الزهو وهو يقارن نفسه بالراحل فيجد الفارق لصالحه كبيرا,, وبقي صامتا لوهلة وقد اثملته السعادة ونشوة الاكتشاف حد الارتعاش لكنه عاد يسألها:
اخبريني!
بم عزيزي؟
اروم صراحة مطلقة,.
بالطبع فاسأل عما بدا لك!
هل فكرت ذات مرة في خداع ذلك الاحمق المسكين؟
وندت عنها صرخة خجولة مكتومة,.
,,, على انه لاحظ انها كانت تضحك فأصر على سؤاله.
كلا,, اخبريني هيا,, لقد كان وجهه ينبىء انه كان من ذاك الطراز المخدوع الأبله,, سيكون الامر مضحكا حقا غاية,, المسكين (سوريز) هيا اخبريني,, اخبريني بكل شيء عزيزتي!
وشدد على ضمير المتكلم في (اخبريني) موقنا تماما انها لم تكن لتختار غيره شريكا لو انها فكرت في خداع الراحل!
كان صدره يمور بنفاد صبر تشوبه النشوة كيما يسمع اعترافها اذ انه كان متأكدا من ان ردها سيأتي بالنفي على انها لم تجب بل ظلت تضحك وتضحك كأنما تذكرت باعثا على ضحك مطلق ليس له قرار!
واصابته عدوى الضحك كذلك,, ضحك عنيف اهتز له بدنه وهو يتخيل ما كان يمكن ان يحدث من استغفال لذلك الاحمق (سوريز) وقال والقهقهة تحرق مقاطع كلماته.
هيا اعترفي عزيزتي كوني صريحة معي فيما يختص بذلك الأبله وجاء اعترافها اخيرا وهي لما تزل في قبضة الضحك.
نعم ,, نعم,.
وزاد زوجها في اصراره:
نعم ماذا؟ هيا اخبريني بكل شيء!
وبدأت سورة الضحك في التلاشي فألصقت فمها بأذن زوجها الذي كان ينتظر بفارغ الصبر ذاك الاعتراف الذي يدغدغ الحواس قالت:
أجل خدعته ذات مرة!
واحس برعدة ثلجية تخترق عظامه فقال متلعثماً:
أنت ماذا,, فقد فعلت إذا؟
وظناً منها انه كان يجد في الأمر إثارة للمشاعر والغرائز تابعت:
نعم,, قد عمدت الى ذلك حقا!
ونهض فجأت واللهاث يقطع انفاسه,, كان متأثرا غاية كما لو ان احدهم قد اخبره بأن (ماتيلدا) قد خدعته هو,, وتاهت الكلمات منه فلم يدر ما يقول على انه استعاد بعد لأيٍ شيئاً من رباطة جأشه فما زاد على ان قال:
آه,,.
وتوقفت هي عن الضحك بعد ان ادركت بعد فوات الأوان هفوتها,.
وسألها اخيرا:
مع من كان ذلك؟ وحاولت ان تجد مخرجا فما استطاعت,.
وتمتمت: مع شاب يافع!
وجاءها صوته قاصفا كهزيم الرعد:
كنت أعلم ان ذلك لم يحدث مع عاملة مطبخ,, اريد معرفة من يكون!
ولم تجب فجذب الغطاء بعنف مرددا:
اريد ان اعرف من يكون,,, أتفهمين؟
وبألم قالت:
لم أكن إلا مازحة!
على ان سورة الغضب كانت قد تملكته فهو يرتعد بعنف:
اذا فأنت تمزحين! لن ينطلي ذلك عليّ,, من يكون؟!
ولكم تنبس ببنت شفة,, ظلت ممددة على السرير في ذهول وعيل صبره فأمسك بذراعها ولواه بشدة:
ألا تسمعينني! إن سألتك فأجيبي!
ورددت بعصبية:
لا ريب وأنك قد فقدت شعورك,, دعني!
ولكن الغضب كان قد ملك عليه جميع حواسه فما زاد على ان هزها بكل قوته صائحا: أتسمعين,,, اتسمعين؟
وكيما تحرر نفسها من قبضته استدارت بحدة فجرحت اطراف اصابعها أرنبة انفه ساكبة المزيد من الوقود على نار الغضب المتأججة في ذاته بعد ان سولت له نفسه انها انما تعمدت ذلك وجثم فوقها فعاجلها بصفعة حادة ناعتا إياها بأقذع الالفاظ وعندما استهلك كل طاقته نهض لاهثا كيما يتناول قدحا من عصير البرتقال إذ احس بأنه كان يتأرجح فوق شرفة الإغماء!
أما هي فكانت تنتحب في صمت,, يغتالها شعور بأنها قد قوضت اركان سعادتها بمحض إرادتها,, ومن بين دموعها المنسابة كنهر لا يكف عن الجريان تمتمت.
أصغ اليّ انطونيو,, دعني اشرح لك الأمر برمته,, لقد كذبت عليك! ورفعت رأسا سقطت القلنسوة عن جزء منه فبدا أشعث الشعر نوعا,, كانت عازمة على رأب الصدع بعد ان تمالكت نفسها وتسلحت بذخيرة من الحجج والمكر البارع,.
واستدار نحوها وقد غشاه طوفان من الخجل نتيجة لما بدر منه تجاهها على انه شعر في أعماق ذاته بكثير من مقت الزوج نحو تلك المرأة التي خدعت صديقه السابق (سوريز)!


رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

الجنادرية 15

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved