Thursday 10th February, 2000 G No. 9996جريدة الجزيرة الخميس 4 ,ذو القعدة 1420 العدد 9996



لما هو آتٍ
لكِ وَحدكِ
10

اليوم تجدينني ذاهبة,.
لا أدري إلى أين، ولكنني ذاهبة,, عاجلني الرحيل,, وقد كنتُ بحرقة الغربة أصطلي,, حين لم تكوني,, كانت الدروب موحشة,, لا أدري لماذا يناديني حادي النشيج في حزنه الأبدي,, لا أدري لماذا يناديني بالغربة، وإني أدرك أن اسمي ليس هي,, تذكرين,, حين كنت أقول لكِ ,,,: إنك اجتثثتِ عنق الوحشة والغربة والخوف,.
آخر لحظة سمعتكِ فيها,, جاءتني بعدها موجة عاتية من الدموع فاكتسحتني,, أخذتني في سيلها الجارف,, وقذفت بي من جديد في أخاديد الخوف والرهبة والوحشة، أصوات البكاء الكثيرة تصك أذنيَّ,,، أناديكِ بصوت مرتفع لكنه ينطوي مع أمواج التراب,, والضباب,, والطين,, والدموع,, كتلة أتلوى داخل طيات هذه الدوامات,.
تذكرين أنني بكِ خرجتُ من القوقعة،,, تساءلتِ يومها,, عن المحارة، أو القوقعة أيهما جئتُ منها؟،,, كنتُ أدري أنني سأعودُ إليها,, ذات لحظة,, وقد عدتُ,, أنتِ لستِ سراباً، أدري أنكِ ضياءً,, لكنكِ لأول مرة تخبرينني عنك ما لا أدريه,,، وعلمتُ أنني ريشة في مهب النداء,,، وها هو منادي الرحيل يوجِّهني إلى ديار الصمتِ,, والوحشة,, والغربة,, وهنا أجد نفسي,, ولا أخفيكِ أنني كنتُ أجدها دوماً بين لمسة الدمعة والأخرى,, أفركُ الدمعة بين إصبعيَّ,, لا أدّعي أنهما يتبلَّلان,, وإنما أدري أنني أرى وجهي في مرآتهما وذاتي كانت تنهض من بين إصبعيَّ تقول لي: أنت مسحوقة بين ظاهر الدمعة وباطنها,, فأعود امتشق لُجَّتها,, وأغرق في بحورها,,، وحين حملتني في قاربكِ وأخذتني إلى شواطئ الفرح والضحك والسعادة,, كنتُ أتوجَّسُ,, لأنني كنتُ في نبوءة الحدث,, لن أغادر أخاديد الصمت والوحشة والغربة,, اليوم تجدينني ذاهبة,.
وقد كنتُ أفرح حين أركب الدرب لأنني أتجه إليكِ ومنكِ,, ولأنكِ مضيت وحدكِ وأغلقتِ دربكِ دوني,, فعلتِ بي مثل ما يفعل الجزار,, إذ سقط رأسي بعيداً عن جسدي,, وأهويتُ إلى درك الدموع في لجج الخوف,, وعادت لي مراكبي القديمة,, عتيقة لكنني نقشتها موقعاً موقعاً بدمعي وخوفي,, ورهبتي,, ووحشتي,, آه,, أقولها,, وأمامي نوافذ كثيرة,, تطل على دروب شائكة,, كأنها الجحيم,, والتنور,, والفرن,, والبئر,, والهاويات في أعماق البركان الذي لا يتوقف,, أُتون,, أُتون وحدي من يصطلي,.
ذكرتني هذه الدروب بنوافذ الحداء وهو يطل من حناجر الراحلين في الليالي المظلمة لا المقمرة,, ولياليَّ دوماً كانت حالكة السواد,, لأنني أدسُّ نفسي داخل عباءة الليل كي أستكينَ، لكنني لا أفعل، إذ ترتعد كل ذرة فيِّ,, من خوف الطريق ورهبة الوحدة وعناء الغربة,,، والناس هناك يتسامرون، وأنتِ,, مع ضيائكِ ترفلين,.
اليوم,, أغادر ذاتي لأنني أندمجتُ داخلها فما وجدت فيها سواكِ لأنني فعلاً أنتِ، لكنكِ من غادر,, وأغلق الطريق,, وضعتِ عليه علامة الصمت، وقلتِ ليس للعبور,, وجاءني قولك: سأذهب، كي لاتقولي إنني تركتكِ دون أن أقول أتدرين أنك لو فعلتِ دون أن تقولي، لتركتِِ لديَّ منفذاً للبقاء,.
اليوم أحمل زُوَّادتي وهي مليئة,.
لكنها تُدُّر,, الدمع,, والصمت ,, والجرح,.
ترى,.
كيف ستكونين؟,, وكيف سأكون,,؟
أما أنا,.
فإني قد غذذت الرحيلَ,.
معي موجة تلفني في دوامة ساحقة,.
أدرك معها أنني لا أعي شيئاً,, ولن أنطقَ من جديد.
هذه السطور من مخطوط: مُروقُ الحِداءِ
د, خيرية إبراهيم السقاف

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

الجنادرية 15

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved