Monday 14th February, 2000 G No. 10000الطبعة الاولى الأثنين 8 ,ذو القعدة 1420 العدد 10000



الرئة الثالثة
قراءة أخلاقية في فلسفة الخطأ!
عبدالرحمن بن محمد السدحان

الخطأ أصناف، منها:
* خطأ يأتيه فاعلُه عمداً وإصراراً، وقد يسبق ذلك تخطيط وتربُّص، وتتعدّى نتائجه فاعله إلى الغير، وأبرز الأمثال لذلك حوادث القتل العمد، والاغتصاب والسرقة وما في حكم ذلك.
***
* وخطأ يأتيه فاعلُه بغير قصد ولا عمد ولا تربص، وهو ينشأ إما جهلاً بالضوابط الشرعية أو النظامية المكيفة له، وإما تساهلاً بآثاره ونتائجه، ويشترك هذا الخطأ مع الصنف الأول في أن نتائجه وآثاره تتعدى فاعله إلى من سواه من الأحياء والجماد، وخير شاهد على ذلك حوادث المرور، والعبثُ بالمرافق العامة، ونحو ذلك.
***
* وخطأ يأتيه فاعلُه وحيداً أو مع آخر، في ضيافة الجدران الصامتة، لكنه يختلف عمّا سواه في أن تبعاته ونتائجه وآثاره لا تتعدّى فاعله الى الغير، بل تقتصر عليه، ومن يشاركه فعل الخطأ، إن وُجد له شريك.
***
كيف يتعامل الناس مع هذه الأخطاء؟
يتعاملون معها بمواقف وأقوال وأفعال متباينة، تبعاً لمنهج كل منهم الديني والخلقي والاجتماعي والسلوكي.
فمن الناس من يُعرض عن ظاهرة الخطأ بأنماطها المتفرقة إعراضاً كاملاً، فعلاً وفاعلاً:
إما بحجة أن الأمر لا يعنيه أصلاً,.
وإما الرغبة في التماس السِّتر لفاعله.
وإما تجنّباً للتبعة النظامية والاجرائية المترتبة على التبليغ عن الخطأ.
***
ومنهم من يحشر أنفه في كل حدث، فلا يفرق بين فعل العمد وفعل السهو ، والفعل الناجم عن الجهل، ولا يميز بين فعل يتعدى أثره فاعله إلى غيره، أو يقتصر عليه هو دون سواه، ونحو ذلك, ولهذا النمط من التعامل أنصاره ومريدوه، لكن بدرجة أقل من الصنف الأول, وعيبُ هذا الموقف ان صاحبه يخلط بين دوافع الخطأ ونتائجه! وقد يستخدم هذا التوجه جسراً لاستراق السمع,, واختراق اسرار الناس بغير حق!
***
وهناك نمط ثالث من الناس يتعامل مع ظاهرة الخطأ، فعلاً وفاعلاً وآثاراً ونتائجَ من منطلقات عدة، وفقاً لهويّة الفعل وحجمه,, ومدى اقتصاره على فاعله أو تجاوزه إلى ما سواه.
* فإن كان الخطأ مما يجلب الضرر أو يرتب الأذى لغير فاعله، عمداً كان أو جهلاً، حرص على التعامل معه تعاملاً مباشراً، إن استطاع بيده، فإن لم يستطع، فبلسانه، فإن لم يستطع، أبلغ من يعنيه أمر هذا الخطأ من أولي الأمر، ليضعوا للخطأ حدّاً ولفاعله ردعاً.
***
* أما اذا رُجِّح مبدأ الستر على الخطأ، فعلاً وفاعلاً، بغض النظر عن الدوافع والنتائج، إما رأفةً بفاعله وتستراً عليه، أو فراراً من التبعة الاخلاقية والاجرائية المترتبة على الابلاغ ، فإن الحكم هنا جِدُّ مختلف، اذ يغدو ملتمس الستر على الفعل والفاعل متستراً تستراً قد يرقى إلى مستوى الضلوع في فعل الخطأ، مشاركةً فيه، أو مباركةً له.
أما إن كان الخطأ مما لا يجلب ضرراً إلا لفاعله دون سواه، جاز التماس الستر له، مقروناً بالنصيحة لفاعله كي يقلع عمّا فعل!
***
ولعلّ مما يحز في وجدان أي مواطن غيور أن هناك من يخلط الأوراق أحياناً في التعامل مع ظاهرة الخطأ، مثلما يخلط بين فضيلة الستر ,, وشبهة التستر !
* فمنهم من قد يدفعه الفضول لا الغيرة على رصد أحوال الناس وكشف عوراتهم، بحجة احتساب الأجر,, مع أن ما يأتيه هؤلاء القوم خطأ لا يتعدّاهم إلى سواهم، والواجب هنا التماس الستر لهم,, مع طرح النصيحة والموعظة الحسنة لهم كي يقلعوا عمّا يفعلون, وحيناً آخر، قد يرى هؤلاء الغيورون الخطأ الفاحش يُرتكب مما يتجاوز أثره صاحبه إلى الغير، ضرراً وإضراراً وظلماً، ورغم ذلك,, يلتمسون الصمت إما طلباً للستر، أو بحجة إبراء الذمة مما لا يعنيهم.
***
وبعد:
فلا ريب أن ردعَ الخطأ من حيث المبدأ واجب على المواطن الملتزم ديناً وخلقاً وولاءً للوطن، لكن آلية الردع وكيفيته تختلف من موقف إلى آخر، فهي تتطلب التدخل مباشرةً اذا كان الخطأ يرتب ضرراً يتجاوز صاحبه الى الغير، مما يهدد أمن المواطن: دماً أو مالاً أو عِرضاً، أما اذا كان الخطأ مما لا يتجاوز صاحبه إلى سواه، جاز التماسُ الستر له مقروناً بالنصح السويِّ,, والموعظة الحسنة، وبشرط أن تكون وسيلة اكتشاف هذا الخطأ مشروعةً، وغياب الشرعية في اكتشاف الخطأ يشكل خطاً آخر أعمَّ ضرراً وأشدَّ بأساً.
والله المستعان,.


رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

الجنادرية 15

منوعـات

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

الطبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved