Wednesday 16th February,2000 G No.10002الطبعة الاولى الاربعاء 10 ,ذو القعدة 1420 العدد 10002



يارا
حبيبتي حاسوبة
عبدالله بن بخيت

قرأت قبل سنوات، لنقل في عام 93 على وجه التقريب مقالا نشر في مجلة النيويوركر الأمريكية ولم أفهم منه شيئا, فاتصلت بصديق من المتابعين لهذه المجلة الأمريكية الحداثية الشهيرة طالبا النجدة, وطلبت منه أن يقرأ المقال، ويدلني على معناه ومبناه, وتبين لي أنه هو أيضا تلكلك فيه، ولكن لأنه ابن اللغة اكتشف أن المقال يقع بين السخرية وبين التنبؤ.
في ذلك العام لم يخلق بعد ما يسمى بالعالم المتخيل حيث كانت السيادة للدوس والوندوز في بدايتها، والماكنتوش يعيش في عزلته, ولكن الكمبيوتر كان قد بدأ يلعب دورا متعاظما بين الناس وخصوصا في أمريكا, الحقيقة شممت فيه المقال رائحة الكمبيوتر ومصطلحاته موجهة لتخوض في قضايا عادية تعودنا أن نستخدم فيها لغة معروفة منذ فجر التاريخ, لذا ارتج علي على حد تعبير اخواننا التلقيديين فلم أفهم التركيب الثقافي الذي بني عليه المقال.
فحتى الآن والبلاغة في كل اللغات مازالت توظف الطبيعة في تشبيهاتها ومجازاتها.
الغزال للجمال والحصان للقوة والحمار للذكاء والقرد للقبح، والأسد للسيادة، وهكذا تمضي التشبيهات والمجازات من جيل إلى آخر دون توقف رغم أن العالم هجر الطبيعة منذ زمن بعيد, فمثلا سكان الرياض ، دعونا من نيويورك ، لم يشاهدوا الحصان على الطبيعة, والجيل الجديد لم يعرف الحمار إلا في الصور الفوتوغرافية.
إلا أنه مازال يستخدم الحصان للقوة والحمار للذكاء ورغم أن الذوق على المستوى العملي والسيكلوجي انقلب على مستوى العالم ففي الجاهلية مثلا كانت المربربة رمز الجمال والآن أصبحت النحيفة هي رمز الجمال، وفي العصور الوسطى في الغرب كانت البنت الشاحبة البيضاء هي رمز الجمال، بينما كانت البنت المسودة من الشمس علامة على القبح، إلا أن الأمور تغيرت جذريا فأصبحت البنت المسودة رمز الجمال والبنت البيضاء الشاحبة رمزا للقبح.
الذي يطل على أقرب كشك بيع مجلات سيلاحظ أن مجلات الكمبيوتر تتسيد مبيعات المجلات, والذي يقرؤها لأول مرة لا أظن أنه سيفهمها لأنها تنطوي على رطانة لم نعهدها من قبل, كما أنها تنطوي على تداخل لا يمكن تفاديه بين اللغة العربية وبين اللغة الإنجليزية، وإذا كنا نقرأ دائما وفي كل مناسبة أننا عبرنا عالما جديدا فهذا الكلام ليس دقيقا أو أنه مازال كلاما نظريا بحتا لأنه لم يأت أحد بعد ينتزعنا من ملابسنا أو من بيوتنا، أو من أحبابنا أو من أنظمتنا, وليس صياحنا إلا على قول المثل وراك تصيح وأنت الفوقاني قال أخاف من الانقلابه , لكن الذي يطل على مجلات الكمبيوتر والعالم الذي تخلقه الانترنت سيلاحظ ان هناك اقتحاماً حقيقياً لحضن اللغة العربية الدافئ, فشخصية اللغة تكمن في بلاغتها، والبلاغة تاريخية ومرتبطة بالطبيعة الحصان والأسد والشجرة ومع الأسف فهذا بدأ يسلم نفسه للعالم المتخيل عالم الطبيعة الجديدة.
لو قرأنا النص التالي:
قبل عام واحد كان بإمكان صن أن تجعل من نظام سولاريس الموجه لمعالجات أنتل نظام التشغيل الأول لبيئة يونيكس العاملة على معالجات أنتل، ولكن حسب آراء بعض المحللين فإن ظهور ليونكس إضافة إلى افتقار سولاريس في بيئة أنتل للدعم من المستخدمين الخ , أو تسمع إعلانا يدعوك لمشاهدة فلم يقول فيه: تستطيع أن تصعد إلى الدور التاسع حتى لو لم يكن موجودا على الطبيعية , فالتعبير غير السوي في هكذا إعلان والكلمات الأعجمية التي قرأناها في المقطع السابق ليست مجرد مصطلحات أجنبية اندست في اللغة العربية، وإنما هي ممثل لعالم تستطيع أن تلمس حضوره وحدوده من خلال قوانينه وتشريعاته وعواطفه المتنامية, فهذه الكلمات ليست اختراقا لغويا وإنما بديل متخيل لعالم تقليدي قرر أن ينسحب، فهذه الكلمات لن تقف عند حدود الصناعة التي تنتسب إليها لأنها ليست كمثل المصطلحات الأجنبية التي نقرؤها في الصناعات المختلفة تعطيك نتائجها وثمرتها وتبقى في حدود المتخصصين، فهي جزء أساسي من ثمرتها عليك أن تعرفها وتنطقها وتتعامل معها وتنتسب إليها إذا لزم الأمر, وهذا العالم الجديد ذهب إلى أقصى العواطف حيث أخذ يتداخل مع الحب ويحطم لغته الدافئة التاريخية التي تعودت عليها قلوبنا، فالأجهزة اليوم تخلق بيئات جمالية لم تعرفها الإنسانية من قبل, ألوان جديدة تفوق الألوان التي تستطيع أن تخلقها الطبيعة, وصور مركبة إلى ما لانهاية, وتعديل مستمر يحطم أصول المشاهد الممتصة من الطبيعية التقليدية, وهذا كله يبحث عن لغته وبلاغته، وله الحق في النهاية أن يتدخل في العلاقات الإنسانية وينسف الغزال والحمار والحصان والأسد الغضنفر من بيئة التخيل, ففتاة صينية صغيرة تجلس أمام الجهاز في شنغهاي لايمكن أن تبعث برسائل الحب الصينية التقليدية إلى شاب وسيم متخيل يجلس أمام الشاشة في لوس أنجلس أو جده, لابد من بيئة حب مشتركة تتخلق فيها المشاعر الجديدة.
اللغة المشتركة والمشاعر المتنامية بين هذه الفتاة وذلك الفتى متخلقة في بيئة ليونكس وما كنتوش وعبر الصور التي أنتجها الفوتوشوب، وليس التي امتصتها عيونهما من الطبيعة أو من الآباء والأجداد، فاللغة التي بدأنا نقرؤها في مجلات الكمبيوتر أو نسمعها من شابين يتحاوران ليست تطوراً للغة السائدة فهي أقرب للقطيعة، فالبلاغة التي توارثناها عبر السنين ستكف قريبا عن العمل في مشاعرنا لأن اللغة العالمية الجديدة الهجين ستفرض بلاغتها الجديدة ويمكن أن أسميها بلاغة الفضاء المتخيل وحاحلها يا ابن سلوم.
ملاحظة: سيرى القارئ أنني غيرت عنواني الإلكتروني ولكن مازال القديم يعمل وبإمكانه مراسلتي عليه.
العنوان الجديد
yara * go .com

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

الجنادرية 15

منوعـات

نوافذ تسويقية

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved