Thursday 17th February,2000 G No.10003الطبعة الاولى الخميس 11 ,ذو القعدة 1420 العدد 10003



ضحى الغد
احلف له كما حلفت لي!

* قديماً قال الفقهاء: لا راحة لموسوس ! وهم يُعبرون في مقالتهم هذه عن عدم جدوى اقناع الموسوس لأن الوسواس الذي ينتابه في مسائل الطلاق، والوضوء، وبعض أصول العبادة وفروعها، أمر يشق على الإنسان دفعه، لأنه صادر من أعماق بعيدة في نفسه إلا من رحمه الله وأعانه، ومن شواهد ذلك، أن مستفتياً جاء إلى فقيه يسأله عن مسألة حديث النفس في الطلاق فجرى بينهما الحوار التالي:
* الفقيه يسأل المستفتي:
هل تلفظت بالطلاق عازماً عليه؟!
لا، ولكنه حديث نفس، لم أنوه، ولم أتلفظ به!
إذن لا طلاق، فالله سبحانه يقول: وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم ، ويقول: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ، وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لأمتي ما حدّثت بها نفسها ما لم تتلفظ به أو تعمل .
وسمع الموسوس الأدلة الواضحة والبراهين الناصعة من كتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن الوسواس الخناس الذي يجول ويصول في صدره، لا زال غاشياً على عقله غالباً على نفسه! فأعاد القول على الفقيه:
لكنني أحس من حديث النفس ان زوجتي قد طلقت مني وأنني غير قادر على إقناع نفسي!
* ادرك الفقيه أن أزمة المستفتي ليس مصدرها الجهل بالحكم الشرعي، وإنما مصدرها النفس الموسوسة التي غلبها الشيطان الخناس، فغير الفقيه أسلوب العلاج من الأدلة الشرعية إلى معالجة هذا المرض النفسي بأسلوب أوفق وأقنع للمستفتي، يتلاءم وحالته ويحل أزمته النفسية!
* سكت الفقيه لحظات ثم رفع رأسه للمستفتي، وسأله:
أعد عليَّ مسألتك! فأعادها المستفتي كما ذكرها من قبل.
فأطرق الفقيه وقتاً، ثم قال له:
لقد طلّقت زوجتك، وهي الآن منك طالق، فاعتزلها ولا تقربها!
* فصرخ المستفتي الموسوس قائلاً: والله العظيم ما طلقتها!
* فتبسم الفقيه الحليم الرافق من يمينه العاجل وقال له بكل حزم ورحمة:
اذا جاءك الشيطان يوسوس لك بأنك قد طلقت زوجتك، فاحلف له كما حلفت لي!
هنا تنفس الموسوس الصعداء، وضحك على وسواسه، وتعوّذ من شرّ شيطانه، وانصرف من عند الفقيه الحكيم وهو سليم الصدر معافى النفس، منتصراً على نفسه والشيطان!
* هذا الفقيه الذي جمع بين العلم الشرعي والطب النفسي، لم يفرح بهذا الموسوس فيعتبره خزينة مالية مفتوحة، فيحيله على المختبر ليحلل له الدم، ويعمل له أشعة مقطعية على المخ ويكتب له وصفة على الصيدلية، ويخرج منه وقد نفض جيوبه، مستغلاً وسواسه، عازفاً على أزمته النفسية! ذلك لأن هذا الفقيه، هو رجل ورع مؤمن بالله، يخاف مقامه يوم القيامة، وحسابه يوم الحساب! ولم يجلس لحل مشاكل الناس إلا احتساباً لثواب الله والمتاجرة معه، وقد وفقه الله وأعانه على شفاء هذا المريض الذي أزمن مرضه النفسي بأسهل الطرق وأقل الكلمات!
* انها حكاية من عالم الأمس، حيث تراثنا الانساني العظيم!
* وفي عالم اليوم أمست تفاصيل الثقافة الطبية منتشرة بين الناس بحكم وفرة المستشفيات العامة والخاصة، وبحكم ما تقدمه وسائل الإعلام من توعية طبية وصحية للناس، وبقدر ما تخدم هذه الثقافة الصحية جمهور الناس، إلا أن الموسوسين منهم تسبب لهم قلقاً نفسياً على صحتهم وخاصة الشباب منهم، ودليل ذلك ان نسبة كبرى من مراجعي المستشفيات والعيادات وخاصة الأهلية تجدهم شباباً في عمر القوة والصحة ولكن الثقافة الصحية السريعة التي أخذها من صديقه أو صحيفته أو وسيلته الإعلامية الأخرى بعثت لديه هما نفسياً ما لبث ان تحول إلى وسواس صحي، فركض إلى العيادة الفلانية، والطبيب الفلاني، والمختبر المشهور، ليحلل ويفحص ويطمئن تماماً كذلك المستفتي الموسوس الذي لا يقنعه فقيه واحد ولا تريحه الأدلة الشرعية الثابتة.
وتأمل هذه الإعلانات الطبية التي تشكل اليوم أكثر من نسبة الربع في عموم إعلانات الجرائد اليومية!
* وبعد:
فإن الوسواس لا وطن له، ولا زمن له، ولا يرحم صغيرا، ولا يوقر كبيراً، وهو يهاجم المريض والمعافى والعابد والفاسق، ويتخلل عبر أعمال العبادة، والنظافة، ومسائل الصحة وقضايا الحياة الأخرى، ولا عون عليه إلا بتقوى الله والاستعانة به، والعياذة من الشيطان، وقراءة القرآن، وتلاوة المعوذات، وشرح الخاطر لأهل الفقه والحكمة والاخلاص.
عبدالكريم صالح الطويان

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

الجنادرية 15

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved