Thursday 17th February,2000 G No.10003الطبعة الاولى الخميس 11 ,ذو القعدة 1420 العدد 10003



لماذا التوحّد,,؟
د, فهد حمد المغلوث

ربما تتساءل عما أتحدث! وما هو هذا التوحد الذي أقصده، ولماذا أقحمك فيه؟ ومعك حق في ذلك، ولكني أخاطبك القارىء الكريم، أيتها القارئة الكريمة بلغة المشاعر الإنسانية التي تجمع بيننا بلغة الابوة والأمومة الحانية التي بداخلك ودعني أولا وقبل كل شيء أسألك: هل سمعت اضطراب التوحدي؟ هل تنامى إلى مسمعك شيء اسمه طفل توحدي؟! إن كنت لا تعرف عنها شيئا فدعني إذا سمحت لي أن أعطيك نبذة مختصرة عنها، وإن كنت قد سمعت عنها فتظاهر أرجوك بأنك لم تسمع ولو لبضع دقائق من الوقت ريثما نشرحها للآخرين، لأن ما نتحدث عنه قضية اجتماعية طرأت على السطح منذ فترة بسيطة بسيطة، ولأنها قضية إنسانية في المقام الأول وتهم كل شخص منا، لذا فمن باب المسؤولية المجتمعية ينبغي التعريف بها.
قد أتطفل على عقولكم في هذه الدقائق، ولكنني بسبب هذا القلب الكبير الذي بداخلكم واثق من أنكم سوف تجاملوني على الأقل، وهذا يكفي لإيصال الرسالة الإنسانية.
إن ما نتحدث عنه يا إخوان قضية توعوية مجتمعية في المقام الأول، نتحدث عن اضطراب اسمه التوحد اضطراب يصيب الأطفال في سن مبكرة من العمر من سن 3 سنوات تقريبا فيجعل الطفل من هؤلاء غير قادر على التواصل الاجتماعي مع الآخرين عديم الابداع والتخيل يعيش في عالمه الخاص الذي فرضه عليه هذا الاضطراب والذي هو اعاقة اجتماعية بالنسبة له وإعاقة نفسية لأسرته.
هذه الإعاقة قد لا أحس بها أنا وأنت ممن هم بعيدون عنها ولكن من يقاسي آلامها ويكتوي بلوعتها هو ذلك الأب والأم التي شاء الله سبحانه وتعالى أن يولد لهما طفل توحدي,, لتبدأ معه رحلة طويلة وشاقة من المعاناة!
رحلة ينسى فيها الوالدان كل أحلامهما الجميلة وطموحاتهما الكبيرة من أجل تكريس حياتهما لمساعدة هذا الطفل التوحدي الغريب الأطوار الذي لا يبدو حتى الآن ما يشير في الأفق إلى علاج طبي لهذه الإعاقة وذلك الاضطراب الذي قلب حياة بعض الآباء والأمهات رأسا على عقب وجعلها في رحلة متواصلة من الشقاء والعناء.
ولكن ماذا يمكن أن يقول الإنسان سوى أنها مشيئة الله عز وجل، وماذا يمكن أن يفعله سوى الاستسلام لقضاء الله وقدره ولكن الاستسلام لا يعني اليأس والتواكل بل العمل الشاق والدؤوب للبحث عن العلاج اينما كان ومهما كلف وتحت كل الظروف وهنا مكمن معاناة الوالدين أثابهما الله .
يا الله أترى ماذا يريد الأب أو الأم منا في هذه الحياة بعد أن يلتقي بشريك حياته سوى بذرية صالحة، سوى بطفل يملأ عليه البيت شقاوة وصراخا وحركة، أليست هذه سنة الحياة؟
ماذا تتمنى كأب أو أم أو كولي أمر سوى أن يكون طفلك أفضل منك، سوى أن تراه في كامل صحته العقلية والبدنية.
ولكن ماذا يحدث حينما ترزق بطفل معاق سوف تصدم ولا شك وسوف تعيش حالة نفسية متعبة لا يعلمها إلا الله علما بأن هذا المعاق قد يوجد من يخدمه ويقدم له كافة أوجه الرعاية والتأهيل الممكنة ومع ذلك يظل الحزن مخيما على قلبك كلما نظرت إليه وهذا أيضا قد يهون حينما يرزقك الله بطفل معاق تستطيع أن تفهم مطالبه ولو بلغة الإشارة.
ولكن ما بالك بطفل آخر معاق لا تستطيع أن تعرف حتى ما يريد لا تعرف كيف تتواصل معه، بل حتى الألم لا يستطيع أن يعبر عنه مثل الآخرين!
طفل شارد منعزل عن الآخرين لا يعي ما يدور حوله وحتى لو خاطبك أو رد عليك واستجاب لسؤالك فلا يضع عينيه في عينيك لأنه مشغول في عالمه الخاص الغريب المليء بالمتاهات والألغاز الغامضة.
أنت كأب تود أن تسأله عما يريده كاخوته أو بقية الأطفال، تريده أن يطلب منك شيئا من السوق أن تشتري له شيئا يشعرك بأبوتك فتجد نفسك محروما ولا تملك حينها سوى أن تهز رأسك أو تطأطئه من شدة حزنك عليه ورثائك لحاله.
أنتِ كأم تريدين أن تشعري بحنان الأمومة مع هذا الطفل التوحدي أو الطفلة التوحدية فتشعرين مع مرور الأيام أنك تفقدين اسمى المشاعر الإنسانية التي وهبها الله للأم وهي مشاعر الأمومة ليس لأنك تتجردين منها أو تتجاهلينها، ولكن تصرفات هذا الطفل التوحدي تحرمك من ممارسة حقكِ حتى في احتضانه كبقية الأمهات لأنه لا يقبل الاحتضان إلا بعد جهد جهيد.
أنتِ كأم تشعرين بعاطفة الأمومة الغريزية أن هناك شيئا ما يؤلمه ولكنك لا تستطيعين أن تساعديه لأنه لا يستطيع أن يعبر عما يؤلمه، بل لا يستطيع أن يقول بأني جائع!
أنتِ كأم تشعرين بأن خطرا ما سوف يداهمه فتسعين لأخذه بعيدا عن مكمن الخطر لأنه لا يخشى الخطر بل قد يتجاوز الشارع غير آبه بالسيارات لأنه في عالم آخر.
أنتِ كأم تشعرين أنكِ في حالة نفسية مخيفة وفي حالة شد وخلاف ربما مع الزوج وكل منكما يحاول أن يعزي نفسه بتبريرات مختلفة هو من داخله يعلم أنها غير صحيحة ولكنه يحاول أن يخفف من معاناة وخوف الطرف الآخر وطمأنته.
أنت كولي أمر أب أو أم تأخذه للمدرسة كبقية الأطفال ممن هم في سنه، فتفاجأ برفضهم له لأنه غير قادر على ممارسة دوره كطالب في المدارس العادية فتأخذه من مدرسة لأخرى دون فائدة، تبحث عن مراكز خاصة تقدم خدمات تربوية واجتماعية وعلاجية لطفلك فتفاجأ بعدم وجودها أو بعدها عنك مئات الكيلومترات أو في بلدان ومناطق أخرى بعيدة عنك، ولأنك أب فلا تملك سوى أن تنتقل به لأي مكان في العالم يوجد به علاجه وتضطر تحت وطأة الظروف القاسية أن تنتقل بعملك لمقر دراسته أو تأهيله وبصورة دائمة! أبعد هذا معاناة؟
صحيح أنك حينما تخلد للنوم ليلا، وحينا تضع رأسك على وسادتك وحينما تتأمل وضعك وتعود بشريط حياتك إلى الوراء قليلا سوف تجد نفسك ولا شعوريا تذرف دموعا حرّى وأنت الأكثر قوة من الطرف الآخر، أو هكذا تتظاهر! ولكن ماذا تفعل؟ أليس طفلك؟ وأنتِ كأم لا تقل معاناتكِ عن زوجك، هذا إن لم تكوني اكثر حرقة عليه لأنه حشاشة جوفك وجزء منك ظل بداخلك تسعة أشهر.
ومكمن معاناتكما لطفل توحدي أنكما لا تجدان خدمة تقدم لطفلكما في الوقت الذي لا يستطيع هذا الطفل المسكين أن يقول ماذا يريد أو أن يعبر عما يشعر به.
وبحكم عملنا مع هذه الفئات ونظرا لعجزنا عن مساعدتها كما ينبغي لقلة الخدمات المتوفرة لها لا نملك نحن أيضا سوى أن نذرف الدموع التي نحاول أن نخفيها في مآقينا تعاطفا مع ولي الأمر الذي أتى إليك طلبا لمساعدتك في أن يجد حلاً لمشكلة طفله التوحدي في أن يجد مكانا يقدم له المساعدة لطفله أيا كان نوع المساعدة!
نعم هذا هو الطفل التوحدي الذي أحدثكم عنه! ولم تعرفوا من شخصه سوى القليل والقليل جدا.
ولكن السؤال الآخر الذي قد يطرح، ولم الآن بالذات؟ لماذا هذا الاهتمام المتزايد بالطفل التوحدي هذه الأيام؟ والاجابة ببساطة تمليها مبررات عديدة منطقية وهي إلى متى يظل الطفل التوحدي غائبا عن محط اهتمام المسؤولين والمختصين؟ إلى متى يظل في عزلة دائمة؟ إلى متى يظل محروما من الخدمات التي تقدم لغيره من الفئات الأخرى؟ بل إلى متى يظل أولياء أمور الأطفال التوحديين في معاناة دائمة؟ أليس من حقهم أن يجدوا مراكز توحد تخصصية تتناسب والتطور الكبير الذي تشهده مملكتنا الحبيبة في رعاية وتأهيل المعوقين؟
ألم نقتنع بعد أن هناك عددا كافيا من الأطفال التوحديين بحاجة لجهة رسمية تظلهم بخدماتها وتهتم بشؤونهم؟
لقد حان الوقت لكي نضع حدا لمعاناة الآباء والأمهات والأطفال التوحديين وكل الفئات الأخرى المحرومة من الخدمات المتخصصة بحكم عدم انطباق الشروط والانظمة واللوائح عليهم.
لقد حان الوقت أن نجري تغييرا جذريا على تلك الأنظمة واللوائح بشكل يخدم هذه الفئة الغالية على قلوبنا.
لقد حان الوقت لنبدأ خطوة جديدة ولتكن جريئة لا بأس، ولتكن البداية خطوة قصيرة المهم أن يشعر هذا الطفل التوحدي أن هناك من يهتم وأن لم يع ذلك، فيكفي أن يعلم أولياء الأمور كذلك ويدركوا جيدا أنهم محط الاهتمام والرعاية والعناية من قبل كافة الجهات المعنية.
ما يسعدني فعلا هو أن هناك جهات تعمل بجد واخلاص ومن خلف الكواليس من اجل توعية المجتمع بهذه الفئة وغيرها.
هناك أناس بالفعل قد كرسوا وقتهم ومالهم وجهدهم وما زالوا يكرسون من أجل ايصال قضية إنسانية عادلة للمجتمع ومن أجل تعريف أبناء المجتمع بها في كل المحافل وفي كل المناسبات.
فلقد أسعدني جدا أن أرى اهتمام سمو الأميرة سميرة الفيصل وهي لا تفتأ تتحرك من هنا وهناك تجمع حولها كل المهتمين، تقدّر كل المتطوعين وتساهم بدور فعّال في خدمة المجتمع ألا وهو توعيته والوقوف معه بقوة وعزيمة لا تفتر، وهي جهود ليست بغريبة عليها، جهود تمليها الوطنية الصادقة والحب الكبير والولاء المطلق لهذا الوطن الغالي.
وجميل جدا أن أرى ولي أمر طفل توحدي هو الأستاذ ياسر الفهد يكافح وينتقل من هنا وهناك من أجل المطالبة بحق مشروع لفئة التوحديين، بل الأجمل من ذلك أن يتعدى هذا الدور ليشمل إسهامات أخرى تتمثل في ترجمة بعض الكتب الهامة التي تعنى بالتوحد ومنها كتاب صغير ثري لماذا يتصرف طارق هكذا؟ .
كتاب سعدت بالحصول عليه وقرأته ووجدت فيه معلومات مفيدة تهم أولياء الأمور والمهتمين.
أمثال هؤلاء وغيرهم كثر ولله الحمد لا يجب أن نشكركم فحسب، بل أن نكافئهم وأن ندعو لهم ونبارك خطواتهم لأن عملهم ليس عملا فرديا أو شخصيا، بل هو عمل ذو مردود شامل على كافة أفراد المجتمع خاصة إذا عرفنا أن الإنسان منا لا يدري ماذا يخبىء له المستقبل أو لأسرته وأطفاله فلربما يستفيد هو شخصيا أو أسرته من هذه الخدمة فيما بعد من يدري؟ .
حفظكم الله من كل مكروه، وبارك في جهود المخلصين أينما كانوا ومهما كان عملهم وإليهم نقول:
سيروا على بركة الله في عمل الخير، دعواتنا لكم بأن يوفقكم الله ويبارك خطواتكم المباركة.
ولنتذكر أن هناك رسالة خاصة جدا من طفل توحدي يريد أن يوجهها إليكم على شكل همسة أرجو ألا تكون ثقيلة على مسامعكم ولكن ثقته بكم كبيرة.
* همسة *
لا أعرف شيئاً عني,.
سوى أنني توحدي!
هكذا يطلقون عليّ!
إنسان آلي,!
غريب في كل شيء!
لا أعي مَن هم حولي!
باردة مشاعري!
فاترة عواطفي!
لا أبالي بشيء!
حتى بأمي وأبي!
فكل ما يهمني هو عالمي!
* * *
* أجيد لغة الصمت,.
أهوى لغة التأمّل,.
أتحدث لغة غريبة,.
لا يفهم طلاسمها,.
حتى أبناء جنسي!
هكذا يقولون عني!
طفل توحدي
* * *
غريب في كل شيء,.
في تصرفاتي المتناقضة!
في نظراتي الحائرة!
في حركاتي المملة!
هكذا أنا في نظرهم!
* * *
أما أنا,.
فلا أدري ماذا يقولون!
لا أعرف عمّا يتحدثون!
لا اهتم بما يرددون!
لا أبالي بمن يكون ولا يكون!
* * *
لا أدري,.
ماذا عيني كوني توحدي؟!
هل لأني بمفردي؟!
أعيش كامل عزلتي؟
دون صديق أو رفيق؟
لا أعلم شيئاً,.
فِلمَ أهتم؟!
لم أغتم؟!
* * *
قد أكون كما يقولون,.
قد أنتمي لعالم البدون,.
قد أكون ولا أكون
لِمَ لا!
وأنا مذ عرفت نفسي,.
هامشي في بحر السكون!
* * *
ولكن أيها السائل عني,.
من أكون!
قد أكون ما يدّعون,.
لا يهم,.
ما يهم هو مطلبي,.
أريد من حولي.
أن يعيشوا عالمي,.
أن يتخيلوا واقعي,.
أن يتصوروا مستقبلي,.
في ظل عالم غريب,.
في ظل عالم محير,.
في ظل عالم آخر,.
ليس فيه سوى أنا!
لا جليس ولا أنيس,.
سوى همهمات مبعثرة,.
سوى كلمات متقطعة.
سوى أحجية متداخلة!
لم تكتمل أجزاؤها بعد!
* * *
كل ما أطلبه,.
لمسة دافئة,.
على يديّ أو وجنتي.
مسحة حانية,.
على رأس أو شعري
تشعرني من داخلي,.
إن هناك من يحس بي,.
من يريد أن يفهمني,.
من يريد أن يتقرب مني.
من يريد أن يتعرف علي,.
من يريد أن يدخل عالمي,.
ليرافقني رحلتي الغامضة,.
ليشاركني أفكاري الغريبة,.
ليخفف علي وحدتي القاسية
بل ليفهم ما أريد.
ليعرف من أنا.
* * *
فهلا كنت أنت ذلك الإنسان؟
هلا وقفت بجانبي؟
هلا أحسست بي؟
هلا أشعرت أمي وابي,.
بأنني لست بمفردي؟
هلا طمأنتهما عليّ
هلا أشعرتهما,.
إن هناك من يهتم بي؟
من يسعى لمساعدتي؟
هلا أحسستهما,.
أن هناك من يخاف عليّ
كأمي وأمي؟

يا الله,,!
كم أحب أمي وأبي.
كم أقدر جهدهما معي,.
كم أكبر فيهما صبرهما عليّ,.
على مشاكلي الكثيرة
على متاعبي المتواصلة
***
ساعدني يا ربي,.
أريد أن أقول لهما ذلك بلساني.
أريد أن أسمعهما إياه بنفسي,.
فكم اشعر بهما,.
كم أقدر تضحياتهما من أجلي,.
أريد أن اعبر عن ذلك,.
بلسان الابن البار,.
بإحساس الصدق الحار,.
ولكنني لا أعرف كيف أشكرهما.
لا أعرف كيف أقول!
بأنني ممتن لهما ,.
لا أعرف وسيلة,.
للتواصل معهما,.
وبكل من هم حولهما,.
* * *
أليس هذا متعباً على نفسي؟
أليس قاسيا على قلبي؟
إنه كذلك والله
بل وأكثر من ذلك؟
* * *
لم أعد أطيق وحدتي,.
لقد مللت عزلتي,.
أريد أن أخرج من خلوتي,.
أريد أن أغادر الظلام,.
لأعيش عالم النهار,.
لأعيش عالمي,.
لأعيش براءتي,.
كبقية الأطفال,.
فهلّا ساعدتني على ذلك؟!
* * *
إنني طفل توحدي,.
أمد إليك يدي,.
فهل تتركني وحدي,.
بعد أن عرفت من أنا؟
بل جزء من أنا!؟
بعد أن عرفت حاجتي إليك؟

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

الجنادرية 15

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved