Monday 21st February,2000 G No.10007الطبعة الاولى الأثنين 15 ,ذو القعدة 1420 العدد 10007



سمو الأميرة عفت الثنيان آل سعود الشخصية,, الإسهام,, الموقف
د, دلال بنت محمد الحربي

يصعب الحديث عن الرموز,, وعفت رمز لكل نساء الوطن,, في يوم رحيلها بكت مشاعر من عرفها,, وفي يوم رحيلها اهتزت مشاعر من وقف على دورها,,, وفي يوم رحيلها اختلجت مشاعر من سمع بها,, هي امرأة العطاءات,, وهي امرأة الموقف والتوجه,, وهي امرأة العمل الفاعل,, وفي مجمل ذلك هي امرأة البذور المثمرة,, التاريخ يروي باختصار حكاية هذه المرأة الانسانة,, المسؤولة التي احتفى بها وزادته تشريفا كانموذج لامرأة ارادت ان تعمل للغير,.
اسهمت الأميرة عفت بمبادرات عديدة تصب في تطوير ونماء المجتمع وتركزت جهودها على النواحي التعليمية والخيرية، واتخذت اعمالها صبغة عامة في تأثيرها بحكم ان المقصود منها في الاصل كان التوجه الى الناس كافة ليستفاد منها وبشكل خاص تميز اسهام الأميرة عفت بتوجهه نحو النساء وتركزه على التعليم شعورا منها بأن هناك حاجة ملحة لانتشال المرأة من الأمية والعمل على رفع مستواها اجتماعيا من خلال التعليم.
ولذلك فلا عجب ان تأتي المبادرة الاولى من الأميرة عفت الثنيان آل سعود حرم جلالة الملك فيصل رحمهما الله جميعا حيث اسست في عام 1375ه مدرسة دار الحنان, وارى انه من المهم التعرف على شخصية الأميرة عفت قبل الحديث عن اسهامها, فنسبا هي عفت منيرة بنت محمد سعود بن عبدالله بن عبدالله بن ثنيان آل سعود، وقد اقام عبدالله بن عبدالله ثنيان اقامة جبرية في استانبول بعد ان قبض عليه الانجليز في الهند وسلموه للعثمانيين، وهناك تزوج من شركسية انجبت له محمد سعود، واحمد، وسلمان وجوهران، ثم تزوج محمد سعود من آسيا هانم التي انجبت له عفت وزكي.
وواجهت الأميرة عفت في فترة طفولتها وصباها مع اسرتها بعض الصعاب نظرا لوفاة والدها مما اضطر والدتها للزواج من رجل آخر سافرت معه الى مكان اقامته وبقيت عفت برعاية عمتها جوهران التي كانت هي الاخرى تعتمد على عفت نظرا لأنها كانت مشلولة.
وبالرغم من قساوة الحياة وضيق ذات اليد الا بما يكفي عيشها وعيش عمتها الزهيد واصلت الأميرة عفت تعليمها الاولي والثانوي في المدارس التركية، مكتسبة بذلك ثقافة حديثة نظراً لأن التعليم في تركيا في ذلك الوقت كان متطوراً.
وكانت الأميرة عفت في ذلك الوقت تعرف مكانة أسرتها في شبه الجزيرة العربية، فخططت مع عمتها على إنهاء مرحلة الغربة والعودة إلى موطن الآباء والأجداد، فكتبتا إلى الملك عبدالعزيز ليأذن لهما بالعودة فرحب الملك عبدالعزيز ووجه نائبه في الحجاز سمو الأمير فيصل بتسهيل مهمة دخول عفت وعمتها جوهران، فقدمتا إلى الحجاز وكان ذلك في عام 1350ه/1932م، وهناك تزوج بها الأمير فيصل بن عبدالعزيز، وأنجبت له سمو الأميرة سارة، وسمو الأمير محمد وسمو الأميرة لطيفة، وسمو الأمير سعود وسمو الأمير عبدالرحمن وسمو الأمير بندر وسمو الأمير تركي وسمو الأميرة لولوة، وسمو الأميرة هيفاء.
ومنذ زواجها من الملك فيصل عندما كان نائباً للملك في الحجاز ووزيراً للخارجية، ثم ولياً للعهد إلى حين توليه الملك، اتخذت الأميرة عفت مواقف تصب جميعها في صالح خدمة المرأة، وتحل مشكلات بعضهن في مجلسها المفتوح، وتعين من يحتاج إلى العون، وترفع إلى الملك في أمور تحتاج إلى تدخله للنظر فيها.
ولم يبعدها اهتمامها بمشكلات عامة النساء عن الاهتمام بأفراد أسرتها الصغيرة فاعتنت عناية كبيرة بتربية أبنائها وأبناء الملك فيصل الآخرين ذكوراً وإناثاً مركزة على غرس روح التواضع وحسن التعامل وطلب العلم في نفوسهم، ويوضح ذلك أنها أحضرت مدرسين خصوصيين لهم لتدريسهم اللغة العربية، وعلوم الدين، كما اعتنت بأن يتحصلوا من خلال المدرسين على اللغة الانحليزية والتركية.
وإذا ركزنا على دورها في خدمة المجتمع بشكل جماعي واضح فإن أول ما فعلته هو أنها اتفقت والملك فيصل على انشاء المدرسة النموذجية في الطائف في أوائل الأربعينيات الميلادية، التي التحق بها أبناؤها إلى جانب آخرين من عامة الناس، تلقوا تعليما نظامياً واشتهرت هذه المدرسة بمدينة الطائف ثم نقلت فيما بعد إلى جدة وتحول اسمها إلى مدارس الثغر النموذجية.
وألحقت الأميرة عفت بالمدرسة النموذجية قسماً خاصاً لتدريس بناتها كان يُشرف عليه بعض النساء، ثم ألتحق بهذا الجزء بنات أخريات من بنات عامة الناس.
وكانت هذه المدرسة كما يُوحِى أسمها ويعكس ذلك واقعها في تلك الفترة نموذجية في أدائها إذ كانت تمارس فيها النشاطات الرياضية والاجتماعية إلى جانب المواد التعليمية.
وأما الجهد الأمثل والأبرز للأميرة عفت فكان عند افتتاحها مدرسة دار الحنان في جدة في عام 1375ه، ففي تلك الفترة لم يكن هناك تعليم نظامي بل كان السائد في تعليم المرأة هو الكتاتيب، وبعض المدارس الأهلية التي لم تكن على مستوى متطور، بل كانت تقترب في أدائها من روح الكتاتيب مع توسع في تدريس بعض المواد الحديثة، وتنظيم الانتقال من مرحلة إلى أخرى.
وجاءت مدرسة دار الحنان لتكون نقلة فعلية في تعليم المرأة، ووفقا لما ترويه صاحبة السمو الملكي الأميرة لولوة الفيصل، فإن الأميرة عفت كانت تخطط لإنشاء هذه المدرسة، وكانت تسعى إلى تحقيق الفكرة وتنفيذها بجهدها ومالها عارفة في داخلها أن الملك سيسعد ويُسرُّ بهذا الأمر لأنه هو نفسه كان يُشجع تعليم المرأة، ويسعى إلى انتشاره.
وكانت فكرة مدرسة دار الحنان أن تكون مدرسة تُعنى باليتيمات ومن هنا جاء اطلاق دار الحنان عليها، وقد واجهت المدرسة في بداية تأسيسها صعوبات تتمثل فيما يأتي:
1, قلة الإداريات اللاتي يمكن أن يعملن فيها.
2, قلة المدرسات المؤهلات القادرات على تقديم عطاء يتناسب وأهداف المدرسة.
3, عزوف الأهالي عن إلحاق قريباتهن من اليتيمات في هذه المدرسة.
وقد تم التغلب على الصعوبة الأولى عندما استعانت الأميرة عفت بالسيدة مفيدة الدباغ الفلسطينية الجنسية للتولى إدارة المدرسة، كما استعين بمدرسات من البلدان العربية للعمل فيها.
وفيما يخص الصعوبة الثالثة فقد عملت الأميرة عفت على شرح دور المدرسة واظهار أهدافها واستطاعت أن تقنع بعض الأهالي بإلحاق من لديهم من اليتيمات فيها، وكان لدور الأميرة عفت في المدرسة النموذجية في الطائف أثره في إقدام أفراد جاءوا من مدينة الطائف ببنات يتيمات ليلحقوهن في دار الحنان، وشعرت الأميرة عفت أن هذه المدرسة يمكن أن تقدم دورا أكبر من مجرد الاكتفاء بتدريس البنات اليتيمات ففتحت مجال الالتحاق فيها لمن يرغب في تلقي العلم من البنات, وكانت بداية هذه المدرسة بثلاثين طالبة، وبذلت الأميرة عفت دوراً كبيرا في احتضانهن ورعايتهن رعاية كريمة بنفسها، فكانت تشرف على خياطة الزي المدرسي لهن، ونظافتهن الشخصية وابعاد الوحشة عن نفوسهن.
ومنذ عام 1376ه بدأت أعداد الطالبات تتزايد في هذه المدرسة فقد بلغ عددهن في ذلك العام خمسين طالبة، وارتفع العدد في العام الذي يليه.
ولم تكن دار الحنان مدرسة عادية بل كانت كما أرادت لها صاحبتها ومؤسستها الأميرة عفت مدرسة متميزة لا يقتصر التعليم فيها على مواد جافة بل كانت هناك نشاطات مساندة تتيح للطالبات استغلال مواهبهن وتقديم ابداعاتهن، كما كانت المدرسة تسهم من خلال طالباتها في إعداد برامج الأطفال التي كان يقدمها التلفزيون السعودي.
وكان مما تميزت به هذه المدرسة دقة الإشراف والمتابعة إذ كانت الأميرة عفت توجه كريماتها بالتناوب على الإشراف على سير الدراسة فيها، ويوضح هذا الجانب ما سجلته لطفية عبدالحميد الخطيب من انطباعات خلال زيارتها للمدرسة في تلك الفترة التاريخية حيث قالت: وصلت بنا السيارة الى تلك الدار الكائنة بشارع المطار تطلعت إلى اللوحة وكأنها لوحة شرف تضعها المؤسسات تكلل أعمالهن الجليلة التي تبذلها من زمن لما فيه مساعدة نساء السعودية، وكانت المفاجأة الأولى هي التشرف بمقابلة سمو الأميرة سارة كريمة سمو الأمير فيصل ولي العهد إذ كانت تقوم بنوبتها في الإشراف على الدار إذ انها تتناوب مع شقيقاتها في الإشراف اليومي على سير الدراسة وأحسست بوجودي في حضرتها بأنني أمام إنسانة بكل ما في الكلمة من معاني الإنسانية من تواضع جم مبني على تثقف وتفهم وروح نبيلة وأبديت تقديري وأثنيت على الأسرة وسمحت لي سموها بالمرور مع السيدة مديرة المدرسة على البنات في فصولهن فدخلت كل جناح في الدار متفقدة سير العمل فيه من فصول صحية وتلميذات يبدو على وجوههن الذكاء والرضا والشعور بالاطمئنان ومعلمات تتجلى في تصرفاتهن حسن المعاملة بتفهم للمهمة الإنسانية الملقاة على عاتقهن وأيضاً شاهدت التلميذات وهن يتناولن طعامهن بنظام ملفت للنظر وقد مررت أيضاً على المطبخ الذي يعد فيه طعامهن فكان صحياً نظيفاً وأوانيه وأرضه وأحواضه.
ثم صعدت إلى الطابق العلوي الخاص بالنوم وخبرتني السيدة مفيدة عن النظام فيها وهي أنها كلفت كل تلميذة كبيرة بالعناية والتوجيه لتلميذة صغيرة وهي مسؤولة عنها ورأيت احداهن تصلي وبجانبها الأخرى فأعجبني أن يحملن المسؤولية منذ الصغر وكل واحدة تعنى بسريرها وترتيب دولابها وأدواتها ومنشفتها الخاصة .
وتتابع لطفية الخطيب انطباعاتها قائلة: فالتفت إلى حضرة المديرة وقد ارتوت نفسي بالرضا وقلت لها حقاً لم تبخلن بشيء مما يؤسس في أحدث المدارس لهؤلاء الصغيرات اللاتي ترعونهن، فقالت لي: إن كل ما ترين هو على نفقة حضرات صاحبات السمو الملكي الأميرات .
ولاتزال هذه المدرسة قائمة اليوم تستقبل الطالبات من الحضانة إلى نهاية المرحلة الثانوية، وقد كان في خطة الأميرة عفت عند تأسيس هذه المدرسة أن تستمر مراحل التعليم فيها إلى المرحلة الجامعية، غير أن الظروف لم تساعدها في ذلك الوقت على تحقيق هذه الفكرة فقامت بفتح مركز للتدريب المهني، وظلت فكرة التعليم الجامعي راسخة في داخلها يوضح ذلك أنها أظهرتها من جديد في مشروع كلية عفت الأهلية في جدة التي سوف ترى النور قريبا إن شاء الله، وبها تكون الأميرة عفت قد حققت هدفاً أساسيا سعت منذ فترة طويلة إلى تحقيقه رغبة منها في خدمة مجتمعها وعلى وجه الخصوص المرأة فيه.
وللأميرة عفت إسهام طيب في مساندة كليات البنات في مرحلة بداياتها الأولى حيث إنها كانت ترعى بعض النشاطات فيها، وتقدم الدعم المعنوي لها، من أمثلته مساندة الرئاسة العامة لتعليم البنات في تشجيع البنات على الالتحاق بالكلية.
وإذا كان الجانب الذي تحدثنا عنه تركز على التعليم، فإن للأميرة عفت اسهامات أخرى منها دعمها للجمعيات الخيرية، فقد كانت أول رئيسة فخرية للجمعية الخيرية في جدة ثم رئيسة فخرية لجمعية النهضة في الرياض، وكانت اجتماعات مؤسسات الجمعيتين تُعقد في قصرها في فترة التخطيط والإنشاء، وكن يحظين منها بكل الدعم والمساندة.
إن ما تحدثت عنه وما عرضت له من إسهام وتميز للأميرة عفت رحمها الله هو نزر يسير من اسهامات وجهود نحو مجتمعها.
ولا يسعنا ثناء وتقديرا لتلك الشخصية وجهودها المتميزة سوى الدعاء لها بالرحمة والغفران وأن يجزل لها الله الكريم المثوبة والأجر عن كل أعمالها وأن يجعل ذلك في موازينها.
وإنا لله وإنا إليه راجعون .

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved