Monday 21st February,2000 G No.10007الطبعة الاولى الأثنين 15 ,ذو القعدة 1420 العدد 10007



يارا
ثقافة الماغوط
عبدالله بن بخيت

للكاتب الساخر المعروف محمد الماغوط صورة طريفة جدا تنشر مع مقالة الاسبوعي في أحدى المجلات العربية.
مشهد يذكرني ببداية عهدي بالوعي والثقافة والعالم, عندما كنا طلبة في المرحلة المتوسطة, في تلك الفترة ظهرت موضة الكاتب والسيجارة المعلقة على شفتيه أو السيجار بين أصابع يده التي يتكىء عليها وهو في حالة من التأمل العظيم, وبدأت هذه المشاهد التي أغلبها لكتاب وشعراء فرنسيين تظهر لنا في المجلات وحتى في بعض الكتب المترجمة, بدأنا مجموعة من الصغار نتعرف على الملاحق الأدبية ونتقصى أحوال الأدباء, كان الدخان في ذلك الحين ممنوعا منعا باتا وإن كان يباع في كل البقلات ولكن آباء ذلك الزمان كانوا يتشددون في منعه ولأننا لا نستطيع أن نأخذ السجائر إلى المنزل كنا نشتري السجائر بالحبة ونلوذ بزاوية نتجمع فيها بعد الخروج من المدرسة، فنشعل السجائر ونضعها في أفواهنا نقلد بها كبار الكتاب الذين كنا نشاهد صورهم في الجرائد والمجلات ونعجب بهم حتى أرتبط في أذهاننا التدخين مع التفكير والتأمل ولا يمكن أن أتصور ان هناك كاتبا يمكن أن يكتب دون سيجارة.
طبعا الماغوط من الجيل الذي كتب في الستينات وكان لابد أن تكون السيجارة من مكملات شخصية الكاتب المفكر, ولا يمكن أن يكتب دون أن تكون السيجارة في فمه ولا يمكن أن يقنع قارئه دون أن تكون السيجارة جزءا من صورته المرفقة مع المقال.
في البداية استأت جدا عندما شاهدت الصورة وخصوصا أن اسم الماغوط هو جزء من بدايات تكويني الثقافي, ففي فترة السبعينات كنا نحتفل بكل ما يأتينا من بيروت:
الماغوط وأنسي الحاج ومعين بسيسو وغيرهم من الكتاب الذين كانوا يكتبون الشعر في ذلك الحين والسجائر على أفواهم كرمز أصيل للحداثة.
لم أعد أجد أي متعة في قراءة ما يكتبه الماغوط أو ذلك الجيل الذي تربينا عليه، ولكن مقالاتهم تحفظ لي صورة الماضي إذا طرزت بصورة الكاتب والسيجارة في فمه.
وفي مقابلة جرت معه مؤخرا تحدث الماغوط عن الماضي وعن الطيبة وعن البساطة وعن الفلوس وعن عاداته اليومية, كانت مقابلة في غاية الكآبة بالنسبة لي.
فتحت بابا على كمية من الأحزان والذكريات القديمة والأحلام التي لم يتحقق منها شيء, كان العالم يعج بالاشتراكية وفيروز والشعر الحديث وشارع الحمراء ودار العودة وكولن ولسون, وأمام هذا الزخم الثقافي اللامع سألت أستاذي الدكتور شكري عياد: لماذا كل الكتاب والمثقفين يساريين ويحبون فيروز, فقال ياابني هذه هي الموضة .
كنت شابا صغيرا لا يمكن أن أصدق أن الكتاب والمثقفين يمكن أن يجروا وراء الموضة, كانت كلمة الموضة بالنسبة لي تتعلق بالنساء والمراهقين والأثرياء.
فآمنت أن شروط المثقف هي أن يكون يساريا ويسمع فيروز ويقدس الشعر الحديث والأهم من هذا كله أن يضع السيجارة على فمه, كنت أتخيل معين بسيسو ونزار قباني والمذكور أعلاه وغيرهم عندما يجلسون في غرفهم حول طاولاتهم الانجليزية الموشاة بالجلد الأخضر والورق يضج بالإبداعات لا يقاطعه سوى حضور فنجان القهوة التركية وطفاية السجائر وبكت المالبورو على خلفية صوت فيروز المعظمة عندها تتدفق المطابع بالإبداع الذي ينطلق من شارع الحمراء ليحرر فلسطين ويوحد الأمة العربية ويملأ العالم بعدالة الاشتراكية, كان هذا يمكن أن يبقى حتى الآن حتى تسنى لي أن التقي الروائية الإنجليزية أريس مردوخ وأناقش معها قدرتها على انتاج كل هذا العدد من الروايات الرائعة.
فأوحت لي دون نصيحة مباشرة أن الكتابة الجادة شيء والموضات الثقافية شيء آخر, ونصحتني أن أحدد مستقبلي مع الكتابة بل مع الحياة كلها, وتمضي بي الأيام وأكتشف أن الوعي لا علاقة له بالسجائر أو بفيروز ولا يمكن أن يكون طرفا في موضة.
لمراسلة الكاتب
yara 2222 * HOTMAILCOM

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved