Saturday 26th February,2000 G No.10012الطبعة الاولى السبت 20 ,ذو القعدة 1420 العدد 10012



ركاكة لغتنا في المكاتبات الرسمية

عزيزتي الجزيرة:
شدني ما كتبه الاستاذ عبدالله بن بخيت في جريدة الجزيرة مؤخراً عن ضعف اللغة العربية في بعض المكاتبات الرسمية، ومنها للاسف ما هو ممهور بتواقيع مسؤولين كبار.
وقد أجاد الكاتب في طرحه، وطرق قضية خطيرة,, لا ينبغي ان نغفل اضرارها على الثقافة والتراث، وعلى الاجيال وهوية الامة,, وعلى عطائنا الحضاري وتواصلنا الانساني في زمن العولمة وما بعدها.
أما أن العربية لغة القرآن، فلا فضل لنا ولا منة في حفظها وصيانتها، والله عز وجل قد تكفل بذلك إلى قيام الساعة, وهو سبحانه ليس في حاجة إلى العرب او غيرهم لحمل اية رسالة، ولكنه قادر على تسخير الاعاجم ليتفقهوا في لغة الضاد لغة أهل الجنة فيبرعوا فيها ويصنفوا لها الاسفار الضخمة والمؤلفات المرجعية، ثم يذودوا عنها ويموتوا دونها,, والتاريخ له ذاكرة لا تكذب ولا تنافق.
أدلف إلى صلب القضية من منطلق ان بلادنا هي حاضنة الرسالة الخالدة، وهي رحم معطاء,, ما فتىء يجود بالجهابذة والمتفوقين والمبدعين,, في شتى علوم النقل وفنون العقل.
وهي لا يمكنها ان تتخلى عن مكانتها السامية بين امم الارض,, في الدين والسياسة والاقتصاد,, ونحن لا نرتضي لها إلا ان تكون في المقدمة دائما، وان تظل الحصن المنيع للقرآن الكريم ولغته العظيمة.
وليس من الممكن ان نطلب من كل موظف او مسؤول ان يكون حاذقا لنحو اللغة وصرفها، وان يلم بالاساليب البلاغية، وان يتذوق الشعر ويتقن الوزن والعروض, ولكن,, ان حصل فهذا خير كثير ومزية تستحق الاحتفاء والتهليل, أما على مستوى المؤسسات والاجهزة الرسمية وغيرها فلا أخالنا نعجز عن تكليف خبير لغوي في كل واحدة منها، ليضمن لنا سلامة المخاطبات الصادرة عنها وخلوها من اي زلل لغوي وحسن صياغتها,, وكلما كبرت اهمية الجهاز الذي نتحدث عنه عظمت هذه المسؤولية، لان الدولة بكل قياداتها وقطاعاتها قد تأسست على قواعد الاسلام الراسخة ولغته القوية.
فالاسلام واللغة العربية ليسا خيارا لهذه الدولة,, بل نهج حتمي ووسيلة بقاء ونماء، وبدونهما لا قدر الله تنتكس الراية الخفاقة التي ترفرف وتسمو بنا ونسمو بها في كل منتدى ومحفل، فهما سبب وجودنا وأساس مكانتنا وزاد استمرارنا.
إنني أفترض حرص كل ادارة او قطاع على تحرير جميع الوثائق وصياغة سائر المكاتبات بلغة عربية سليمة,, لا مأخذ عليها ولا عيوب تخرج بها إلى اللحن والزلل,, حتى لا يشيع بينا هدم اللغة او يتفشى الذوق الرديء في تعاطيها واستعمالها، ولتستقيم ألسنة الناس وتصح سليقتهم اللغوية,, وتزدهر صناعة الكتابة النقية وتنتشر الاقلام المتمرسة والمشرقة والبناءة، وتتكسر المعاول التي تتهدد امن اللغة وجمالها وبهاءها.
اللغة جزء من هوية الامة,, إذا انسلخ عنها او ضعف الاعتزاز به,, تقمصت شخصية غريبة ومشوهة، ونضب معين الابداع لدى ابنائها، وشحت موارد ارتباطهم بموروثاتهم الغنية, والنتيجة,, اننا نرى امة هزيلة وأجيالا هشة وثقافة فقيرة وحضارة مسخا,, بل تذوب الامة المريضة في خضم الامم القوية، وأبناؤها تبتلعهم الثقافات المستوردة، ويخلعون عنهم اثواب الانتماء والقومية والوطنية، ويتشربون بطباع غيرهم، ويتجه ولاؤهم الى غير اهلهم.
وما يحمد لهذه الدولة أعزها الله اصرارها على احياء نزعة التخصص وتشجيع مذهب الجودة في اداء الاعمال المسندة الى اهلها وفق الضوابط المعتمدة والمعايير المتفق عليها, وهي بذلك تتصدى لطوفان العولمة بايجابية حصيفة وانفتاح ذكي,, مما يؤكد ادراك القيادة اننا جزء لا يتجزأ من النسيج العالمي، ولكن يمكن لهذا الجزء ان يكون مؤثرا وفاعلا ومبدعا,, بل اضعف الايمان ان يصون ذاته ويحفظ شخصيته، ويظل بارزا ومتميزا على خارطة الاحداث العالمية, انك تلمس ذلك بوضوح في القرارات السياسية للمملكة، وفي الخطط الاقتصادية، وفي التنمية المستقبلية، وفي تطوير العمل الاعلامي بشتى تفرعاته، وفي الاصلاح الاداري مع توطين الفرص الوظيفية.
ومما يسر النفس ما تناقلته وسائل الاعلام مؤخراً من ان مجلس الشورى يعكف على دراسة مشروع لمجمع وطني للغة العربية.
فهذا المجمع لن يكون مظهراً ترفيهياً، أو مهرجاناً وقتيا تضاء فيه الزينات وتوزع الجوائز أو مبادرة لمحاكاة الغير، انه نقلة تنمولة وخطوة لتصحيح المسار، وترسيخ لمفاهيم الاصالة وإشهار لشخصية الامة، وتأهب لاستقبال طور جديد من الثقافة الكونية، واخال الدراسة المذكورة تضم في ملفاتها سردا مستفيضا لدور المجمع والمهام التي ستناط به، وتحدد سلطاته واختصاصاته.
وحيث اننا دولة تؤمن بفلسفة المؤسسات المتخصصة واللوائح التنظيمية، ولدينا هيئات مفوضة بأعمال رقابية في مجالات محددة مثل هيئة الرقابة والتحقيق او ديوان المراقبة العامة، فإنني انثر عبر هذه الاسطر اقتراحا لا أظنه قد غاب عن فطنة المتخصصين والمعنيين,, وهو ان توكل مهمة الرقابة على اللغة في وسائل الاعلام والمخاطبات وأوجه الحياة العامة إلى المجمع الوليد او شعبة تابعة له او هيئة اخرى,, بحيث يكون الشغل الشاغل للهيئة المقترحة مكافحة الفساد اللغوي بجميع صوره وأشكاله بأسلوب علمي غير عدائي فيتابع موظفوه من المراقبين اللغويين كل ما يتسنى لهم التقاطه من نصوص وتعبيرات تجافي اللغة الفصحى او يمجها الذوق السليم,, فيقدمون الوصفة العلاجية في بيان تصحيحي يحرر للجهة مصدر الخطأ بالحكمة والموعظة الحسنة.
* هذا الدور المأمول سيكون قاصراً ما لم تقترن به خطوات عملية مثل:
1 التزام جميع الوزارات والمؤسسات بتكليف خبراء في اللغة يراجعون ما يصدر من خطابات او مطبوعات فيتوخون اتفاقها مع قواعد النحو والصرف الصحيحين.
2 قيام المجمع او غيره باصدار مجلة او منشور دوري لصقل المهارات اللغوية وايراد أمثلة لما صادفه المجمع من اخطاء استوجبت التقويم والتصحيح دون ذكر الشخصية الاعتبارية المقصودة.
3 تفاعل المجمع مع اشقائه في الدول العربية وتبادل الخبرات معها والاستفادة من تجاربها, 4 اهتمام المجمع باحياء التراث الوطني من منطلق الحفاظ على اللغة وصيانتها وتواصل الاجيال معها.
5 التعاون مع الاجهزة التربوية والمراكز التعليمية والهيئات الثقافية محليا وعالميا لتحقيق الاهداف المشتركة، ومن جملتها احتضان الناشئة وتشذيب خبراتهم اللغوية مبكراً وتدارك الكبار وتهذيب تعاملهم مع اللغة.
6 التوسع في افتتاح اقسام أو كليات او معاهد للغة العربية مع زيادة طاقتها الاستيعابية (كما طالب الاستاذ عبدالله بن بخيت) واستقطاب خريجيها في الوظائف التي ستشغر بتنفيذ الخطوات المطروحة أعلاه.
أنس حسن زارع

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved