Wednesday 1st March,2000 G No.10016الطبعة الاولى الاربعاء 24 ,ذو القعدة 1420 العدد 10016



مكاشفة
التسول,, مهنة العصر؟
أنس حسن زارع

تزدهر هذه الأيام سوق المتسولين بسبب مبادرة الناس إلى مساعدة المحتاجين، وإدراك محترفي التسول لبديهيات الصنعة من القدرة على اختيار الأزمنة والأمكنة المناسبة والمهارة في اقتناص الضحايا الأسخياء والبراعة في تمثيل الدور وتقمص الشخصية والتزام المظهر اللائق .
القضية ذات محاور مختلفة، فازدياد أعداد المتسولين ظاهرة غير حضارية وعيب مشين بحق المجتمع، وغياب التكافل وسيطرة روح الأنا بين الأفراد مدعاة لظهور بعض البثور التي تشوه تماسك النسيج الاجتماعي.
والفاقة الحقيقية لها ما يبررها، والمحتاج يضطر إلى ذل السؤال، ومثل هذه الفئة دليل صادق على تقصير المجتمع بحق أفراده وذوبان روح الترابط بينهم,,, أما احتراف التسول من قبل شريحة قادرة على العمل والتكسب الذي يضمن قوت اليوم فظاهرة قبيحة وتصرف مقيت، ومكر وخبث واستغفال لطيبة مجتمعنا,,, ولا بدلنا من وقفة صلبة وحازمة مع تلك النماذج الطفيلية التي تعيش في أوساطنا خداعاً وابتزازا ، ولا نعلم ما تجره أنشطتها من نقائص أخرى علينا.
الذي نلاحظه أن السواد الأعظم من هؤلاء المرتزقة غير مواطنين، وهذه الملاحظة بحد ذاتها تنبهنا إلى حقيقة أن بلادنا مستهدفة من جحافل من قاصدي التسول، بغض النظر عن كونهم حصلوا على تأشيرات للعمرة أو العمل,,, فعسى أن يعالج تنظيم العمرة الجديد كثيراً من الثغرات التي يفد من خلالها هؤلاء المستولون، وبعضهم يأتي بعاهات حقيقية أو مصطنعة تتيح لهم استدرار العطف والشفقة.
الملاحظة الثانية أن أغلب من يزاولون حرفة التسول ينتمون إلى واحدة من جنسيتين آ سيوتين وجنسيتين عربيتين وجنسيتين أفريقيتين، وهنا تتحمل حكومات دول هؤلاء الوافدين ممثلة في سفاراتها وقنصلياتها بعض الوزر معنا فنحن كمؤسسات وأفراد مسؤولون عمن دخل بلادنا منذ لحظة وصوله، ولكن,, أليس لمرجعياتهم دور في توعيتهم قبل قدومهم وتفقدهم أثناء إقامتهم؟ بل لماذا لا تساهم معنا حكومات تلك الدول في إيجاد حلول لملاحقة من يخالف الأنظمة من رعاياهم؟.
أما عن أماكن تجمع هؤلاء الشحاذين ,, فإنهم يتخيرون مواقع نشاطهم بعناية وفراسة,, فتجدهم يتصيدوننا في المراكز التجارية وفي مواقف السيارات وعند أبواب المساجد والمستشفيات وعند إشارات المرور وتقاطعات الشوارع المزدحمة.
وتختلف أساليبهم في استغلال الزبون أو استدرار عطفه، فهم يعتمدون على عاهات مستديمة أو مؤقتة,, ويسوقون لك من الأعذار والحيل مالا يخطر لك على بال، ويميزون الصيد الثمين من العصفورالطفران .
وهم ينظمون أنفسهم إلى مجموعات أو فرق تتقاسم مناطق النفوذ، وتتوزع على الأحياء في مواعيد منتقاة وفق كثافة الزبائن وأوقات الذروة,,,, وكل فرقة أو مجموعة لها وسيلة نقل تتكفل بجلبها إلى مقر عملها وإعادتها إلى قاعدة تحركها وانطلاقها,,, وعند فشلها في تحقيق الغلة المتوقعة,,, تنتقل المجموعة أو تعيد توزيع أعضائها إلى منطقة أخرى على أمل أن تكون الحصيلة أكبر وأوفر.
ويقوم بأداء الدور أطفال يافعون أو رجال بلغوا أرذل العمر أو نساء من مختلف الفئات العمرية,,, والمرأة بحكم حشمتها المفروضة عليها اجتماعياً لا يدل مظهرها على عمرها، وإن كان الصوت دلالة تقريبية, وربما التمسنا العذر للعجزة والمقعدين ممن يجوبون الشوارع طلباً للصدقات وما تجود به النفوس الكريمة، رغم أن تسليم هؤلاء إلى الجمعيات الخيرية ودور الرعاية أشرف لهم وصون لهم من المهانة والذل والتعرض للحوادث والمشاكل, أما تسخير الأطفال والنساء لمثل هذا التمثيل أو الخداع فهو في بلاد أخرى مدعاة لتوظيفهم في أعمال دنيئة ومشبوهة, وليس مجتمعنا معصوماً أو بمنأى عما وقع فيه غيرنا,,, وضعاف النفوس والمفسدون في الأرض يحومون في كل واد ويهيمون, وربما اتخدوا من التسول ذريعة لشرور كبرى ينشرونها بين الناس، ويحاربون بها الله والشرائع والأعراف.
وقد أشارت بعض الدراسات مؤخراً إلى أن شبكات ومنظمات تقف وراء تلك الأفواج من الشحاذين، وتوجههم وتتابع أداءهم لتجمع حصيلة شقائهم, ويعلم الله ما يمكن أن يحدثه أولئك من خلل في استقرارنا الاجتماعي سواء عن تعمد أو تعام لأنهم ينفذون مآرب من يقودهم ويسوسهم، وبالتالي فإن خطرهم علينا وبيل.
وليتهم يكتفون بما يسلبونا إياه من أموال بطيب خاطر منا ولا يتجاوزون ذلك إلى ما هو أدهى وأمر، ولكن,,, من يضمن ذلك لنا؟.
العجيب في الأمر,,, أن هؤلاء المرتزقة يجوبون أنحاء بلادنا ونحن لا نكترث لتحركاتهم وأساليبهم، وكل منا يقذف بكرة المسئولية في مرمى الآخرين,,, فالأفراد يلومون المؤسسات الرسمية، ومكافحة التسول تنسب مهمة التحفظ على المتسولين إلى الشرطة، والشرطة تشفق على هؤلاء الشحاذين فتكل الأمر إلى الجوازات، والجوازات قد تستوقف أحد المتسولين وتجد أنه يحمل إقامة نظامية أو تأشيرة عمرة وهو يحوم في حمى الحرمين الشريفين فكيف تستوقفه؟.
أظن والله أعلم أن قضية المتسولين موضوع عائم في الوقت الراهن، ولا يمكن أن تضطلع به جهة واحدة, ولكن لم لا نقدم اقتراحاً متواضعاً إلى وزارتي الداخلية والعمل والشئون الاجتماعية لدراسته واتخاذ اللازم حياله؟.
إن تخصيص فرق مدربة لمتابعة المتسولين في الشوارع والمراكز والمساجد هو الحل العملي,,, وأعني بذلك أن يكون في كل مدينة أو محافظة خاصة منطقة الحرمين الشريفين هيئة وطنية لمكافحة التسول، تنبثق عنها دوريات سيارة، وكل دورية تضم عنصراً من قوات الأمن وآخر من الجوازات وثالثاً من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إضافة إلى عضوين من مكافحة التسول, وتسير خلف الدورية حافلة لتجميع أولئك المخالفين واصطحابهم إما إلى سفارات دولهم أو صالات المغادرة في المطارات أو المكان الملائم الذي تحدده السلطات المختصة، وربما وظفنا من الكفاءات النسائية من يتصدين للمتسولات أو يحسن التعامل مع أي امرأة يتم ضبطها.
إن نجاح حملات الجوازات ضد مخالفي أنظمة الإقامة نموذج مشجع لتكثيف الحملات ضد المتسولين ، فكلا الفئتين تضر بأمن المجتمع وتشوه مظاهره الحضارية, إنهم أي المتسولين أقوى سلاح ظاهري للإساءة إلى قيمنا الاجتماعية, وكل فرد منا بإمكانه أن يؤازر جهود الحكومة بالإبلاغ عن أماكن وجود المتسولين والمخالفين للوصول إليهم والقبض عليهم,.
إن الفرد منا هو المسئول الأول عن أمن بلاده، وجهود حكومتنا بدون تعاون وتفهم منا تذهب هدراً.
وليت فرق المكافحة المشار إليها أعلاه تبدأ عملها فوراً، وتستخدم سيارات لائقة بها وبمهمتها، وتحمل شعارات للتوعية وتوضح أرقام الهواتف لمن يرغب في التعاون معها وإرشادها إلى المخالفين, فهل نطمح إلى رفع شعار وطن بلا متسولين أو وطن خالٍ من المتسولين كما رفعنا من قبل عدداً من الشعارات لحملات مثمرة وجهود موفقة؟ وليقتصر الاهتمام بالمتسولين الصادقين على الجمعيات الخيرية ودور الرعاية تحت إشراف وزارة العمل والشئون الاجتماعية, وليقدم أهل الخير عطاياهم وصدقاتهم إلى الهيئات المخولة برعاية المحتاجين, وليكن تعاملنا مع المتسولين وفق أساليب حضارية وعصرية وعملية، ولتسُد روح الجماعة والإيثار فيما بيننا، ولننبذ سرابيل السذاجة والغفلة والانسياق خلف كل طالب مساعدة أو شحاذ.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

الفنيــة

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

ملحق نجران

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved