Wednesday 1st March,2000 G No.10016الطبعة الاولى الاربعاء 24 ,ذو القعدة 1420 العدد 10016



لما هو آتٍ
نجلاء وكل نجلاء
د, خيرية إبراهيم السقاف

هذه اليافعة وهي تخطو أولى دعساتها فوق أرضية مواقع العمل,,,، تعود محملة بسلة من الأسئلة فوق كتفيها,,, وقبل أن تضعها عنها,,, جاءتني,,.
أسئلة كثيرة معي,,.
قبل أن أفضَّ عنها الحجاب,,, تذكَّرت يوم قلتِ لي ولزميلاتي في أثناء المحاضرة: لا تهملي أية شاردة أو واردة تمر بكِ في الحياة، وليكن لدى كل منكن دفتر صغير تحمله معها حيثما تذهبُ، ولتدوِّن فيه ما يمرُّ بها من المواقف,,,، ذات يوم ستذكُرن لماذا أطلب منكنَّ ذلك,,, .
هذا اليوم ربما ستقولين لي: افتحي دفتركِ,, ونقِّبي فيه عن إجابات لأسئلتكِ؟!
أجل: لكنني سوف أستمع لأسئلتكِ فهاتِ:
قالت: السؤال الأول: عندما تمرين بموقف يحبط همَّتك، ويكسر فيك اندفاع الحماس ماتفعلين؟
والآخر: كيف يتحول من يعطي، لمن يأخذ، وكيف يغدو من يبني هو الذي يهدم؟
وكيف من يرسم الابتسامة هو ذاته الذي يطفئها؟
وتنحَّت اليافعة عن سلة الأسئلة قليلاً، ركنت إلى صمت لحظات تنتظر الإجابة,,.
قابلت أسئلتها بشيء من الاحتواء، ذلك لأنها تمدُّها إليَّ فوق أَكُفِّ مشاعرها، تخشى أن تسقط وتتكسر، وتذهب أدراجاً كما ذهبت بقية آمالها,,, أو هكذا تظن,,.
نجلاء,,.
تخرَّجت في الجامعة بتقدير عالٍ متميز، شعلة الضوء التي كانت تتحرك بين قاعات الدرس، والمكتبة، وبين أستاذاتها، وزميلاتها، ما من نشاط علمي إلا كانت فيه البارزة، وما من تعاون بينها وبين قسمها أو كلِّيتها إلا وبذلت فيه جهدها,,,، وما من عطاء أكاديمي في برامج جانبية إلا وعملت جهدها كي تسهم فيه,,,، وما من أحد يجهل اسمها في قسمها، لذلك كانت تحرص على الحصول على أدق المعلومات في تخصصها كي تبرز فيه, وعندما حملت وثيقتها، أول اللاتي تمكنَّ من الحصول على فرصة عمل مبدئي، وجدت فيه مجموعة من أستاذاتها سيكنَّ بجوارها تقتدي بهنَّ، وهنا بيت القصيد:
هنا توقفت حركة سيرها في اضطراب,,.
تحولت تلك النظريات التي لقنتها إياها هؤلاء إلى ذرات كلمات ممزَّقة في الهواء,,.
عبارات التحفيز تبدَّلت إلى عبارات نقد لاذع، ورفض مباح.
تحية الصباح الباسمة غدت إشاحة سافرة بجانب واحد من الرأس.
الكلمات الجميلة الدافئة المغلَّفة بورق (السولوفان) أو الورد غدت رؤوس حجارة مدبَّبة، لا تُرمَى فقط على الرأس وإنما تُصوَّب إلى الوجه، وإلى الصدر,,.
كل عمل جميل تسهر له، وتحرص على إتقانه، وتقديمه بشكل جيد، كان يُنظر إليه شذراً ثم يُطوى في الأدراج,,.
تلك الأسئلة المفتوحة لها النوافذ، المطلِّة على رياض من العطاء المثمر الذي كانت تقتطف منه الإجابات بلسماً لجوعها وطموحها,,, أُغلقت عنها تلك النوافذ، وقُدِّمت لها الأبواب الموصدة فجمعتها في سلتها، ووضعتها فوق كتفها وجاءتني,,.
صورة واضحة وجليَّة لميدان العمل، للأوجه الأخرى للإنسان، للمحتوى الواقعي لمضامين الصدور،,,.
ونجلاء لا تدري كيف تتبدَّل الأوجه,,.
ولا كيف تتغير محتويات المواقع,,.
ولا لماذا تنقلب الأمور,,.
وصفات جديدة توسِمها بها زميلاتها ، مدرِّساتها بالأمس!!
الناجحة غدت منافسة,,.
و,,.
كيف تمتد الأيدي النظيفة لتمسح عن كل هذه السطوح والأعماق ما تراكم فيها من دكن التجارب؟
حين يكون لكِ أن تواجهي الجانب الحارق من الشمس,,, فاتقي ذلك,.
بصبر,,,، وبإيمان,,,، وبثقة,,.
حين يصبر المرء فإنه يتيح للآخر فرصة أن يستعيد ما فاته,,.
وحين ينبع صبره عن إيمان فإنه لايخطىء البتة بمثل ما يفعل الآخر,,, فيرقى في الظاهر من الأمر، وفي البعيد البعيد الذي يُسجل له,,.
وحين يثق الإنسان في نفسه فإنه يُسيِّجها دون أن تفتَّ فيها معاول الهدم,,.
والحياة تحتاج إلى إنسان يُدرك أن ليس عليه أن يُفرِّغ نفسه مما فيها من الثراء كي يبدو مع فقر الآخرين متساوياً,,, ذلك لأنه يحتاج أن يلقمهم كي يسدَّ جوعهم، ولكن بإيمان مطلق,,, بأن الحياة تمضي,,, وأن الناس لابد سَيُحاكَمون,,.
إما أن يُحاكِموا أنفسهم ويُنصِبوا لها ذات يوم مقاصل تجتث عنهم فسادهم الداخلي ليعودوا فيشرقوا,,.
وإما أن ينصبها لهم الآخرون وعندها إمَّا لهم وإمَّا عليهم,,.
نجلاء أنتِ أنموذج لكل من وضع قدميه فوق أرض الحياة خارجاً عن مواقعه الأولى، فما يكون عليه فيها من النقاء والصفاء ومثالية الأمل، سيواجه نقيضه فوق تلك الأرض.
الأجمل,,.
أن تقفي مرفوعة القامة,,, تحملين في سلة أسئلتك دفتر تجاربك,,.
وامضي دون أن تدعي للعتمة أن تمحو ضوء القنديل الذي يشعُّ فوق شفتيك وبه ينبض صدرك,,,فاحمِ داخلكِ، تقفين بقوة، وتمضين في ثبات.


رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

الفنيــة

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

ملحق نجران

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved