Wednesday 1st March,2000 G No.10016الطبعة الاولى الاربعاء 24 ,ذو القعدة 1420 العدد 10016



بروح رياضية
الرياضة والسياسة
د,خالد عبدالله الباحوث *

يقول الفيلسوف الفرنسي ميشيل سار انه ليس المشهد الرياضي هو مانعتقد بالضبط وإنما الأمر يتعلق بالثقافة اي بإحدى وسائلنا الأخيرة لكي نبقى معاً , فالرياضة بجميع أوجهها وصورها هي حياة قبل أي شيء آخر فهي إحدى الصور التعبيرية لثقافة الشعوب, ولذلك فالرياضة تعتبر بمثابة شكل متميز من معركةً أعدتها ثقافة الإنسان أو كما يقول فيلسوف آخر إنه ليس من السهولة أن نحاول التقليل من قيمة الرياضة أو تجاهل أدوارها المتعددة في معترك الحياة المعاصرة .
لقد كانت تلك المقدمة السريعة والضرورية للحديث عن موضوع حيوي وهو الرياضة والسياسة, ومنذ البدايات الاولى للتنظيمات الحديثة للرياضة ونشاطاتها وهي تتمتع بعلاقة قوية مع السياسة الدولية والوطنية والمحلية, وكما ذكر لنا أستاذ علم الاجتماع الرياضي الغربي في أوائل دروس هذا التخصص بأنه إذا كان هناك زواج كامل ومتمكن فهو زواج الرياضة بالسياسة والحقيقة فإنه في وقتنا الحاضر اصبحت العلاقة بين الرياضة والسياسة علاقة قوية ومتشعبة, بل ان تلك العلاقة الحميمة أصبحت تُنظر وتُقسم إلى مدارس وفروع مختلفة والتي أصبحت تتجاوز العشرة أفرع, ولظروف المساحة والمناسبة فالحديث سيتناول وباختصار شديد أهم فرعين من فروع تلك العلاقة، الأول التقارب والتفاهم والثاني المقاطعة والرفض بالاعتراف.
فقبل عدة أيام تناولت وكالات الأنباء عناوين متميزة كدبلوماسية كرة القدم تفتح لحوار إيراني أمريكي أو واشنطن وطهران: الحوار بعد التعادل , وكانت تلك العناوين تشير إلى المباراة الودية في كرة القدم والتي جرت في أمريكا بين الفريق الأمريكي والإيراني وانتهت بالتعادل, ومعروف أن إيران والولايات المتحدة الأمريكية قطعتا علاقتهما الدبلوماسية عام 1980م بعد أزمة احتجاز الرهائن الأمريكان, وكانت تلك المباراة هي أول زيارة لوفد رياضي إيراني لأمريكا منذ أن حدثت القطيعة السياسية, وبعد تلك المباراة مباشرة اختار وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي مناسبة سياسية ليعرب عن استعداد بلاده للتفاوض المشروط مع الولايات المتحدة وقال ضاحكاً إن الطرفين متساويان في مجال كرة القدم لكنهما ليسا كذلك في السياسة .
والواقع فإن للرياضة دوراً مهماً في مسألة التفاهم والتقارب بل وإذابة الجليد بين علاقات الدول المتجمدة مع مرور الزمن, فمنذ الزيارة التي قام بها فريق امريكي للعبة التنس لبكين في بداية السبعينات الميلادية والتي مهدت لزيارة الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون للصين والتي افتتحت عهداً جديداً من التفاهم السلمي بين الغرب والصين رغم الأطروحات السياسية المتنافرة والأيدولوجيات المتناقضة في ذلك الوقت وأطروحات الرياضة والسياسة دائماً حاضرة, وبعد تلك الزيارة التاريخية أخذ المحللون والمتابعون باستخدام مصطلح دبلوماسية البنق بنق إشارة إلى تلك المباراة الرياضية والزيارة التاريخية, وتكررت الحالات المشابهة التي لعبت الرياضة بها دوراً كبيراً في التقارب السياسي والعلاقات الدولية المتفاهمة, ولعل أبرز الأمثلة هنا تطور العلاقة الدبلوماسية بين كوريا والصين على اثر دورة الألعاب الآسيوية عام 1986م وبعدها دورة الألعاب الأولمبية في سيول 1988م.
وفي الوطن العربي فعلت الرياضة ما عجزت عنه السياسة كما تردد خلال السنوات الأخيرة من تجمع والتقاء للشباب العربي تحت مظلة المحبة والوحدة والإخاء ولماً للشمل العربي عبر الميادين والملاعب الرياضية, وظل المغفور له بإذن الله صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد أمير الشباب العربي بطل ملحمة هذا التقارب والذي شاء القدر أن يلقى ربه أثناء فعاليات مناسبة كانت غالية على قلبه والتي جاهد وكافح لأجل إنجاحها الدورة العربية للألعاب الرياضية, كيف لا وهو الذي أطلق المقولة المشهورة عنه وجد الاتحاد العربي ليبقى ويبقى ليستمر ويستمر ليتطور , فلقد رفض رحمة الله عليه جميع المحاولات لمقاطعة تلك الدورة بحجة أن هذا الحدث هو مناسبة لتجميع الشباب العربي وتفاهمهم وتقاربهم في محفل رياضي ثقافي بعيداً عن التقلبات السياسية, وهو الشعار الذي رفعه رحمة الله عليه دائماً وكما ذكر في أحد اجتماعات اللجنة التنفيذية للاتحاد العربي بأننا نجحنا بأن نجعل من كرة القدم العربية صراعاً حلواً بين الأشقاء وتنافساً بريئاً بين الاخوة، وأبعدنا فيه تقلبات السياسة وصراعاتها المرة عن محافلها، فكانت خير تأكيد عن شكرنا العميق لله، الذي أبقى لنا شيئاً واحداً نجتمع ونتفق عليه ألا هو الرياضة .
أما إذا انتقلنا إلى الفرع الآخر من مظاهر علاقة الرياضة بالسياسة والذي وإن كان يحمل هدفاً سامياً آخر إلا أنه على النقيض من سابقه ونعني بذلك المقاطعة أو رفض المشاركة الرياضية لأجل رسالة سياسية.
والحق فإن هذه الممارسة من مظاهر العلاقة بين الرياضة والسياسة تتكرر باستمرار بالمحافل الدولية, فمنذ أن رفضت الصين منذ منتصف القرن الماضي مقابلة الفرق الرياضية من تايوان بحجة أن الأخيرة جزء لايتجزأ من الصين وكذلك مقاطعة العرب لكل المناسبات الرياضية التي يتواجد بها فرق من إسرائيل مغتصبة الأرض وسارقة الوجود والحدود توالت وتزايدت الممارسات الدولية المشابهة, فلقد تأثر النظام العنصري بجنوب أفريقيا بالمحاصرة والمقاطعة الدولية الرياضية منذ بداية السبعينات الميلادية تأثراً كبيراً وعملت الرياضة مالم تعمله السياسة, كما أن من أشهر المقاطعات الرياضية تلك التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية وبعض حلفائهم عندما رفضوا المشاركة بدورة الألعاب الأولمبية بموسكو عام 1980م بحجة قيام الاتحاد السوفيتي باجتياح افغانستان وبالمقابل عمد الروس وحلفاؤهم بمقاطعة دورة الالعاب الاولمبية بلوس انجلوس عام 1984م.
وفي الواقع فإنه بالقدر الذي تتزايد به الأمثلة عن تلك العلاقة الحميمة بين الرياضة والسياسة يزداد الحديث شوقاً عن هذا الموضوع الشيق غير أن مادفعنا إلى الحديث عن هذا هو الخطوة المباركة التي اتخذه رجل الرياضة المسئول صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب في يوم الامس الاول ومن خطوة جريئة وحكيمة تسجل لسموه بحروف من ذهب, فعلى الرغم من بلوغ المنتخب السعودي لمرحلة أصبحت قاب قوسين أو أدنى من بطولة العالم لتنس الطاولة وذلك اثناء فعاليات نهائيات كأس العالم لكرة الطاولة والمقامة في ماليزيا إلا أن الهم العربي والوحدة العربية دفعت صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن فهد بالتضحية بتلك الانتصارات الرياضية والتي بالطبع لها انعكاسات إيجابية على سمعة المملكة دولياً, فالشباب العربي ممنون جداً منكم ياصاحب السمو فلقد كنتم خير معلم في توجيه الرسالة المختصرة الوافية بمجمل معانيها السامية إلى كل المعتدين والمغتصبين والمستهترين بحقوق وحرمة الشعوب الآمنة والمطمئنة وهكذا تتجلى السياسة الرياضية والحكمة السياسية فسيروا والله يرعاكم ويسدد خطاكم فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ماينفع الناس فيبقى في الأرض .
Kbahouth* yahoo.com

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

الفنيــة

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

ملحق نجران

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved