Friday 3rd March,2000 G No.10018الطبعة الاولى الجمعة 26 ,ذو القعدة 1420 العدد 10018



العرب والإسلام
عبدالله بن محمد بن ردّاس

لم يكد عرش الطاووس يسقط، وحدود قيصر تتراجع، ويتحرر الوطن العربي كله، وترجع القدس ودمشق والاسكندرية، وصور وصيدا وغزة والبتراء عربية من جديد، وتنشأ مدن اسلامية حول المساجد الجامعة بخطط جديدة، ويرتفع التكبير من فوق المآذن للاله الواحد الحق، لاول مرة,, ويذهب الخوف, وتراق الخمر، وتعمر الاسواق، وتعود النضارة لوجوه المستضعفين، والطهارة لاجسامهم، وتنتشر مجالس العلم وحلقاته، ويباح العلم للجميع، ويقدم للجميع: الاطفال والشباب والشيوخ، والرجال والنساء والغرباء,, لم يكد هذا النشور يقع بآية الاسلام على ارض الوطن العربي الكبير، فتخضر الارض، ويتحرر الفلاحون، وتزدهر المدن، ويرتدع الطغاة، وتعيش امة بأسرها من شعوب متنوعة داخل ثوب واحد هو اخوة الاسلام، وذمة المسلمين لغير المسلمين، حتى بدأت النعمة والحرية والصحة الاجتماعية تتحرك في بعض النفوس حركة عكسية للشكر,, بدأت تتحرك في اتجاه السخط على كل ما وقع، والتململ بالحنق والغيظ تحت صروح الحياة الجديدة، والتغيرات الحاسمة, التي يعززها الطابع اليومي للاقوال والاعمال, من حيث انها منهج إلهي و أداء بشري في حياة المسلمين.
هذه النفوس من بقايا العروش المنهارة, والقوى الطاغية, ومن عبيدهم ونداماهم الذين عاشوا معهم شذوذهم، وسكروا بخمرهم، ووطئوا بالاقدام من دونهم,, هذه النفوس التي هالها ما وقع، ونالها منه مالا تحب,, نالها العدل الذي تمقته، والتطهر الذي لا تطيقه، والمساواة المذلة بينها وبين الآخرين، وان تسقط بهذا الدين الغريب آلة النار، ووثنية المجوسية، ديانة اهل الملك والغنى والجيوش,, ديانة الآريين اي السادة، اقران الروم واليونان,, فكيف حدث هذا؟,, ومن البداية من هؤلاء العرب الذين كانوا يهابوننا من قبل,, وكنا نقيم على مداخل جزيرتهم ملوكا نصطفيهم منهم ليحرسوا هذه المداخل لنا، وليمنعوا غارات هؤلاء الجياع منها علينا؟
هكذا تخلق التفكير السياسي المضاد,, تفكير الاباطرة الذين افلسوا فجأة ولم يكن قط تفكيرا قوميا للتحرر من نير سلطة الدولة العربية الجديدة,, فمثل هذا التفكير القومي باتجاه التحرر من اي حكم غريب عليه,, التحرر على ارض شعب ما بارادته وموارده هو ولاشك تفكير في حق مشروع، ولم يكن العرب في اول امر الفتوح وحروب التحرير للوطن العربي يطلبون كما زعم المفترون اكراه احد على الاسلام بالسيف، او بناء امبراطورية عربية كبيرة بديلا للامبراطورية البيزنطية والفارسية معا,, ولكن بقايا طبقة الاكاسرة والملوك والمرازبة كانوا بعد ان حاقت بهم هزيمة المقاومة على الارض العربية ينظرون الى العراق واليمن، والى نفوذهم على ارض الخليج العربي، كأنها حقهم المكتسب بالغزو، وضيعتهم التي يملكونها ممن فوقها من العبيد بحق الظلم,.
فمن اين جاء هؤلاء العرب,,؟ ولماذا جاءوا,, وماهذا السلطان الذي جاءوا به ماهذا السلطان القاهر غير المرئي الذي ذابت امامه الجيوش,, والمدن,, وتفككت به الخطط والمعتقدات,, واستسلم له الرعايا العرب في العراق والشام ومصر كأنهم كانوا ينتظرونه من قبل,, ينتظرونه كأنه الخلاص,, او النشور؟
ماهذا السلطان الذي يسمونه,, الله,, او الدين, او الاسلام,, ولماذا يكون هذا السلطان اذا كان لابد ان يكون من حظ هؤلاء العرب الفقراء الرحل، المتفرقين بغير نظام ، او حكومة، او ملك؟,, لماذا؟
ومع الوقت تعاظم السؤال، وتضخمت الاجابات,, انهم لم يجيبوا فقط وقد اسندوا ظهورهم كرها الى ظل الاسلام وعدله وسواسيته عن هذا السؤال بكل ما وسعهم من البذاءة والحقد والجهل والطيش، وانما عكفوا ايضا من طريق هذه الاجابات على الجواب الذي ارادوه ردا سياسيا وقوميا وعدوانيا على الاسلام، وعلى العرب، بكل ما يملكون من الخطط العملية، والتنظيمية والدعائية,, السرية والعلنية,, ومضوا في ذلك منذ وقت مبكر وحتى اليوم,, مضوا منذ ذلك الاغتيال الاثيم للخليفة العادل عمر بن الخطاب,, ففي هذا الحادث التلقائي الذي وقع في مدينة الرسول تتلخص كل قصة التصادم بين النقيضين: الشرع الاسلامي والقهر الكسروي,, احسان المسلمين وتآمر الشعوبية,, عفو عمر بن الخطاب عن القائد الحاقد المهزوم الهرمزان ,, وتدبير الهرمزان بتلقائية الغدر والحقد قتل المحسن ا ليه,, صاحب السلطان بأمر الله, الذي وجده يجلس على الارض بغير عرش ولا بطانة,, وبغير حرير ولا ذهب، وبغير قصور ولا اسرار,, فتوهم ببلادة طبعه، وظلمة عقله، ان القضاء على هذا السلطان الاعزل - من ابهة الملك، وحراسة العبيد هو القضاء على الدين الجديد,, وعلى دولة العرب وعلى العرب انفسهم,, ليعود كسرى الى الضيعة,, ويعود قيصر ايضاً,,!
حول هذا السؤال وجوابه عاشت الشعوبية منذ اواخر العصر الاموي وبطول العصر العباسي حتى اجهزت على الدولة العربية بسقوط بغداد، وقد تراوح معنى الشعوبية بين العداء المتحفظ للعرب داخل دولتهم من خلال تنظيمات اعلامية نشطة في حدود تصغير شأن العرب وانكار كل فضائلهم ,, وبين العداء السري الدفين الذي ينشط في نشر الزندقة، وتوهين الدولة، وتنظيم القلاقل، وترويج الموبقات والدعارة، واستنزاف الاموال من اجل ابادة العرب والقضاء على الاسلام .
ومن ثم اتسعت المجالات والجهود الآثمة لتطبيق هذا التخليص الكيدي، واللائق بالعقل الاعجمي، في حروب الأعلام الشعوبية ضد العرب والاسلام فشملت محاور اتهام العرب في جميع دعامات حياتهم المتكاملة، واستهدفت اتهامهم في كل شىء.
لقد علموا ان العرب تعتز بنقاء نطفها وانسابها، وان رسول الله اليها منها وهو خيار من خيار، وانهم يرجعون الى اسماعيل وابراهيم، وان الدين الإلهي والكتابي فيهم من اول الخلق فعمدوا الى محاولاتهم في كل اتجاه، وباختلاق القصص، لتقويض هذه الدعامة، ولم يتورعوا عن تصوير حياة الاسرة العربية بالصورة التي اسقطوها عليها من حياتهم هم, هذه الحياة المشاعة التي لم تعرف في وثنيتها المزدكية اي مقابل لمعاني العفاف والطهارة وحفظ الحرمات,.
وعلموا ان العرب يرون فضل لغتهم على كل اللغات، وعندما تعربوا باللسان، واحتوتهم اللغة العربية في بحر معانيها، وفضل انسانيتها، عجزوا ان يقولوا فيها أقوالاً صريحة وهي لغة القرآن، فعمدوا الى القرآن فجعلوا له ظاهرا عربيا لكل الناس، وباطنا اعجميا للزنادقة والمرتدين,.
ثم عمموا منشوراتهم في تعليم البلاغة العربية على الطريقة الاعجمية، واطالوا في نصائحهم لكل من يريد ان يتعرف على الغريب، ويتبحر في اللغة ان يقرأ كما يحكي الجاحظ عنهم كتاب كاروند وان من احتاج الى العقل والادب والعبر والمثلات والالفاظ الكريمة والمعاني الشريفة، فلينظر في سير الملوك، ورسائل الفرس وخطبها والفاظها، وباليونان رسائلها وخطها، وبكتب الهند,, الخ.
بل ان القرآن والحديث لم يسلما من تهجم كتاب الشعوبية لأنهما كانا طريق الدين الجديد الى تعريب حياة المسلمين، وتعريب الثقافة الاسلامية بعد ان كانت تحت حكم الفرس والروم اعجمية يونانية هندية.
وعلم الشعوبية ان الاسلام، الذي ظاهره العرب وظهروا به، يعطي بالقرآن والحديث والشريعة والفقه واللغة طاقة الحياة الجديدة للعرب، ويجعل وسائلها ولسانها وعقلها معهم والى جانبهم، لذلك حملوا على الاسلام بالبداهة من حيث انه الضوء الباهر الذي اطار قناع الظلام عن وجوه الشعوبية، وعوراتهم، وألسنتهم، وقد بلغ من حقدهم على هذا الدين ان الشعوبية وفصائلها من امثال الازادمردية والمانوية كانت تسمى الاسلام الدين الاسود لان شعار العباسيين هو السواد، وكانوا في بغضهم للعرب ينالون من النبي صلى الله عليه وسلم ومن اصحابه الذين فتحوا الفتوح، وقتلوا المجوس، وجاءوا بالاسلام .
وعلمت الشعوبية ايضا ان العرب حين جاءوا بالاسلام كان معهم عقلهم العربي الذي لا ينتمون به الى فلسفة اليونان، او اساطير الفرس، او صوفية الهند، وان انتشار الاسلام في الوطن العربي الكبير بعد اجلاء الوثنية والاستعمار الرومي والفارسي عنه قد صحبه انتشار اللسان العربي، وتصحيحه في ألسنة الشعوب العربية بعد تحريرها على لسان القرآن المبين، وان العرب قاموا بتعريب الدواوين,, ووضعوا اساس العلوم العربية والاسلامية، وغرسوا قواعد المنهج العربي في التفكير والحياة,, ومن اجل ذلك شنت الشعوبية حربها على العرب قبل الاسلام معلنة عليهم الاتهام بالجهل، ومتذرعة بكلمة الجاهلية في القرآن الكريم وهي تفسرها بهواها بالمفهوم المضاد للعلم والعقل، ثم تلقفوا كلمة الامية والاميين وتوسعوا في توصيف حال تلك الامة الجاهلة التي لا تقرأ ولا تكتب,, واختلقوا ما شاء لهم الحقد من القصص، ودسوا ما استطاعوا من الاحاديث، ليؤكدوا لانفسهم، ولغيرهم، وحتى لبعض العرب في عصور الانهاك والضعف نظريتهم في معجزة الاسلام الذي حقق غير المعقول بظهوره بين العرب في جزيرتهم,, فكان هذا هو الغريب والمعجزة,,!
ونتيجة لهذه الحملات التي جعلت ساحتها الانسان و اللغة و الدين و العقل تحددت خاتمة طبيعية لكل هذه الجهود الشعوبية وهي ان تصب كل التهم في اتجاه واحد يؤكد دواما عجز العرب عن ان يشيدوا حضارة باذخة عظيمة كالتي شادها اليونان والرومان والفرس,, واذن,, فيجب ان يتخلوا عن هذه المهمة لاهلها,, يجب ان تستعجم الحضارة على ارض الوطن العربي، وان تعود الحضارة بهذا القسر على عجمتها الى ما كانت عليه ايام كسرى وقيصر,, قبل ظهور الاسلام.
لقد كان من الطبيعي ان يرجع هؤلاء الاعداء في خطط حربهم للعرب الى الساحة الاولى لظهور الاسلام وهي الجزيرة العربية الساحة التي نكاد نكون قد اهملناها اليوم في كتب التاريخ او التربية او الدراسات اللغوية والاسلامية, لقد عاد الشعوبيون الى الجزيرة ليسقطوا على اهلها في عصر النبوة ذنوبهم، وليعودوا لقومهم بالقصص والحكايات والمفتريات عن جهل العرب,, وعن اميتهم التي لا تجعلهم اهلا لشىء!,.
لقد استغلت الشعوبية ورود كلمة الجهل والجاهلية في القرآن الكريم لتسيء بالعمد تفسير هذه الكلمات ومعانيها ومناسباتها، ولتختلق صورة الامة الجاهلة بمعنى غير المتعلمة وغير المتحضرة وتسقطها على العرب الذين آمنوا واتحدوا وانتصروا بالاسلام، ولتقول: ان مثل هذه الامة العربية لا ينبغي لها ولا تستطيع ان تقيم على ارضها العربية اية حضارة,, فالذين يستطيعون وحدهم هم الفرس واليونان,, انهم اوروبا او الشعوب الشرقية او هما معاً.
لقد فسروا اولا كلمة الجهل في استعمالات العرب في حياتهم الاولى بمعناه عندهم، من حيث ان الجهل هو طبيعة شعوبهم تحت نير الطبقة والعروش والاساطير, لقد فسروه بأنه جهل القراءة والكتابة,, بينما هذا المعنى غير وارد عند العرب الذين يرون ان الجهل هو ضد الحلم,, وان الحلم هو العقل حين يعتصم علمه بالحكمة والمعروف.
فالجهل بمعنى القصور عن القراءة والكتابة، او نقص المعرفة بأنواع الاطعمة المعقدة والملابس الزاهية، او نقص المعرفة بآداب السجود للملك المهيب الجالس في زينته وحليه على عرشه، ثم العجز عند هذا الجاهل عن ان يلقي بنفسه على الارض امام معبوده البشري، وان يبقى على هذه الهيئة حتى يأمره الملك بالوقوف,, ان الجهل بهذه المعاني الشائعة والمعلومة جيداً في حياة الشعوبية قبل الاسلام ليس مما يرد في عقول العرب او لغتهم,, لان العرب عاشوا بغير ملوك، وبغير كهان، وبغير اساطير تتحدث عن ألوهية النار والنور والظلام والبشر,,وبغير تظالم ولا قهر,, فبقى لهم من اشكال الهوى والتجاوز هذا الغضب الذي يقصرون به احيانا عن ضبط الارداة في اتجاهها السليم فيما يسمونه جهلا ,, وهو عندهم ضد الحلم وليس لهذا الحلم الذي هو اعلى مراتب العلم والحكمة والعقل ولفظ ولا معنى يمكن ان يتوصل الى ادراكه هؤلاء الشعوبيون الذين تقوست ظهورهم في السجود لشر غاشم ظلوم,, سفاهة وعجزا وجهلا.
والشعوبية لا تستشهد بالقرآن الا من قبيل الخلط والتدليس، وليس الفهم او الايمان, لذلك فقد جهلوا ان مادة جهل ومشتقاتها وردت اربعا وعشرين مرة في القرآن الكريم، وهي كلها بمعنى الجهل الاخلاقي او ظلم النفس اي بمعنى غيبة المعروف من الاخلاق وظهور المنكر منها,.
وهي كلها تؤدي المعنى الذي سارت به لغة العرب في حياتهم الاولى وهو الظلم بالغضب، والقصور عن الحلم، ولم يكن ذلك شائعا فيهم، ذلك انه من هذه الايات الاربع والعشرين اتجه القرآن الكريم الى نوع الانسان كله، والى الشعوب العربية السابقة التي نزلت فيها الكتب والرسالات, ولم يخص العرب منها العرب ا لذين نزل اليهم القرآن الا ثلاث آيات فقط في مناسبات لا تعنى مطلقا شيوع الجهل او الجاهلية فيهم,, والا فكيف آمنوا ودخلوا في الاسلام جميعا؟؟
يقول الله في معنى الجهل وهو القصور عن الحلم واخلاق الايمان، وهو موجه الى نوع الانسان كله انا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فأبين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوماًجهولا 72/ الاحزاب.
اي ان اكثر الناس ظلموا انفسهم بالقصور عن الايمان والحكم بالمعروف والانتهاء عن المنكر وهذا هو الجهل الذي فقدوا به الحلم.
ومن الآيات التي تخص غير قوم النبي قول الله عن عاد على لسان هود وابلغكم ما ارسلت به ولكني اراكم قوماً تجهلون 23/ الاحقاق اي تظلمون وتتجبرون.
ويقول عن قوم لوط ائنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل انتم قوم تجهلون 55/النمل,, فهل هذه الموبقة شىء غير الجهل الاخلاقي,, هل هي شىء اكثر من واحدة من الموبقات الحضارية والوثنية الطبقية التي عاشتها الشعوب الاعجمية تحت الساسانية والبيزنطية وغيرهما,,؟ ام هي الجهل القراءة والكتابة,, واكل السكباج والطهباج؟؟
ومن الآيات التي خصت قوم النبي قوله تعالى اذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية 26/الفتح,, فهل معنى هذا جهل القراءة والكتابة؟,, ام هو مفهوم حمية الغضب الذي يتجاوز الاناة والتفكر والحلم الى سرعة الاحتكام الى الحرب والسيف,,وهذا هو الجهل الذي يرد عنه الايمان والاسلام,, هذا هو نقيض العلم والحلم والعقل بالمعاني الانسانية السامية التي جاء بها القرآن الكريم.
وانتقالا من الكلام عن الجهل والجاهلية تعامت الشعوبية عن حقائق حسية وعقلية تؤكد معرفة العرب بالقراءة والكتابة,, وانهم لم يكونوا اقل كتابة او قراءة من غيرهم,, وهذه الحقائق والادلة ظاهرة في القرآن وباقية في التاريخ لا يطمسها شيء عن الاعين المبصرة.
انتشر هذا القول بأن العرب اميون بمعنى انهم لا يعرفون القراءة والكتابة حتى عند بعض من كانوا يتظاهرون من الشعوبية بالميل الى العرب، والدفاع عن فضائلهم مثل ابن قتيبة الذي كتب ينعت اكثر صحابة رسول الله بالامية والجهل وهو يفسر معرفة عبدالله بن عمر للقراءة والكتابة وكأن ذلك عجيبة من العجائب فيقول لانه عبدالله بن عمر كان قارئا للكتب المتقدمة ويكتب بالسريانية والعربية وكان غيره من الصحابة اميين، لا يكتب منهم الا الواحد والاثنان، واذا كتب لم يتقن ولم يصب التهجى !
وفي كتاب مصادر الشعر الجاهلي للعالم العربي الاردني الدكتور ناصر الدين الاسد تفصيل بالوثائق والادلة العلمية على علم العرب بالكتابة بالخط العربي الذي دونوا به المصاحف الاولى على عهد النبي وابي بكر وعمر وعثمان، وان هذا العلم بهذه الكتابة وانتشارها بين العرب يمتد باللغة الفصيحة والقلم العربي ثلاثة قرون على الاقل قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، مالم تثبت الآثار ماهو ابعد من ذلك.
ويتحدث الدكتور الاسد عن الكتاتيب في المدينة وغيرها في عصر البعثة لتعليم الاطفال الكتابة والقراءة وحذق العربية، كما تحدث عن مجالس الثقافة حيث يجتمع من العرب من يتدارسون الاخبار والاشعار والانساب، وتحدث ايضا في مجال التثقيف والتعليم عن بعض من كان ينصب نفسه قبيل الاسلام لتعليم الاخبار والقصص والتاريخ فيقصده من يشاء ليستمليها ويكتبها.
ويستشهد الدكتور الاسد فوق وثائقه وابحاثه بالقرآن الكريم فيذكر قوله تعالى بالنبأ اليقين عن انتشار الكتابة بين العرب وقالوا اساطير الاولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة واصيلا 5: الفرقان, وقوله تعالى على لسان المشركين ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه 93: الاسراء.
ويرد الدكتور الاسد على تهمة الامية فيرفض ان تكون هي الجهل بالقراءة والكتابة ويبلغ به اجتهاده ان يرى انها امية دينية ويقول اي انهم لم يكن لهم قبل القرآن كتاب ديني، ومن هنا كانوا اميين دينيا، ولم يكونوا مثل اهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين كان لهم التوراة والانجيل .
وارى ان الدكتور الاسد قد قارب الصواب وان لم يبلغ اليه، ذلك انه كما يكون من غير المعقول ان يكون قول الله تعالى لاهل الكتاب الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والانجيل 157: الاعراف, معناه هو: الذين يتبعون الرسول الذي ليس له علم بالدين كذلك فمن غير المعقول ان يكون معنى قوله تعالى هوالذي بعث في الاميين رسولا منهم,, ,, معناه انه بعث الى من يجهلون الدين من ليس له علم ايضا بالدين!
على ان المعنى الصحيح كما اعتقده، والذي لم يكن بعيداً عن علم الدكتور الاسد، المعنى الذي غاب طويلا عن افقه في المعاني الاسلامية والقرآنية الصحيحة هو ان الاميين هم الامة التي لها طريقة وشرعة ودين تخالف به سائر الاديان، وهي تنتظر من الله كتابا مصدقا لدينها,, وهاديا لها في مفترق طرقها حول بيت الله الى الحق من ملة ابيها ابراهيم، والى الصراط المستقيم .
ولقد صدق الله وعده النبي الامي، والامة الاسلامية، فكان لهم الكتاب بمعنى الشريعة وتنزل عليهم القرآن مصدقا لما عرفوه من الحق في بطلان ما عند اهل الكتاب وغيرهم، ومؤيدا ما اخذوا به من المعروف في عيشهم وسعيهم وحفاظهم ومبطلاً ما علق بهم بطول الامد من شوائب الشرك واللهو والجاهلية، اي سرعة الغضب التي تذكي العداوة والفرقة، وتوقع في الهوى والاخلاد الى الارض, وقد اشرت الى رأيي حول الامة والاميين ببعض التفصيل ومن الامية بمعنى الجهل بالقراءة والكتابة، ومن الجهل والجاهلية بمعنى التوحش كما يزعم ابن خلدون او البدائية كما يتفاصح المحدثون بيننا والمبتدعون، او بمعنى الالفة الى كل المنكرات والشهوات والجهالات بغير وازع او رادع تمضى الشعوبية في آثامها قرونا وقرونا، حتى تصبح الهباءات جبلاراسخا، وتصبح الاكذوبات دينا متبعا,, ويأتي جيل ساذج بين العرب والمسلمين، وحتى بين العلماء والساسة والمحققين، غير المهتمين بخصومة العرب، او الضالعين في خدمة اهداف الشعوبية، فاذا بالسؤال القديم يتجدد، وبالحيرة البالغة تسيطر، وبالتخبط في الاقوال والاحكام يسترسل، وتدور الاجيال العربية الناشئة في الحلقة المفرغة التي احكم الشعوبية والمتهودة والمستشرقة فراغها,, ويتساءل الانسان العربي المعاصر عن الحقيقة التي تواطأت الكتب والمناهج والثقافات الغربية عليها,, يتساءل ولابد ان يعرف يوما ما: ظهور الاسلام في جزيرة العرب من دون الحضارات الشرقية والغربية المحيطة بها لان العرب كانوا اقرب الناس بأخلاقهم ولغتهم ودينهم الى الله والاسلام,, ام لانهم كانوا ابعد الناس بأخلاقهم ولغتهم ودينهم عن الله والاسلام؟

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

أفاق اسلامية

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

أطفال

تحقيقات

شرفات

العالم اليوم

تراث الجزيرة

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved