Friday 3rd March,2000 G No.10018الطبعة الاولى الجمعة 26 ,ذو القعدة 1420 العدد 10018



وتستكين أنت
قصة قصيرة

عندما توالت صفعات الحياة المؤلمة على وجهك لم تملك حيال ذلك سوى الارتماء في احضا
ن الوحدة.
تلك العجوز الاخطبوطية، تلف أذرعها حولك فلا تجد ملاذا منها إلا إليها.
تستكين أنت رغما عنك,,! وتبتسم هي فرحا بك,,! تفتر شفتاها عن فم بلا اسنان هو اشبه بمغارة سوداء لا يقطنها سوى الهاربون,!
ولكن مع مرور الوقت تشعر بالاختناق فأنت لا ترى سوى تلك الاذرع تعمل كسياج حولك تدور حول نفسك تهتف بفزع:
لا اريد الموت وحيدا لا اريد ان أموت مختنقا!!
تعمل جاهدا على الهروب من احضان تلك العجوز.
تتفلت بصعوبة من بين أذرعها القوية,, تعجب لهذه العجوز كيف تتمتع بكل هذه القوة؟.
انك لم تدرك بعد ان سر قوتها يكمن في ضعفنا فنحن من يمنحها القوة!.
تهرب,, تمعن في الهروب خشية ان تلحق بك!.
تخطر لك الف فكرة وفكرة,, لكن هذه الاخيرة استحوذت على كل تفكيرك! نعم قررت مغادرة هذا المكان والعودة الى العيش بين الاهل والاقارب فلن تكون فريسة سهلة بعد اليوم.
تفعل كل ذلك بسرعة عجيبة نالت رضاك.
بدأت تحس ببعض الارتياح يتسلل الى نفسك.
تنجز العديد من الاتصالات مع من تحب وانت تحدث نفسك يجب ان يكونوا معي الآن.
تندهش كثيرا حين تجد الجميع يرحب بدعوتك لم يعتذر منهم احد، تشعر بنشوة الانتصار وتتراقص كل مشاعر الفرح بداخلك.
تبدأ تعد كل ما يلزم لاستقبال كل تلك الجموع التي ستفد إليك
محدثا نفسك: يجب ان يكون كل شيء على ما يرام لكي استبقيهم أطول وقت ممكن الى جانبي فلقد سئمت العيش وحيدا.
في المساء حضر الجميع,,, استقبلتهم بابتسامة عريضة تعبيرا عن امتنانك تديربصرك في الوجوه لتتأكد من ان احدا منهم لم يتغيب.
تتنفس بارتياح وتنصرف للاهتمام بضيوفك.
وبعد الانتهاء من واجبات الضيافة تجلس الى ضيوفك لتبادلهم الحديث,,.
تنصت باهتمام,, لكنك تجد نفسك تجهل بعض الامور التي ترد في احاديثهم ويعقد الخجل لسانك عن السؤال، خشية من سخرية الآخرين,, فتلوذ بالصمت.
يلوح لك ذلك الوجه البغيض بين الوجوه فينقبض قلبك.
تبتلع لعابك محاولا طرد المرارة التي تنسكب في حلقك,, تعتدل في جلستك,, تبدأ باطلاق الطرائف التي لم تضحك احدا!!
تنكمش على نفسك قليلا لكنك تصر علىالمحاولة وعدم اليأس,.
تعترف في قرارة نفسك بأنك لم تقهر ذلك الشعور المقيت الذي يسكن حناياك,, فها أنت تجلس محاطا بكل الاصدقاء لكنك ابدا لم تكن محط اهتمامهم.
يضج المجلس بالاحاديث وتتعالى الضحكات, لكن ما نصيبك أنت؟!
لا شيء,, فقط تنقل نظراتك بين المتحدثين لكن شيئا من احاديثهم لم يثيرك، حتى تلك الامور التي تجعلهم يستلقون على ظهورهم من شدة الضحك لم تضحك,,!
بل ازددت احساسا بتلك المسافات التي تفصل بينك وبينهم رغم وحدانية المكان,,!
في تلك اللحظات تظهر تلك العجوز تخطو نحوك بكل ثقة,.
تزداد دقات قلبك اكثر كلما اقتربت خطواتها.
تنظر ذات اليمين وذات الشمال,, تود لو تصرخ طالبا النجدة، او تطلق ساقيك للريح هربا,, لكن شيئا من ذلك لم يحدث,!!
تقترب هي اكثر,, تجلس الى جوارك,, تلتصق بك,, ثم تتأبط ذراعك وتنهض تسير بزهو وتسحبك معها,,!
تفتح فمك,, لكن صوتك يعود باتجاه حنجرتك لا يخرج عن شفتيك,, تشير بيدك الاخرى,, لكن احدا منهم لم ينتبه لعدم وجودك,, تنكس رأسك وتسير معها باستسلام تام,,!.
فتبتسم هي فرحا بك وتستكين انت رغما عنك,,!.
فاطمة الرومي
***
** تقدم لنا الصديقة فاطمة الرومي في هذه القصة نموذجا للإنسان الانطوائي الذي يعشق الوحدة,, ولا يستطيع الاختلاط بالآخرين,, وتصور الوحدة بالعجوز التي تلاحق هذا الانسان لتتمكن في النهاية من ضمه لحضنها,!
القصة في مجملها تناقش هما إنسانيا لا يتعلق بمجتمعنا فقط,,بل جميع المجتمعات البشرية على هذه الارض.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

أفاق اسلامية

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

أطفال

تحقيقات

شرفات

العالم اليوم

تراث الجزيرة

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved