Tuesday 7th March,2000 G No.10022الطبعة الاولى الثلاثاء 1 ,ذو الحجة 1420 العدد 10022



شدو
ولله في خلقه شؤون!
الدكتور: فارس الغزي

من المعلوم ان تقدم أي مجتمع كفيل بتحويله الى مجتمع مؤسسات تتحكم في أفراده وتسير لهم شؤون حياتهم ووسائل معيشتهم, ويوجد هذا النوع من المجتمعات في الغرب وكنتيجة حتمية لمعطيات التقدم التراكمية التي مرت بها تلك المجتمعات لقرون وقرون, إن الأنظمة السياسية في هذا النوع من المجتمعات تتحرر من كثير من أعباء الحكم التي تضطلع القيام بها المؤسسات الاجتماعية, بصيغة اخرى، تتم (خصخصة) الجوانب (الجانبية) وفي مثل تلك الحالة، تنحصر مهمة الأنظمة السياسية بمراقبتها (عن بعد)، والتفرغ بالتالي لمهمات (أهم) كالأمور السياسية الخارجية والحفاظ على الامن داخليا وخارجيا, ومع ديموقراطية تلك المجتمعات سياسيا من انتخاب وترشيح وعزل,,، فان تلك الديموقراطية السياسية يقابلها دكتاتورية مؤسسات اجتماعية واقتصادية تتسم بالصرامة والقسوة بل، في الحقيقة، بالاستعباد, هنا قد ينبري من يتساءل عن كيفية تأتي ذلك؟!،,, لأقول انه من الصحيح ان لدى الانسان في الغرب الحرية على شتم رئيسه (وليس تهديده ولو كان من خلال الانترنت، فهناك فارق كبير وكبير جدا) والشتم، وكما تعلمون، حرية لا تسمن ولا تغني من جوع، بدليل أن هذا (الشاتم) يودع السجن لفترات طويلة في حال امتناعه عن دفع ضرائب أمواله التي كسبها بكده وعرق جبينه، بل تصادر ممتلكاته بما فيها بيته فيصبح الشارع مأواه متشردا!, ولنا في مصلحة الضرائب الامريكية او ما يعرف اختصارا ب(I.R.S) مثالا جليا على دكتاتورية مؤسساتهم، حيث ترتعش فرائص الفرد الامريكي لدى سماعه اسم تلك المصلحة الضرائبية الى درجة انها اصبحت مجالا (للنكتة السياسية بما تحمل من مضامين) والتندر والقفشات الفكاهية التي تدور حول قسوتها والرعب الذي تزرعه في قلوب دافعي الضرائب هناك ومعرفتها كل شيء عن المواطن مما اهلها لأن تكون وحسب اعترافهم المنظمة الاكثر تدخلا في حياة الشعوب تاريخيا The Most intruding organization in history وليست تلك المنظمة بالوحيدة، حيث ان ما ينسحب عليها ينسحب، كذلك، على البنوك ومؤسسات العقار وشركات الاقراض ووسائل الاعلام الصهيونية وحتى الكنائس,, وغيرها من مؤسسات رأسمالية هدفها الأول والأخير هو الربح بغض النظر عن الجوانب الانسانية.
في المقابل، لا يختلف اثنان ان هناك مجتمعات كمجتمعات العالم الثالث، مثلا تنقصها ديموقراطية الانظمة السياسية ولكن وبعكس ما في المجتمعات الغربية تحفل تلك المجتمعات بمؤسسات اجتماعية يسيطر عليها المواطن مما جعل منها اكثر مراعاة للجوانب الانسانية وذات ديموقراطية مرنة تبرز فيها كل صور التكافل الانساني.
السؤال المطروح المجاب إذن هو: ماذا يحدث في المجتمع الديموقراطي (سياسياً) المدعوم من قبل مؤسسات اجتماعية دكتاتورية، كالمجتمع الامريكي مثلاً,, قياسا على ما يحدث في المجتمعات الأخرى ذات المؤسسات الاجتماعية الديموقراطية كمجتمعات دول العالم الثالث؟! الاجابة تتمثل في أن المجتمع الاول، وبسبب سيطرة مؤسساته الدكتاتورية على أفراده، يصبح أغزر إنتاجية وأكثر رفاهية وذلك مرده بالطبع الى عزوف افراده عن شؤون السياسة وتفرغهم الكلي لأمور معيشتهم وعلى غرار مبدأ كل كل ميسر لما خلق له او فلنقل مكره أخاك لا بطل! وهذا هو في الحقيقة سر جهلهم السياسي على الرغم من رقي درجة وعيهم الحضاري وهو جهل غير مضر كما تفيد بعض أقوالنا المأثورة، بل هذا هو ما يفسر عزوف أغلبهم عن المشاركة في انتخاباتهم الرئاسية والفرعية، حيث تشير الكثير من الدراسات الى ان الفرد الامريكي يأتي في المرتبة الدنيا عالمياً فيما يخص مشاركته في الانتخابات وتفاعله مع الأوضاع السياسية في بلاده, بل إن هذا النوع من المجتمعات يصبح أكثر عقلانية وانضباطية كما يوضح انضباطهم المروري مثلاً وغيرها من مميزات يتيحها العيش تحت سقف ما يعرف ب ثقافة الذنب Guilt culture .
بالمقارنة: ماذا عن النوع الثاني,, في الحقيقة ان هذا النوع من المجتمعات في العالم الثالث، وبسبب تشبعه السياسي، يعاني من قلة التماسك وكثرة القلاقل وقلة الانتاجية وتزايد اعتماده على حكومته فيما يخص كل صغيرة وكبيرة من شؤون حياته مما بالتالي يرهق موارده الوطنية ويحملها أعباء تلو أعباء, إن السبب، في الحقيقة، يكمن في ثقافة ذلك المجتمع والتي تدخل ضمن نطاق: ثقافة العيب Shame Culture بكل ما تبوء به من عواطف جيّاشة، وغياب عقلانية، وتصنع (ومظهرية) وتفاخر معنوي ليس له أساس محسوس، وعدم تقيد بالنظم كنظم المرور مثلاً وغيرها الكثير الكثير, خذ ما يجري مثلا في دول العالم الثالث من فوضى مرورية، أو، بالأحرى، خذ ما يتكرر فيها من أحداث واغتيالات في كل مناسبة تتخللها فترة انتخابات وما عليك سوى قياسها بما يجري في الدول المتقدمة والتي تكاد انتخاباتها ان تكون مناسبات احتفالية هادئة!,, بل استعرض في ذهنك ما يقام في مجتمعات العالم الثالث من موائد وولائم او حفلات زواج او خطب ترحيبية شأنها استهلاك الجيب والدماغ في آن واحد وما عليك سوى مقارنتها بولائم الترشيد ولغة المنطق والاختصار وعقلانية التفكير والسلوك في الغرب,.
حقاً لله في خلقه شؤون.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

لقاء

القوى العاملة

تقارير

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved