Tuesday 7th March,2000 G No.10022الطبعة الاولى الثلاثاء 1 ,ذو الحجة 1420 العدد 10022



في عصر العولمة
الجنادرية وفلسفة التلاقي والتواصل الحضاري

تشهد الرياض حركة ناشطة داخلية وخارجية على شتى المجالات الثقافية والاجتماعية والفكرية، فمهرجان الجنادرية حدث يعكس كل هذه التموجات الحضارية والانسانية التي تشهدها هذه المدينة بغرض ارساء ارضية للحوار والتواصل مع بقية الحضارات والثقافات.
وهذا دليل على قدرة الثقافات على التعايش السلمي والتحاور الحضاري وتكريس تجربة انسانية تلتقي فيها هويات وايديولوجيات ومعارف الانسان الثقافية والفلسفية دون ان تكون هناك فوارق نفسية او اجتماعية تحول دون هذا الملتقى الذي يجسد رؤى كل الموجودين والمشاركين في صنع الحوار الحضاري على عكس ما تروج له تلك الاطروحات والايديولوجيات التي تسعى لتكريس نظرية الصراع بين الحضارات والثقافات.
فلم تعد تلك المقولات التي جاءت على خلفية ايديولوجية بهدف زحزحة تلك البنى من ثقافية وانسانية ونفسية قادرة على ثني هذا التلاقي وبالتالي قدرة الثقافات على بلورة مشروع واحد يجسد الجوانب المشتركة للحضارات والثقافات الانسانية، فالتنوع الذي تشهده الجنادرية ومشاركة المفكرين والمثقفين من غير بلد يعكس اجرائية الحوار الحضاري وفشل تلك الاطروحات التي نادى بها بعض المفكرين، كالمفكر الامريكي فرانسيس فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ والانسان الاخير ، او هنتغتون في صدام الحضارات .
في اعتقادي ان الجنادرية مشروع حضاري كبير يؤسس الى خطاب معرفي وانساني بخصائص تتجاز تلك الاطروحات التي لا تعطي الا انطباع الحرب النفسية وحتمية انهزام الآخر وفشل مشروعه الحضاري والانساني ما لم يكن ايديولوجي وغربي التوجه.
فهي محاولة تهدف الى تجسير التواصل والتلاقي بين الشعوب والمجتمعات لتتعرف على بعضها عن قرب ولتشترك في صنع تراث يعكس المشتركات الثقافية والحضارية والانسانية والتي لا تتيح امكانية حتى على المستوى النفسي للتنافر والتباغض بين الثقافات وبين المشاريع الفكرية الا في حدود الاختلافات العلمية والموضوعية او في طبيعة التباينات التي تعكس الصورة الخاصة لكل حضارة ومجتمع ، وهذا لا يتناقض مع هذا المسعى الحضاري والثقافي الكبير والذي يهدف الى تأسيس نموذج انساني يؤطر وجوده على اساس حركة مستقلة للثقافات دون تكريس بنية من الفروقات الفكرية على اساس مذهبي او عرقي او اثني او مناطقي.
اما منطلقاته على مستوى الداخل اعادة بلورة المشروع الثقافي والاجتماعي ومحاولة ابراز العناصر الثقافية والانسانية واستعراض المقدرات الوطنية التي تتمثل في هذه البنية الواسعة للفلكلور الشعبي وما ترمز اليه حركته في عمق الزمان والمكان لتعكس ما لهذا المجتمع بكل فئاته وجماعاته وكياناته من اصالة تراثية وثقافية ترمز الى انسان هذه المنطقة في خط تنسجم فيه كل هذه الترهصات الثقافية والحضارية باعتبارها حالة من الاتنلوجية الداخلية والانساق المحلية والاطر التي لا تزال تحتفظ بخصائصها في داخل المجتمع الكبير دون ان تتمفصل في مستوى تركيبتها التاريخية والاجتماعية عن البنية الحضارية الواحدة لكل هذا الكيان,
من هنا يعد هذا الملتقى القنطرة التي تتحرك عليها القوى الفكرية والاجتماعية ذات الجذور التاريخية لتتأصل في رسالة ثقافية واحدة كشهادة على العمق الحضاري والثقافي والانساني لهذا المجتمع.
من هنا نأمل ان تتواصل هذه التجربة لتزيد من وتيرة تفعيل التلاقي الحضاري على مستوى الثقافات المحلية والتواصل على مستوى التحاور والتخاطب مع الثقافات والحضارات الاخرى ولا سيما ونحن في عصر تطغى عليه الاحادية القطبية وغياب مثل هذه المشاريع الحضارية الكبرى يسهم في اضعاف امكان تعدد الاقطاب والثقافات او محاولة لتأسيس أرضية تلتقي عليها الشعوب لتعبر عن القدرة الحقيقية التي تكمن في عناصر هذا الخطاب على انجاح تجربة ثقافية مشتركة تسهم في دفع التنمية الفكرية والاجتماعية وايجاد بنية من المشتركات الذهنية والنفسية لمشروع تتساقط فيها الحواجز والموانع الاجتماعية والثقافية والحضارية على مستوى أنساق المنطقة من الداخل والخارج.
والجنادرية خطوة كبيرة في هذا الطريق، ولهذا يجب المحافظة على استمراريتها ورعايتها لنسهم جميعا مؤسسات وافرادا ومثقفين في ابرازها كواجهة حضارية، لانها تجربة تعنينا في العمق، حيث تعمل كناظم انساني وحضاري لحراكنا الاجتماعي والثقافي وبلورة اكيدة لابراز خطاب واحد تنسجم فيه كل العناصر التي تمثل ثقافة الوطن كخلفيات ومقاربات فكرية واجتماعية وثقافية تنعكس في تعبير متماسك, من هنا يجب ان يشكل هذا الحدث مشهدا كبيرا تتسق من خلاله كل القوى الفكرية والاجتماعية لتعزيز ثقافتنا الوطنية لنكون عنصرا قويا يشارك في حوار الحضارات وصياغة التوجهات الانسانية والحضارية للنظام العالمي الجديد، لاسيما ونحن نعيش عصر العولمة الثقافية والاقتصادية والشراكة الشاملة في كل ميادين الحياة.
علي ناصر

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

لقاء

القوى العاملة

تقارير

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved