Wednesday 8th March,2000 G No.10023الطبعة الاولى الاربعاء 2 ,ذو الحجة 1420 العدد 10023



مكتبات عامة في مهب الريح

كما هو معلوم لدى كل مكتبي أو باحث أو مطلع أو حتى قارىء عادي أن أي مكتبة عامة في أي مجتمع ما هي ذلك الكيان أو المؤسسة الثقافية التربوية التي تُمول كليا أو جزئيا من المال العام لاتاحة مجموعاتها من أوعية معلومات مختلفة وخدماتها البحثية والقرائية والمعلوماتية لجميع المواطنين والمقيمين من مختلف المراحل العمرية والفئات, اما تعريفها من قبل جمعية المكتبات الامريكية الذي يعتبر من أفضل التعريفات واكثرها شمولا هو: بأنها تلك التي تقدم خدماتها عامة مجانية لجميع المواطنين المقيمين في مجتمع أو مقاطعة أو منطقة معينة، سواء تم دعمها من موارد مالية عامة أو خاصة، وتتيح مجموعاتها وخدماتها الأساسية للسكان الفعليين في منطقتها بشكل مجاني، ولكنها قد تفرض نفقات على المستفيدين من خارج منطقتها .
من هنا وبحكم هذه الأهمية القصوى لها ودورها الفعلي في نشر العلم والثقافة والمعرفة في مجتمعها، نجد مدى العناية والاهتمام الواضح والجلي بها في مملكتنا الحبيبة من لدن ولاة أمرنا حفظهم الله منذ توحيدها على يد باني نهضتها جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - وحتى وقتنا الحاضر في عهد خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين,, وكشاهد على ذلك هو ما تلقاه مكتبة الملك عبدالعزيز العامة وفروعها بالرياض من اهتمام وعناية شخصية من لدن صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - من خلال دعمه المادي والمعنوي والاشرافي اللامحدود والمتواصل لها ابتداء من فكرتها وتأسيسها والاشراف على خطوات العمل فيها الى السعي لتوفير الكوادر الوطنية المؤهلة والمتخصصة في هذا المجال وتزويدها بكافة أوعية المعلومات المختلفة والمتعددة كالكتب والدوريات والمخطوطات والكتب النادرة والصحف والوسائل السمعية البصرية والتقارير والوثائق المتعلقة بتاريخ المملكة العربية السعودية وسيرة موحدها جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود، اضافة الى تجهيزها باحدث الأجهزة والأثاث والمعدات الضرورية التي تحتاجها أي مكتبة حديثة هدفها الأساسي خدمة الباحث والقارىء والمجتمع على حد سواء، حتى تعدت انشطتها وخدماتها وسمعتها بفضل من الله ثم بهذا الدعم حدود المملكة العربية السعودية.
ولكن ما يحز في الخاطر وعلى النقيض تماما من ذلك ما هو مشاهد وملاحظ وملموس عند ارتياد البعض من القراء أو الباحثين أو المتخصصين لإحدى المكتبات العامة التابعة لوزارة المعارف واشراف مباشر من ادارات التعليم في كل منطقة من مناطق المملكة المترامية الأطراف، لما تعانيه من قلة الاهتمام بوضعها كمكتبات عامة من المفروض ان تخدم مجتمعها القريب والبعيد بما تقدمه لهم من معلومات مطبوعة وغير مطبوعة بيسر وسهولة وتهيئة الظروف المناسبة لهم من مبنى وأثاث ومقاعد واضاءة وتهوية وخدمات استرجاع وبحث وتصوير وتوفر عدد من المتخصصين في مجال المكتبات والمعلومات بهدف الارشاد والتوجيه والتنظيم والالمام بكافة الاجراءات الفنية والادارية المتعلقة بالكتب والمكتبات.
وللوقوف مباشرة على أوضاعها بمصداقية وواقعية من خلال تخصصي كمكتبي، وما شاهدت وسمعت، وللفت الأنظار اليها من قبل الجهات المسؤولة - وعلى رأسها معالي وزير المعارف المتجاوب دائما مع كل ما يخدم هذا البلد وفئاته -، سأتطرق هنا وبشكل سريع لبعض السلبيات والظواهر التي تواجه المكتبة العامة بشارع الملك فيصل لتكون خير دليل ومثال حي لوضع المكتبات العامة الأخرى التابعة للوزارة، وشاهد على التقصير الواضح في توفير كافة السبل والمعطيات التي تؤهلها لتقوم بعملها خير قيام.
فعلى الرغم من وجود هذه المكتبة في عاصمة المملكة العربية السعودية الرياض منذ ما يقارب الأربعين عاما عندما انشأتها أمانة مدينة الرياض في منطقة الملز عام 1380ه باسم دار الكتب السعودية، ثم انضمامها الى وزارة المعارف بعد ان دمجت معها مكتبة الوزارة ليطلق عليها دار الكتب الوطنية في عام 1388ه وظلت تعرف بهذه التسمية الى ان انشئت مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض عام 1409ه فتغير اسمها لتصبح المكتبة العامة بشارع الملك فيصل,*
نجدها وبقدرة قادر في ظل وضعها الحالي تفتقد الى معظم المقومات الأساسية لتصنف كمكتبة عامة، لتصبح أشبه ما يكون بمستودع للكتب والمحفوظات والأثاث المدرسي التالف الذي تقوم عليه الغالبية العظمى من الموظفين غير المتخصصين في هذا المجال، وافتقادهم لأبسط العمليات والمهارات الفنية المكتبية اللازمة في مثل هذا الحقل، مما يجعل عطاءهم للمكتبات وللمستفيدين ضئيلا جدا وربما افتقاده, يضاف الى ذلك اقتصار وجود ادارة المكتبة وما يتعلق بها من موظفين وعاملين والمجموعات المتواضعة من الكتب والنسخ المصورة من بعض المخطوطات على النصف العلوي فقط من الدور الثاني للمبنى، واستغلال بقية المبنى من صالات وغرف لقسمي التزويد والتجليد، وكمستودعات للكتب والدوريات القديمة، والمخلفات الملقاة في كل مكان دون تنظيم او ترتيب، مما يتعثر مع ذلك اقامة الأنشطة الثقافية والتربوية والندوات والمحاضرات والمسرحيات التي من المفترض ان تقام, كما يلاحظ افتقاد هذه المكتبة وبحكم الهدف المرسوم لها كمكتبة عامة الى المكان المناسب كون موقعها الحالي محاط من كافة الجهات بمناطق تجارية بحتة مليئة بالعمالة من مختلف الجنسيات غير العربية مما أدى الى صعوبة توفر مواقف لسيارات الرواد لينتج عنه تقلص واضح وكبير في عددهم والشاهد على ذلك سجل الزوار القديم جدا وكأنه مخطوطة .
أما بالنسبة للبيئة الداخلية لهذه المكتبة فحدث ولا حرج اذ تفتقد بما لا يدع مجالا للشك لكافة المقومات والمعطيات التي تجعل منها المكان المناسب والهادىء للقراءة والاطلاع والبحث، نظرا لعدم توفر المناخ المطلوب والمناسب لمقتنياتها وللقراء من حيث الاضاءة والتكييف والتهوية والأثاث والمقاعد والرفوف وعرض الكتب والدوريات مما جعل وضعها الحالي لا يتماشى مع تلك المعايير والمواصفات المطلوب توفرها في مثل هذه النوعية من المكتبات وملاءمتها للخدمة المكتبية، كما انها ولسوء حظ من يرتادها تفتقر لكافة الأجهزة والمعدات الحديثة من حاسبات وفهارس آلية وآلات تصوير ضرورية لاجراء كافة العمليات الأساسية المتعلقة بالبحث والاسترجاع والمتابعة لتجعل خدماتها مقتصرة فقط على المطالعة الداخلية للكتب التي تم تزويدها بشكل عشوائي وبطيء حتى باتت الفائدة المرجوة من خدماتها محدودة جدا وربما انعدمت, كما تفتقد هذه المكتبة - ومعظم المكتبات الأخرى التابعة للوزارة - لأهم خطوة في عمل أي مؤسسة تربوية وثقافية الى الاستفادة من وسائل الاعلام الخارجية في الدعوة او لفت الانتباه الى أهميتها، والدعاية الى خدماتها، لوجود فجوة كبيرة بين هذه المكتبات نفسها والقائمين عليها، وبين وسائل الاعلام الأخرى، الأمر الذي انعكس سلبا بعدم معرفة افراد مجتمعها - الذي من المفروض ان تخدمه - بأهميتها كأداة تربوية وثقافية وتعليمية وترفيهية.
ونظرا للأهمية القصوى لهذا النوع من المكتبات في بلادنا وبما تقدمه من خدمات مباشرة لكافة أفراد مجتمعها، نأمل من وزير المعارف النظر الى هذه المعاناة بعين المتخصص والباحث والقارىء والمستفيد، والى الدعم الذي تلقاه عملية نشر العلم والثقافة والمعرفة في مختلف المجالات من لدن ولاة أمرنا - حفظهم الله - وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين, وذلك باتخاذ التدابير اللازمة، والتنسيق مع الادارات المسؤولة عنها لتهيئتها على الوجه المطلوب والملائم الذي يجعل منها متنفسا حقيقيا ثقافيا وتعليميا وتربويا وترفيهيا لكل قارىء وباحث ومستفيد ومتخصص من مختلف الطبقات والفئات والجنسيات, وان تظهر نتائج ما يقوم به معاليه عاجلا ليس آجلا حتى لا تستمر هذه المكتبات في مهب الريح.
اطلالة تاريخية على المكتبات العامة في المملكة العربية السعودية / سعد عبدالله الضبيعان الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية 1415ه, ص 101.
عبدالعزيز بن محمد الزير

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved