Thursday 9th March,2000 G No.10024الطبعة الاولى الخميس 3 ,ذو الحجة 1420 العدد 10024



الغذامي مثقف الاختلاف

* عتبة اولى:
قبل ان تصافحني يداه التقيت بمقولة تتسيد المكان (من لم ينفعه ظنه، لم ينفعه يقينه).
** عتبة تالية:
تنشد احتفاليتنا بالغذامي في احدى مستوياتها خلق مسلفة ما للهرب من ايقاعية الجائزة لتضفي على فعل الكتابة ترسيخا مفاهيميا يكرس ديمومة الحوار مع مشروعه الفكري ويعلي من لغة الحوارية في تناوله ليتم تنصيص الغذامي بوصفه اشارة ثقافية حرة اعتادت ان تدشن ثقافة الاختلاف في مشهديتنا العربية، اذ انه يتوزع ويمتد في اكثر مقولات الفكر النقدي الحديث ثراء وتجاوزا، فقد بشر بالنقد النصوصي (البنيوي، السيميولوجي، التشريحي) منذ مطلع الثمانينيات في كتابه (الخطيئة والتكفير) اذ اصبح من ذلك الحين مرجعا هاما لجل الدراسات الاكاديمية عربيا، فتوالت طباعته سنة بعد اخرى (كان اخرها طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب، 97م) وقد شمل ذلك المنحى النصوصي ما تلاه من كتب (الكتابة ضد الكتابة، ثقافة الاسئلة، القصيدة والنص المضاد) يضاف الى ذلك مساءلاته الحوارية للسياق المحلي في كتابه (الموقف من الحداثة واشياء اخرى) وحفرياته التراثية وبخاصة في كتابيه (الصوت القديم الجديد، المشاكلة والاختلاف) اذ يمثل الاخير مراجعات نصوصية للنظرية الجرجانية وتأصيل مقولاتها وتشاكل مقولاتها مع الدرس اللساني الحديث، ولكونه آثر التجاوز على السلبية والركون فها هو يبشر بمشروعه الاحدث، النقد الثقافي لايجاد مساحة ارحب للتعاطي النقدي عبر آلية منهجية تتميز عن سابقتها بالانفتاح لدراسة الانساق الثقافية بدلا من تسليط الضوء على نص مجتزأ من ابنيته المتعددة والعميقة المشكلة له، لذا جعل من الدرس اللساني النصوصي معولا تقوم عليه ومن خلاله عملية حفرية للبنى التحتية المكونة لظواهرنا المعرفية عبر اجرائية سوسيو ثقافية كما بدا ذلك في كتابه (رحلة في جمهورية النظرية قراءة في وجه امريكا الثقافي) وفي كتابه الاهم (المرأة واللغة) وامتداداته (ثقافة الوهم تأنيث القصيدة والقارىء المختلف) تتبع الاجرائية المتبعة في مشروعه الثقافي الاخير الاعتماد على الآلية والتطبيق دون الركون الى التنظير المنهجي كما تم في مشروعه النصوصي, كما ان دائرة المرجعية اتسعت لتشمل جميع الانساق الثقافية من الذاكرة التراثية والمرجعية المعاصرة حتى الحديث الشفوي والاعلامي (انظر: تأنيث القصيدة ص: 126 هامش: 14، وص: 144 هامش: 8وص :145 هامش: 54) وكذلك (المرأة واللغة ص: 17 هامش: 8 وص: 41 هامش: 54 وص: 43 هامش: 58 وص: 53 هامش: 83).
تتسق تلك الاجرائية المتبعة التي تخفي كواليس النظرية والتركيز عوضا عن ذلك بأثرها في اقامة لعبة الكشف في التطبيق مع ما نجده في كتابات عبدالفتاح كليطو وعبدالكبير الخطيبي ليتموضع الغذامي عربيا ضمن النخبة الفاعلة والموجهة للمشهد الثقافي، لذا تمايز صوته عن سياقه المحلي، وخطا بجيله ومن تلاه نحو افق التعدد والتجاوز فما كان من مشهديتنا الا استعارة ابجديته والتماهي مع لغته النقدية ولعل احتفالية كهذي توشي برجع الصدى لذلك الدويّ في كتاباتنا عنه لتبدو تلك الفضاءات في ذلك المشروع مشكلة لجيل كامل استطاع ان يتفاعل ويتحاور معه، وان يضاف الى محصلة ثماره لتبدو تلك (الرحاب)/ (الفضاءات) باتساع ذلك الحوار والاختلاف المشكل لذلك المشروع والمكون القار له ولتفرز بدورها (رحاب)/ (الجيل) الذي يصنع نصه المشترك معه عبر تناصية كتابية ما بين (الاب) و(الابنة) ليشكلان متن الكتاب وهامشه او فلنقل نصه ومتعاليه النصي, بدا ذلك جليا في غلاف كتابه الاخير (تأنيث القصيدة والقارىء المختلف) اذ يبدو نص (رحاب عبدالله الغذامي) التشكيلي العلاماتي نصا موازيا لكتابة (الاب) ليتم التناص ما بين (الانثى) موضوعة الكتابة في نقده الثقافي (المرأة واللغة، ثقافة الوهم، تأنيث القصيدة) والذات المرسلة للكتابة ذاتها (النص التشكيلي بفعل الانثى) لتتحول سلبيات الموضوع الى ديناميكية الذات/ المرسل، ولتنهض الانثى بعبء الكتابة بدلا من شهرزادية الحكي فيتناص الموضوع بمرسله عبر تبرعم (الفرع) الذي اقتات على تسيد (الاب).
فتظهر ثنائية البياض والسواد مشكلة للتقابل ما بين الذكر/ الانثى و الاصل/ الفرع لتبدو تلك الثنائية في التشكيلات الهندسية متداخلة مع الزخرفة النباتية لتختزل ذلك التقابل الذي يعلن تمرده عن (الاطار النصي) في لحظة ما!
واذا اعتدنا من مشاريعنا الثقافية عربيا انجازا فرديا في ظل غياب المؤسساتية فإن المشروع الغذامي صنع مؤسسته من الاصدقاء، نقرأ ذلك في مستهل كتابه (المرأة واللغة) اذ تحتفي به مدرسة البيان العربي ممثلة بالجاحظ، ومؤسساتنا العلمية ممثلة في وزارة التعليم العالي ووزيرها (معالي الدكتور خالد العنقري)، وجامعة الملك سعود واصدقاء رحلة الكتابة (د, معجب الزهراني، د, راضي السرور ، د, محمد الهدلق، د, عبدالرحمن السماعيل) ومكتبتنا الوطنية (د, امين سيدو) والمؤسسة الاعلامية (الاستاذ عبدالله السمطي) واخيرا المؤسسة الام (الزوجة والابناء) ليتفوق على اشكالية المثقف العربي المزمنة ليصنع مؤسسته بيده وليبرهن دوما على ان منجزه تراكمي البناء مؤسساتي المنجز احتفالي الثمر (بلغ كتاب المرأة واللغة رقما قياسيا في نفاد الطبعة الاولى في معرض القاهرة للكتاب 97م).
* عتبة أولى دوماً:
واذا كانت تلك المقولة التي هيمنت على مصافحته الاولى (من لم ينفعه ظنه، لم ينفعه يقينه) تنسج بظلالها المعرفي عبر الرغبة والحفر في انساقنا المعرفية فإن التساؤل/ الظن يظل سلاح المعرفة التي تسبر اغوار الحكمة، واذا كان ظننا بمشروع د, عبدالله محمد الغذامي قد نفعنا كثيرا في ماضي الايام فها هو يقيننا بمنجزه اليوم يتباهى به ويحتفل.
أسامة الملا

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved