Thursday 9th March,2000 G No.10024الطبعة الاولى الخميس 3 ,ذو الحجة 1420 العدد 10024



في كلمته لضيوف الرحمن
سماحة المفتي: الحج تحقيق للتقوى والعبودية والانقياد لأمر الله

* الرياض واس
وجه سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وادارة البحوث العلمية والافتاء كلمة بمناسبة حج هذا العام 1420ه من خلال وكالة الانباء السعودية هذا نصها,.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد سيد الانبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره باحسان الى يوم الدين,.
أما بعد,.
اخواني المسلمين يقول الله عز وجل جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس الاية سورة المائدة 97 أي قواما لهم في أمر دينهم ودنياهم فلا يزال في الارض دين ماحجت وعندها المعاش والمكاسب هذا البيت الحرام هو أول بيت وضع للناس ان أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام ابراهيم ومن دخله كان آمنا وهو في واد غير ذي زرع وضع فيه ابراهيم الخليل ابنه اسماعيل وأمه ودعا ربه متضرعا ربنا اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي اليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون .
والمعنى أنه عليه الصلاة والسلام,, دعا ربه عز وجل أن يجعل ذريته موحدين مقيمين للصلاة التي هي من أخص وأفضل العبادات الدينية ودعاه أيضا أن يجعل أفئدة أي قلوبا من الناس تحبهم وتحب الموضع الذي هم ساكنون فيه فأجاب الله تعالى دعاء خليله فأخرج من ذرية اسماعيل محمدا صلى الله عليه وسلم سيد الانبياء والمرسلين وامام الموحدين فدعا الى الدين الاسلامي والى ملة ابراهيم فاستجابوا وصاروا مقيمين للصلاة وافترض الله حج هذا البيت وجعل فيه سرا عجيبا جاذبا للقلوب فهي تحجه ولا تقضي منه وطرا على الدوام بل كلما أكثر العبد التردد اليه ازداد اليه شوقه وعظم ولعه وتوقه وجعل سبحانه هذا البلد أيضا امنا يجبى اليه ثمرات كل شيء فانك ترى مكة كل وقت والثمار فيها متوفرة والارزاق تتوالى اجابة لدعوة خليله عليه السلام وفضلا منه سبحانه على هذا البلد الحرام وأهله ومن خصائص هذا البلد أيضاً أنه بلد حرام حرمه الله ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال,, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة ان هذا البلد حرمه الله لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته الا من عرفها متفق عليه.
ومن خصائصه أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة الف صلاة فيما عداه,, فعن ابن الزبير رضي الله عنهما قال, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا افضل من الف صلاة فيما سواه من المساجد الا المسجد الحرام, وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي رواه احمد وابن خزيمة وابن حبان وإسناده صحيح وصححه ابن عبدالبر وحسنه النووي في شرح مسلم وأصل الحديث في مسلم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه بدون زيادة وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي .
وقد روي موقوفا قال ابن عبدالبر ومن رفعه أحفظ وأثبت من جهة النقل وقال أيضا بعد أن ساق الحديث مرفوعا من طريق حبيب المعلم وليس في هذا الباب عن ابن الزبير ما يحتج به عند أهل الحديث الا حديث حبيب هذا,, وقال ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه قوي ولاضعيف ما يعارض هذا الحديث ولا عن احد من اصحابه رضي الله عنهم وهو حديث ثابت لامطعن فيه لاحد.
ومن خصائصه انه لا تشد الرحال الا لثلاثة مساجد هو أحدها ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى اله عليه وسلم قال لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد,, مسجدي هذا ومسجد الحرام ومسجد الأقصى .
ومن خصائصه أن شرع الله لعباده الحج اليه وأمر خليله بتطهيره من الادناس وأعظمها الشرك بالله وأمره بالاذان في الناس ليحجوا بيت الله يقول تعالى ولله على الناس حج البيت,, وقال تعالى وعهدنا الى ابراهيم واسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود وقال عز وجل وإذ بوأنا لابراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود واذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم,, الاية.
والمنافع في هذه الآية هي منافع الدنيا والاخرة كما قال مجاهد رحمه الله وفضائل الحج كثيرة قد وردت بها النصوص فمنها الآية المتقدمة ومنها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه حين سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم,, أي العمل أفضل,, قال ايمان بالله ورسوله,, قيل ثم ماذا قال الجهاد في سبيل الله,, قيل ثم ماذا قال حج مبرور متفق عليه وحين قالت عائشة رضي الله عنها يارسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد,, قال لا, لكن أفضل الجهاد حج مبرور رواه البخاري.
واختلفت عبارات السلف في تفسير الحج المبرور فمنهم من قال الذي لا يخالطه اثم ومنهم من قال الذي لارياء فيه ولا سمعة ولا رفث ولافسوق قيل الذي لامعصية بعده,, يجمعها أنه الذي يؤدى تقربا لله وطاعة له خالصا من أدران الشرك صغيره وكبيره والبدع والمعاصي ويكون حاملا لصاحبه على احسان العمل بعده.
ومن كانت هذه صفة حجه كان مقبولا مأجورا يقول صلى الله عليه وسلم من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته امه متفق عليه وفي رواية لمسلم من أتى هذا البيت فلم يرفث الحديث وهذه الرواية أعم من التي قبلها.
والرفث,, قال ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم انه الجماع,,, والفسوق قالا انه المعاصي والحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجاه في الصحيحين.
والحج أيها الاخوة في الله واجب على كل مسلم استكمل شروطه بل هو أحد أركان الاسلام ودعائمه لقول النبي صلى الله عليه وسلم بني الاسلام على خمس وذكر منها وحج بيت الله الحرام أخرجاه في الصحيحين من من حديث ابن عمر ضي الله عنهما وقد أوجبه الله على عباده ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين وقد روى سعيد في سننه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لقد هممت أن أبعث رجالا الى هذه الامصار فينظروا كل من كان له جدة ولم يحج ليضربوا عليهم الجزية ماهم بمسلمين ماهم بمسلمين .
ووجوبه ثابت باجماع المسلمين ومعلوم بالضرورة من الدين فمن جحد وجوبه كفر ووجوبه مرة في العمر لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال,, خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ان الله كتب عليكم الحج فقام الاقرع بن حابس فقال أفي كل عام يا رسول الله قال لو قلتها لوجبت الحج مرة فما زاد فهو تطوع رواه الخمسة الا الترمذي وأصله في مسلم من حديث أبي هريرة.
وشروط الحج خمسة الاسلام والعقل والبلوغ والحرية والاستطاعة وهي الزاد والراحلة وتزيد المرأة وجود المحرم.
وينبغي للمسلم اذا أراد الحج وعزم على السفر أن يوصي أهله بتقوى الله وأن يتخلص مما عليه من حقوق الناس أو يكتب ما له وما عليه ويشهد على ذلك ثم أيضا يجب عليه التوبة الى الله عز وجل وتوبوا الى الله جميعا ايها المؤمنون لعلكم تفلحون ويقول صلى الله عليه وسلم كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون .
وعند إهلاله بالاحرام يجب عليه أن يجرد نيته لله عز وجل ولا ينوي بحجه عرضا من الدنيا فانها متاع زائل من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف اليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون,, أولئك الذين ليس لهم في الآخرة الا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون وهذا واجب في كل العبادات ومنها الحج وعند تجرد العبد من ثيابه ولبسه لاحرامه واستعداده لاداء المناسك ينبغي أن يتذكر بذلك الموت والاستعداد له وما يكون بعده.
وبعد اهلاله بالاحرام ينطلق الى البيت الحرام ويطوف بالكعبة وهذا الطواف طواف العمرة للمتمتع وطواف القدوم للقارن والمفرد.
وبعد السعي يحلق المتمتع شعره أو يقصر ثم يحل احرامه وفي يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة يذهب الحجاج الى منى ويحرم المتمتع بالحج ويبيتون تلك الليلة بمنى استحبابا ثم ينطلقون في اليوم التاسع الى عرفة بعد طلوع الشمس ويبقون بها يخطب بهم الامام أو نائبه بعد الزوال ويصلون الظهر والعصر قصرا وجمعا ثم يتفرغون لذكر الله ودعائه الى الغروب وهذا الموطن من المواطن العظيمة التي يباهي الله بالحجاج ملائكته فيوم عرفة يوم مشهود ففي صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مامن يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وانه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء .
فينبغي للحاج أن يكثر من الذكر والدعاء وخاصة قول لااله الا الله وحده لاشريك له, له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير .
وبعد الغروب ينطلق الحجاج الى مزدلفة ليبيتوا بها تلك الليلة فاذا وصلوها صلوا بها المغرب والعشاء,, المغرب ثلاث ركعات والعشاء ركعتين جمعا بأذان واقامتين ويبيت الحجاج بها تلك الليلة ويجوز للضعفة من النساء والصبيان ونحوهم الدفع الى منى آخر الليل اما غيرهم فيقيمون بها الى صلاة الفجر وبعد الصلاة يقفون عند المشعر الحرام ويستقبلون القبلة ويكثرون من ذكر الله وتكبيره والدعاء الى ان يسفروا جدا ثم يذهبون الى منى فيرمون جمرة العقبة ثم يذبح المتمتع والقارن هديه ثم يحلقون رؤوسهم ويتجهون الى مكة ويطوفون بالبيت طواف الافاضة ثم يعودون الى منى ليبيتوا بها تلك الليلة.
وفي اليوم الحادي عشر بعد الزوال يبدأ وقت الرمي فيرمي الجمرة الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى كل واحدة بسبع حصيات.
ويبيت بمنى تلك الليلة ويفعل في اليوم الثاني عشر كما فعل في اليوم قبله ويبيت بمنى تلك الليلة من اراد التأخر أما المتعجل فعليه ان يخرج من منى قبل غروب الشمس.
فاذا أنهى الحاج أعمال الحج وجب عليه طواف الوداع متى اراد مغادرة مكة.
اخواني,, ليس المقصود من الحج تلك الاعمال فقط وليس المراد مجرد اتعاب البدن أو بذل المال انما المقصود الاعظم هو تحقيق التقوى وما يحصل في القلب ويقوم به من معاني العبودية والخضوع والانقياد لامر الله وتعظيم شعائره قال تعالى: ذلك ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب ويقول جل وعلا: الحج اشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولافسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فان خير الزاد التقوى واتقون ياأولى الالباب ويقول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم ان الله لا ينظر الى صوركم ولا الى الوانكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.
اخواني الحجاج انكم قد قدمتم هذا البلد الامين طائعين لله راغبين فيما عنده فاستغلوا هذا الموسم في الازدياد من الطاعات والاكثار من القربات والبعد عن المعاصي والمنكرات احرصوا ان يكون حجكم سالما من المخالفات الشرعية حتى تكونوا ممن كتب الله له حجا مبرورا والحج ايضا فرصة للتعارف بين المسلمين وتدارس قضاياهم فان هذا هو ديدن المسلمين فانهم كما قال صلى الله عليه وسلم المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا أخرجه البخاري وغيره وقال صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
اوصيكم بتقوى الله عز وجل في السر والعلن والاجتماع على الحق وتحقيق معنى الاخوة الاسلامية وتجنبوا الشقاق والجدال فيما لافائدة فيه فانه يورث الخلاف والنزاع وتفريق صف المسلمين, عظموا هذا البلد الحرام واعرفوا له قدره وحرمته واياكم والسعي فيما يخل بأمنه أو يعكر صفو هذه الشعيرة العظيمة فان هذا من اعظم الجرم وقد توعد الله من هم بذلك ونحوه بالعذاب الاليم قال تعالى: ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم هذا فيمن اراد ولم يفعل فكيف بمن فعل والعياذ بالله, ثم ينبغي لكم حجاج بيت الله التقيد بالانظمة التي وضعتها الدولة لانها انما وضعت للمصلحة العامة تسهيلا لضيوف بيت الله حتى يؤدوا مناسكهم بيسر وسهولة آمنين مطمئنين فعلينا جميعا التعاون مع المسؤولين بالالتزام بهذه الانظمة وعدم الاخلال بها.
هذا والله أسال أن يوفقنا جميعا لما يرضيه وأن يمن علينا بفضله ورحمته ويعين حجاج بيت الله على أداء مناسكهم في أمن ويسر وسهولة ويجعله خالصا لوجهه سبحانه مقبولا مبلغا لمرضاته.
وان يوفق حكومة خادم الحرمين الشريفين ويجزيها عن المسلمين خير الجزاء على ما يولونه لحجاج بيت الله من خدمات لتسهيل أداء هذه الشعيرة وما بذلوه ويبذلونه في الحرمين الشريفين والمشاعر من مشاريع عظيمة نافعة قد لمس نفعها كل من حج أو اعتمر فجزاهم الله عن المسلمين خيرا وأعانهم وسددهم,, وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره وسلم تسليما كثيرا.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved