Monday 13th March,2000 G No.10028الطبعة الاولى الأثنين 7 ,ذو الحجة 1420 العدد 10028



الحج ركن أساسي من أركان الإسلام ورمز عظيم للتقوى والإيمان
عبدالله بن سعد الرويشد

الحج عبادة جسمية ومالية معاً، فرضه الله على المسلمين المستطيعين ليتم عليهم نعمته، ويضاعف لهم كرامته ويسبغ عليهم فضله ويمنحهم جوده ويجزل لهم عطاءه ويسكنهم عنده في جنة الخلد, لأن في الحج من التضحية والإيثار والبذل والإنفاق والتعب والإجهاد ما ليس في غيره من العبادات وأي تعب يقاسيه المتوجه إلى حج بيت الله وأي تضحية يبذلها وأي مال تسخو به نفسه وتجود به كفه ويقدمه من خالص كده وكدحه تقرباً إلى الله سبحانه, إنه يهجر بيته وفيه سعادته وراحته ويفارق أولاده وهم أنسه وبهجته ويترك أهله وهم قومه وعشيرته ويتخلى عن ماله وهو ذخيرته وعدته ويرحل عن وطنه, وفيه صفوة إخوانه ومحبيه,, كل ذلك ليجيب نداء ربه ويمتثل أمر خالقه وينفذ أحكام دينه ويرى وطن رسوله صلى الله عليه وسلم ويشاهد الحرمين الشريفين وليفر من ذنوبه وآثامه ونفسه وشيطانه وأهوائه وشهواته ومطامعه ودنياه إلى ساحة الله الولي الحميد, إلى أرض طاهرة مقدسة لم تدنسها أقذار الحضارة الزائفة حتى اليوم, ولم تلوثها أوضار المدنية حتى الآن, ولم تعتد على صفائها ونقائها وحشية الإنسان, أرض يعطرها الوحي وتسير في أنحائها الملائكة ويتقلّب في جنباتها الصالحون والأتقياء حديثهم الذكر,, ودعاؤهم التلبية وشعارهم الإحرام وتنفلهم الطواف وفرضهم السعي ووردهم الاستلام ومسجدهم الكعبة وأملهم التوبة وحاجتهم المغفرة ورجاؤهم القبول وطاعتهم وعبادتهم التأمل والتدبر أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم يقول الله سبحانه وتعالى وهو أصدق القائلين وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ألا تشرك بي شيئاً وطهّر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود هذه آية صادقة من كتاب الله يبين الله لنا فيها فضل بيته الحرام ويدعونا إلى حجه والتبرك به وليغمرنا فيه بما شاء من النفحات والبركات والرحمات والتجليات والجود والكرم والبر والإحسان والمغفرة والرضوان بيت طهّره الله وقدسه وعظّمه وكرمه وكمّله وجمّله وأحبه وأجلّه واختاره واصطفاه وعَمره بأنبيائه وملائكته وملأه بالأمن والإيمان وأودعه من قوة التأثير وأسرار الجاذبية ما عجز عن فهمه الراسخون في العلم ليكون ملجأ للقاصدين وأمانا للخائفين وأملاً مشرقاً في رحمة الله لليائسين والقانطين,, بيت تلتقي فيه المعصية بالتوبة والذنب بالمغفرة والشيطان العنيد برحمة الله الغفور الودود, بيت وضعه الله وباركته الملائكة وبناه آدم وجدده إبراهيم وعظّمه محمد وحجه الأنبياء والمرسلون وجعله الله بعد ذلك قبلة للإسلام والمسلمين يتوجهون إليه أينما كانوا ويقصدونه حيثما حلّوا,, فاجتمع له بذلك كله من معاني العظمة ومعالم الشرف وآيات التقديس والإجلال ما لم يجتمع لبيت قبله من البيوت إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين فيه آيات بيّنات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين , هلّا رأيتهم وقد خلّفوا وراءهم الأهل والأوطان, وتخلصوا من قيود الرتب والألقاب وتجردوا من الدنيا وزخرفتها وملذاتها ليغذوا أرواحهم بزاد التقوى وليرضعوها لبان الدين وليمدوها بحرارة الإسلام وقوة الإيمان ونور اليقين وليروا هنالك آثار النبوة ومعالم الرسالة ومنازل القرآن الكريم,,, ليروا هنالك تراث الصحابة والتابعين وآثار الشهداء والمجاهدين ومواقف الأبطال والمناضلين ليروا هنالك مقام إبراهيم وحجر إسماعيل والحجر الأسود والميزاب, ليروا هنالك زمزم وقد صفا ماؤها والكعبة وقد سطع نورها والركن اليماني وما فيه من روحية وإشراق,, ليروا هنالك حمام الحمى وهو آمن مطمئن والصيد هو وادع مستقر والصفا والمروة وهما من شعائر الله,, ليروا هنالك عرفات وقد ازدحمت جموعاً ومنى وقد احتشدت بروادها والمنحر وقد كثر هديه وهداياه والمزدلفة وفيها المشعر الحرام,, ليروا هنالك غار ثور وحراء ومسجد المدينة وقباء والروضة المباركة والبقيع,, ليروا هنالك مسجد الرسول وقد غمره الضياء والبهاء والتقت في ساحته الأرض والسماء وكثر في رحابه الطاهر الأنين والبكاء,, ليروا هنالك بدراً وقد عقد فيها أول نصر للمسلمين وأحداً وقد صهر المسلمين فيها التمحيص والابتلاء والحديبية وقد منع المسلمون فيها من زيارة بيت الله,, ليروا هنالك نباتاً لا يقتلعه أحد وشجراً لا يعتدي على حرمته بشر وأرضاً طاهرة يكرمها كل إنسان,, ليروا هنالك أجناساً مختلفة من الخلق وصنوفاً متعددة من الناس وأنواعا كثيرة من العادات والتقاليد,, ليروا هنالك الأقطار البعيدة والمذاهب العديدة والطوائف التي لا يحيط بها إحصاء ولا يلم بها تقدير,, ليروا هنالك الآمال المتضاربة والرغبات المتباينة والألسنة العجيبة وهي تجأر بشكواها لرب العالمين وتبثه الهموم والأحزان,, ليروا هنالك الإنسانية وقد عرت عن زخرفها وانكشفت على حقيقتها وتباعدت عن كل زيف ونفاق,, ليروا هنالك النفوس وقد طهرت من الشح والقلوب وقد برئت من الغش والإنسان وقد تضاعف أمله في رحمة الله,, ليروا هنالك العالم وقد أقبلوا على ربهم وهرولوا إلى مولاهم وأسرعوا إلى مهبط قرآنهم وبذلوا الأموال وشدوا الرحال إلى مشرق نورهم الأول ومنبع دينهم الأصيل,, ليروا هنالك الروحية المضيئة وقد هزمت المادية المظلمة والمثل العليا وقد سخرت من الإباحية البغيضة والدين الحنيف وقد صار على كل مقومات الحياة, أي غنيمة يغنمها المسلم من وراء حج بيت الله,, إنه يريض جسمه ويعمر قلبه ويثقف عقله ويحيي ضميره ويمتع روحه ويزكي نفسه ويهذب عواطفه ويملأ صدره برداً وسلاماً وطمأنينة وسكينة وسعادة ويقيناً وصدق الله العظيم سبحانه وتعالى حين قال وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فجٍ عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير، ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوّفوا بالبيت العتيق .
فإذا عاد الإنسان بعد ذلك إلى موطنه عاد وهو سليم الطوية نقي السريرة مطمئن القلب صافي الروح زكي النفس متجدد الإيمان قوي الصلة بالله لا تستهويه الدنيا ولا تستعبده المطامع ولا تسيطر عليه الأهواء والشهوات لأنه رأى مكة والمدينة وليس فيهما إلا الإسلام الصحيح والإيمان الصادق والعبادة الخالصة من شوائب الشرك والبدع والخرافات والخزعبلات وسيرى ميراث محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن الكريم والسنة الشريفة والحكمة المفيدة والعلم النافع والمساجد العامرة والحسنات الخالدة والأعمال الصالحة والمثل العليا والقيم الرفيعة والصراط المستقيم والجهاد في سبيل الله وإحقاق الحق وإزهاق الباطل وإعلاء كلمة الله وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله, ذلكم وصّاكم به لعلكم تتقون , وهذه هي الغنيمة العظيمة للمسلم الصحيح من وراء حج بيت الله, أما إذا ذهب الإنسان وهو مغلق القلب مظلم الروح جاهل العقل خبيث النفس متبلّد الإحساس ميّت الشعور والوجدان لم يتذوق شعائر الله ولم يستشعر مناسك الحج ولم تأخذه روعة المعالم النبوية ولم تهزه عظمة المشاهد الإسلامية فقد أجهد نفسه وضيّع ماله وبدد وقته فيما لا يفيد وعاد مظلماً جاهلاً مذنباً آثماً وتافهاً هيناً على الله كما كان ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب فمن حج من المسلمين إلى بيت الله بنفوس مطمئنة وقلوب مخلصة وعقول مؤمنة وأموال طيّبة لا يشوبها غش ولا يلوّنها حرام ولا يخالطها محظور فهؤلاء يكفّر الله عنهم ويضاعف حسناتهم ويرفع درجاتهم ويجزل لهم الأجر والجزاء ويدنيهم من ساحة قربه ورضاه.

إذا حججت بمال أصله دنس
فما حججت ولكن حجت البعير
لا يقبل الله إلا كل طيبة
ما كل من حج بيت الله مبرور
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حج العبد بنفقة حلال وخرج من بيته وقال: لبيك اللهم لبيك, قال له الله : لبيك وسعديك زادك حلال ونفقتك حلال وحجك مبرور غير مأزور وإذا خرج بنفقة حرام وقال: لبيك اللهم لبيك, قال له الله: لا لبيك ولا سعديك, زادك حرام ونفقتك حرام وحجك مأزور غير مبرور ), وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج وأن الحاج ليشفع في أربعمائة من آل بيته ، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

منوعـات

الركن الخامس

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

الطبية

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved