أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 22nd March,2000العدد:10037الطبعةالاولـيالاربعاء 16 ,ذو الحجة 1420

الاخيــرة

في وفْْْاة عبْْْدالوهْْْْاب ·1
الرسْْْْْالة الأولْْْْْْى :
إلى محمد الفهْْد العيسْْْْى
لا حول ولا قوة إلا بالله,, يا أبا عبدالوهاب.
إنا لله وإنا إليه راجعون!
عندما هبطت ْ أنت ْ من الطائرة التي أقلَّتك من البحرين تزلزت الأرض من تحت أرجلنا! ومادت الجبال أمام أعيننا,, واهتزت السماء من فوقنا,, كان كل شيء من حولنا يتهاوى ويتحطم,, وعندما تهدّمت ْ أنت ْ بين أذرعنا في ساحة المطار كنا كلنا نبتهل إلى الله العلي القدير أن يخفف من مصيبتك,, وأن يسدل عليك من شآبيب رحمته,, فمصيبتك ليست ككل المصائب يا أبا عبدالوهاب,, لأننا ْ أحبابك ْ نعرف موقع عبدالوهاب من وجدانك,, فعبدالوهاب كان ابنك وأخاك وصديقك ومستشارك الذي لا تستغني عن مشورته ولا تقدم عليه في هذا أحدا سواه,, حتى في مسائل الشعر يا أباعبدالوهاب,, وكنت أقول لك هذه القصيدة جميلة فلننشرها,, تقول لي: نأخذ رأي عبدالوهاب,, وكنت أقول لك هذا الديوان مكتمل فلنطبعه,, تقول لي: نأخذ رأي عبدالوهاب,, كان عبدالوهاب حاضراً دائماً معنا في كل ما نتداوله معك من قصص وحكايات كان لايغادرك ولا يفارقك,, في طفولته,, وفي صباه,, وفي شبابه,, وفي رجولته,, كان عبدالوهاب عندك ملحمة منذ أن صرخ صرخته الأولى على هذه الأرض الى أن أصبح رجلاً ملء السمع وملء البصر.
ولا أنسى عندما قلت لي ذات مساء وأنت تحدثني عن أول وظيفة لعبدالوهاب:
·كنت سفيراً في قطر، وكان لي لقاء عمل مع الملك فهد في الرياض، يوم كان وليا للعهد، كان الذي يقود سيارتي من الدوحة إلى الرياض هو عبدالوهاب، كان عبدالوهاب هو الرفيق وهو الصديق، وعندما انتهى لقائي بالملك فهد,, دخل عبدالوهاب للسلام عليه,, فسألني: من هذا يا محمد؟ فقلت: هذا عبدالوهاب وردة العمر ومعقد الأمل يا طويل العمر,, نظر اليه الملك فهد قليلا، ثم سأل الشاب المتوقد بالذكاء والحيوية: أين تعمل يا عبدالوهاب، فأجاب: أحضّر لدرجة الماجستير في جامعة نيس في الحقوق طال عمرك!, ثم التفت اليَّ الملك وقال: ارسله بكره الى الديوان يا محمد عندنا له وظيفة ومسألة الماجستير مقدور عليها ان كانت ضرورية! وفي اليوم التالي كان معالي الشيخ محمد النويصر يبحث عن عبدالوهاب! لعطيه الوظيفة ومن يومها كان أبوعبدالرحمن هو الوالد الثاني لعبدالوهاب,, علّمه,, ودرّبه,, وصقله,, فكان عبدالوهاب موضع الثقة: لم يخن فراسة الملك، ولم يخيب طموحات الأب! تدرج من الوظيفة الصغيرة حتى بلغ الكبيرة,, وكان كلما يكبر عبدالوهاب يوما تكبر معه تجربته وخبرته سنينا .
قلت لي كل ذلك ذات مساء وأنت مستغرق في أحاديثك الطويلة عن عبدالوهاب,, تلك الأحاديث التي كانت لا تزيدك إلا نشوة ليس بعدها نشوة وزهواً ليس بعده زهو,, وكنا نحن من جهتنا لا نسأم تلك الأحاديث ولا نملها: أولا لأننا مثلك نحب عبدالوهاب، وثانيا لأننا نحس بأنها متعتك التي لا تضاهيها أي متعة!
وكلما كنت تقول عنه كنا نجده بالفعل متوافرا فيه: الصدق، النقاء، الاخلاص، المثابرة في أداء الواجب، والمحبة لكل الناس,, وعن هذه المحبة حدث ولا حرج يا أبا عبدالوهاب,, فيد عبدالوهاب ظلت ممدودة بالخير لكل محتاج، وهو لا يحسد أحداً على منصب ناله، أو جاه طاله، أو مال حصل عليه، بل هو فرح دائما بكل خير يصل الى الآخرين، وهو دائماً أول المسرعين بالمساعدة، وأول المهنئين بما يتحقق من أهداف!
يا أبا عبدالوهاب!
ان مصيبتنا الكبيرة تتضاءل أمام مصيبتك الأكبر!
نحن فقدنا أخا وصديقا,, وأنت فقدت وردة العمر,, وحبة القلب,, والرئة التي تتنفس بها أجمل النسائم,, والعين التي تبصر بها أجمل ما في الأرض,, والأذن التي تستمع بها الى أحلى الأناشيد وأرقى الألحان,, والفم الذي تنطلق منه أعذب القصائد وأبهى الكلمات!
نحن فقدنا عزيزا وحبيبا,, وأنت فقدت قلبك الذي كان يعطي لحياتك معنى,, ولقولك معنى!,, ولتفكيرك معنى!
الله أكبر يا أبا عبدالوهاب!
عندما هبطت بك الطائرة التي اقلتك من البحرين,, وعندما تهدمت بين أذرعنا فوق ساحة المطار,, كان كل شيء يدور من حولنا,, الأرض تدور,, والسماء تدور,, ونحن ندور,, لم نكن قادرين على الوقوف,, ولا على الجلوس,, ولا على النوم,, ولا على الصحو,, كل شيء مُرّ,, قلوبنا مُرّة,, حلوقنا مُرّة,, عيوننا لا تقطر إلا بالمرارة التي ليست بعدها ولا قبلها مرارة.
هذا أنت,, وهذا نحن!
كلنا ْ يا أبا عبدالوهاب ْ تحت خيمة حزن واحدة,, تحت سماء من الدموع واحدة,.
لنا ولك الله!
فهو وحده القادر على أن يلهمنا من الصبر ما نحن في أمس الحاجة اليه.
ارفع يديك إليه يا أباعبدالوهاب!
هو معك ان شاء الله.
ونحن معك.
كلنا معك!
اعذرني فلم أعد قادرا على الكلام!,, ولا على التفكير,, ولا على الكتابة.
لا إله إلا الله!

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved