Wednesday 5th April,2000 G No.10051الطبعة الاولى الاربعاء 30 ,ذو الحجة 1420 العدد 10051



مع التربويين
أدب الخطاب
د, عبدالحليم بن إبراهيم العبداللطيف

الأدب الشرعي افضل وأجل وأكمل الآداب، وأصل الأدب الصحيح مراقبة الله والخوف منه والقيام بحقوقه وحقوق خلقه بنية وهمة عليّة وبكمال المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم وقوة الاخلاص لله رب العالمين قال صلى الله عليه وسلم أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقا ، والمسلم الذي تربى على مائدة القرآن يخاطب المسلمين ويعاشرهم بالخلق الجميل والمنطق السليم وبالتواضع لهم ويحب المسلمين محبة صادقة متقربا بذلك إلى الله رب العالمين، ويُميز في هذه المحبة الاسلامية بين الناس فيحب مثلا المسلمين عامة، ويحب منهم من له في الاسلام مقام جليل كالعلماء العاملين والدعاة الصادقين والمصلحين الصالحين، وولاة الأمر من المسلمين، والمسلم في خطابه ومحادثته يتكلم مع كل أحد بما يناسب حاله وفهمه وقدراته الفكرية والعقلية والعلمية، فمع العلماء بالتعلُّم ومع الجهال بالتعليم، ومع الصغار باللطف والعطف، ومع الفقراء بالرحمة والليونة والسهولة، ومع النظراء بالأدب والمروءة ولين الجانب واليسر والسماحة وعدم العسر، وكان من صحيح دعائه صلى الله عليه وسلم اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله بين يديك، والشر ليس إليك أنا بك وإليك تباركت وتعاليت ، رواه مسلم وكان يقول: اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء ، وكان يقول: اللهم كما حسنت خلقي فحسن خُلُقي وكان يقول: اللهم إني أعوذ بك من القسوة والغفلة والعيلة.
إن سماحة المسلم هي عنوان شخصيته ودليل أكيد على ما ينطوي عليه من سريرة نقية وهي فضيلة لا تتضح كاملة الرؤى إلا بالمشاركة الوجدانية وبالمعاملات الكثيرة، وقد قيل إذا أثنى على الرجل جيرانه في الحضر، وأصحابه في السفر ومعاملوه في الاسواق فلا تشكّوا في صلاحه، ان حلاوة اللسان وعذوبة البيان منة وهبة من الله يترجم بها الانسان عن سليم فطرته وصحة وسلامة تربيته، وان من اللفظ الجميل وأدب الخطاب الكريم ما يأسر العنيد، ويقرب المباعد، كما ان الفظاظة والوقاحة في المحادثة تؤدي إلى أسوأ وأقبح النتائج والعواقب، ولذا نجد الرسل الكرام عليهم افضل الصلاة والسلام تتوفر فيهم السهولة والليونة وعمق التربية الاصيلة قال تعالى مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم: فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ، إنها حقيقة الرحمة الالهية المتمثلة أصدق تمثيل في أخلاقه صلى الله عليه وسلم، وطبيعته الخيرة الرحيمة الكريمة الهينة اللينة، فهي رحمة الله الشاملة الكاملة التي شملته صلى الله عليه وسلم وشملتهم ايضا، فالناس كل الناس وكما ترشد إليه هذه الآيات بحاجة ماسة إلى رفق ولين وسهولةوعذوبة وإلى كنف رفيق رحيم وإلى عاطفة متدفقة ورعاية وعناية فائقة بحاجة إلى قلب كبير إلى قلب رحيم إلى ودٍ يسعهم وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم وحُمقهم وتقصيرهم وبشريتهم، والحياة ليست شيئا آخر غير شعور الانسان بالحياة، وشعور الانسان بالحياة حقيقة شعور حيٌ بالآخرين، وعندما يلمس الانسان الجانب الطيب والمشرق في نفوس المسلمين يتضاعف عمله وحسه وإحساسه بهم ويعمل كثيرا من أجلهم ويخاطبهم ويعاملهم بالحسنى ولين الجانب، والناس كل الناس بحاجة قصوى إلى العطف واللطف والرحمة والتجاوز عن أخطائهم وحماقاتهم وبعض اهتماماتهم أحيانا الصغيرة والحقيرة، والمسلم بخطابه وحديثه يُشعر من حوله بالعناية الصادقة بهمهم وهمومهم، والمسلم يعلم علم اليقين ان الشر ليس عميقا في نفوس الناس بالقدر الذي يتصوره البعض خاطئا وهذا الوجه المشرق والمورق في اخلاق الناس وطبائعهم يظهر كثيرا لمن يشعر الناس بمحبته لهم وقربه منهم ودنوه إليهم يأمنون جانبه يثقون في وده ومودته، والمسلم دوما وبتربيته القرآنية يُنمي في نفسه بذور وجذور الحب والعطف والحنان وبذا يرحم نفسه ويعفيها من الكثير من المتاعب والمصاعب ويمنحها الكثير من الطمأنينة والراحة وهدوء البال وصلاح الحال والمسلم الحق يخالط المسلمين وهو مشبع بروح السماحة واليسر وعدم العسر.
إن خصائص التربية الاسلامية تطبع المسلم بطابع خاص يميزه عن غيره وأعظم خاصية ينبغي ان يتزود بها الفرد المسلم وهو يواجه معترك الحياة هي الاخلاق، وقوة الارادة وصلابة الانضباط وسلامة الذوق ورقة الطبع وهي معان سامية كرستها التربية الاسلامية، والتي حولت المجتمع الاسلامي في وقت وجيز إلى مجتمع اخلاق، وذوق وانضباط, وهذا الانضباط ينبغي ان يكون رفيق المسلم في كل الاحوال، ومخاطبة المسلمين بذوق وعقل وروية واحترام مشاعرهم من الاصول الهامة والقواعد المرعية في التربية الاسلامية، انظر مثلا إلى التوجيه الكريم قال صلى الله عليه وسلم: إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث، لان ذلك يحزنه ، ولم يكن الناس في يوم من الايام احوج إلى التربية الاسلامية وإلى أدب الخطاب بالذات من حالهم اليوم حيث تنكر الكثير لهذا الادب الرفيع، فأنت ترى وتسمع وفي مواقف عدة من لا يحسنون الأدب في كتاب ولا خطاب ولا يضبطون عواطفهم ومشاعرهم في حديث وكثيرا ما نشأت عداوات وخصومات ومفارقات لأتفه الاسباب والتربية المثلى في القرآن الكريم ترسم الطريق القويم في ذلك قال تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً .
ويأمر القرآن دوما ويؤكد وجوب التزام القول الطيب والمنطق الحسن فيقول: يا أيها الذين آمنو اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا .
كما يوجه إلى ان يكون اسلوب الدعوة بالرفق واللين والحصافة واللطف ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن .
وقد أرشد القرآن الكريم الأمة كثيراً إلى ادب الخطاب في اكثر من مناسبة ارشدهم كما يقول العلماء إلى لطيف التعريض والتلميح الدقيق حتى مع أعداء الملة وخصوم الشريعة مُرشداً إلى أدب الحوار وأسلوب النقاش الجيد المفيد قال تعالى: وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين وكقوله تعالى: فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى والقرآن الكريم الذي كرم المرأة وأنصفها ورفع شأنها وأزال ما لحق بها من غبن جاهلي، لم يصرح باسم امرأة لان مقام سترها وتحذيرها لا يناسبه في أدب الخطاب الجيد ذكر اسمها فنجد القرآن الكريم مثلا يقول قالت امرأة العزيز ومن الممكن ان يصرح باسمها فيقال مثلا زليخا وقال في آية اخرى ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط ومن السهل جداً ذكر اسميهما وقال في موضع آخر وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون .
إلا إذا كان هناك حاجة داعية أو مصلحة راجحة كما قال عز شأنه عن عيسى عليه السلام وأمه ويقول العلماء وإنما ذكر اسم مريم لأن الناس قد قالوا والعياذ بالله او بعضهم ما قالوا في شأن عيسى، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، فرد الله عليهم كذبهم وفريتهم بتحديد أمه، ولأن عيسى لا والد له فكان واجباً ان يقال عيسى بن مريم ، وفي أدب القرآن العالي وأعني أدب الخطاب نجده لم يصرح عن الوطء والجماع، لان هذا لا يناسب ذكره صراحة غالبا خاصة في مجالس الكرام ولذا نجد القرآن الكريم يستعمل أسلوب الكناية ففيه لدى الكرام كفاية ولذا كنى عنه بعدة كنايات فنجده تارة يقول: أو لامستم النساء ، ومرة يقول أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهم ، يا له من تعبير وأحيانا يقول: فلما تغشاها حملت حملاً خفيفاً فمرت به وأحيانا يقول: ولاتباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ومرة يقول: من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ، وهكذا تتبع العلماء الثقات اسلوب القرآن وأدب الخطاب فيه فبنوا على ذلك قاعدة مثلى للتخاطب بين الناس غير مسبوقة ولا ملحوقة وهي كلها تعطي وتوحي إلى المسلمين عامة ان يكونوا دوما وفي خطاباتهم ومحادثاتهم على منهج القرآن وهدي سنة محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان خلقه القرآن والمسلم في خطابه وكتاباته ومحادثاته مطلوب منه ان يكون عف اللسان واضح البيان سهل العبارة نزيه الكلمة والاشارة دائما يتحفظ ويترفق ويبحث عما يجمع ولا يفرق، والقلم كما هو معروف احد اللسانين، وخاصة في مثل هذا الوقت الذي فَشَى فيه القلم وأصبح أهم اداة للتخاطب بين الناس قال بعض التربويين وأجاد ما رأيت كاللسان يجمع المتناقشات فهو عند الحصيف اللبيب العاقل المجرب المؤدب آلة من آلات الخير والبر والمعروف والاحسان، ومركز جيد من مراكز الفلاح وبلوغ المراد، وهو عند الوقح السفيه الفيه العنيد البليد عقرب خبيثة مخيفة تنهش من تنال ثم تعود على صاحبها فتورده المعاطب والمهالك وصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حيث قال: (وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم).
والإيمان القوي لدى التربويين يلد الخلق القوي، وقوة الخلق تتجلى برحمة من يستحق الرحمة واحترام من يستحق الاحترام وهو طاقة مجدية عاصمة من الدنايا دافعة إلى المكرمات ومن لا يملك هذا الخلق القويم فتربيته ناقصة أو قاصرة والحياء والإيمان قرناء إذا رفع أحدهما رفع الآخر، ومن هزل او ضعف إيمانه ضعف خلقه وساء نطقه ومنطقه، وإن الله يبغض الفاحش البذيء، والخلق الإسلامي عند التربويين المسلمين، إنساني الاتجاه رباني التوجيه، إنه أدب في الحديث والكتابة والمخاطبة بوجه عام، ادب في التعامل قائم على الفضيلة التي حددها الإسلام، وإنما قال التربويون إنه رباني التوجيه لأنه قواعد دقيقة ضابطة لسلوك الفرد والجماعة بما يتخلق به المسلم وما يصدر عنه والمسلم دوما قوّام على الخير يصونه ويوصي به، أيها المعلم المسلم دين الإسلام والتربية الإسلامية ايجابية في رحمة الصغار والضعفة والطلبة بوجه عام، كما أنها إيجابية في احترام الرؤساء والزملاء وولاة الامر من المسلمين، والمدرس الكفء لطيف رحيم شفيق ودود واسع العقل عميق الفهم صلب العقيدة قوي الإيمان غني النفس ثابت الجنان متين الخلق غزير العلم.
إن أدب الحديث وجمال الخطاب خاصة مع الشباب والطلاب تقوي عزمهم وعزيمتهم وتسري عنهم وتزيل عنهم الكثير من الملل والسأم، والوثيقة التربوية المثلى في هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق .
والله الهادي والمعين.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

نوافذ تسويقية

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved