Wednesday 5th April,2000 G No.10051الطبعة الاولى الاربعاء 30 ,ذو الحجة 1420 العدد 10051



السيرة الذاتية: الحد والمفهوم
أحمد علي آل مريع

4 المذكرات: Memoires:
يذكر دانيال كايزر غروبر أن مفهوم المذكرات ليس مفهوماً لكل العصور .
ويؤكد على ذلك في موضع آخر من مقالته العلمية المذكرات فيقول: لقد توقفت المذكرات عن أن تكون مصطلحاً متجانساً ، ولعله يقصد بذلك أنه يصعب على الدارس ايجاد مفهوم موحد لمصطلح المذكرات لأنه مما شاع استخدامه منذ فترة طويلة، ،أعيد تشكيله وفهمه بصورة مختلفة على امتداد العصور مما يجعله مصطلحاً غير متجانساً، وبالتالي فقد اتجه في مقاله إلى تتبع ملامح هذا المصطلح من خلال الوقوف على الأعمال في كل عصر وقوفاً اجمالياً، ورصد التحولات المختلفة التي تطرأ عليه في كل مرحلة من مراحل التغيير, إلا أنه يمكن أن نقدم مفهوماً مختصراً له بتعبير دانيال كايزرغروبر يقول: من يقول: مذكرات إنما يعني نظرة إلى الوراء، أو على الأقل نظرة خارج النفس للبحث عن شهادة حول حقيقة زمنية، التاريخ: فردياً أو جماعياً، أو تسلسل الأحداث ، أي أنها وجه من أوجه التاريخ يُروى بواسطة غير موضوعية ولا محايدة واسطة ذاتية , أما جبور عبدالنور فيتجه مباشرة إلى ربطها بالكاتب نفسه حين يصفه فاعلاً له دوره البارز في تكوّن الأحداث التي يرويها، وليس مجرد شاهد عليها فحسب، يصف المذكرات فيقول: سرد كتابي لأحداث جرت خلال حياة المؤلف، وكان له فيها دور بارز، أو كان له حظ مراقبتها وملاحظتها عن قرب، ومعايشتها عن كثب مما يتيح لصاحبها فرصة الكتابة عنها ومتابعة التاريخ لها ، فهي بهذا: نظرة إلى الخارج، ترصد الأحداث وتسجلها.
وكاتب المذكرات إذن لا يكتب أدباً بالدرجة الأولى، ولكنه يقص تاريخ عصره ومجتمعه من خلال رؤيته وتقويمه للأحداث، ولكنه يختلف عن المؤرخ الذي يتعامل مع الحقائق من وجهة نظر موضوعية، ولذا فإن كثيراً من المذكرات التي يكتبها الساسة والقادة ليس تأريخاً بقدر ما هو تبرير لاحداث سيئة يريدون التخلص من مسؤولياتها، ويؤكدون في المقابل لأنفسهم المنجزات التي تمت بنجاح.
والشائع لدى الباحثين وفي المعاجم الأدبية انهم يضعون المصطلح اللاتيني Memoir memoires مقابلاً لكلمة مذكرة مذكرات , غير أن الأستاذ الحيدري يذهب إلى استعمال المصطلح جورنال Journal بدلاً عنه، معتمداً على رأي للدكتور القويفلي حيث يقول: بعضهم يضع مصطلح Memoir مقابلاً ل مذكرات غير اني رأيت أنسب ترجمة لمصطلح Memoir هي ذكريات لأنها تقوم أساساً على استحضار الأحداث من الذاكرة لا على نص مكتوب, وأبقيت على مصطلح مذكرات مقابلاً لمصطلح Journal لأن مصطلح مذكرات يحمل على الأقل جانباً رئيسياً من دلالة المصطلح الانجليزي، أعني تسجيل الأحداث حال وقوعها، والانطباعات وقت الإحساس بها , والحقيقة أن Journal فيها معنى المتابعة الدقيقة للأحداث يومياً وبصفة دورية، وهو ما لا يتوفر في المذكرات حقيقة وواقعاً ولغة أيضاً, هذا إلى أنه يصعب جداً التخلي عن المصطلح اللاتيني أو مقابله العربي وقد ارتبط كل منهما بالآخر واستقر في وعي الدراسات والبحوث والترجمات المعاصرة، ولذلك آثرت الابقاء على المصطلح كما هو دون تغيير لعدم جدوى ذلك.
ويقسم إبراهيم الكيلاني المذكرات تبعاً لمظاهر الحياة الثلاثة، إلى ثلاثة أقسام:
1 الأفعال: ويقابلها المذكرات التاريخية.
2 الأفكار: ويقابلها المذكرات الوثائقية.
3 العواطف: ويقابلها المذكرات الشخصية.
وكثيراً ما يختلط الأمر بين الدارسين والباحثين، فيستعملون المذكرات والسيرة الذاتية بصفتهما مصطلحين مترادفين, والأمر ليس وقفاً على الدارسين العرب بل إن الغربيين أنفسهم يقعون في الخلط نفسه ويعترفون بصعوبة التفريق القطعي والحاد بين الشكلين أحياناً، ويذكر الدكتور الغامدي انه بالرغم من ذلك فإنهم يضعون معياراً عاماً ومهماً في الوقت نفسه للتفريق بينهما، ففي السيرة الذاتية الصرفة يركز الكاتب على الذات، على حين أنه في المذكرات ينصب اهتمام الكاتب على الآخرين من حوله.
وإلى الاتجاه نفسه ينحو بعض الدارسين العرب في التفريق بينهما، فيشير عبدالنور في معجمه إلى ان المذكرات تختلف عن السيرة الذاتية بأنها تختص العصر وشؤونه بعناية كبرى يقول الأستاذ علي عبده بركات: الفرق بين الشكلين يرجع إلى ما يحويه من كشف كاتبه عن ذاته في المذكرات، إلا أن الأولوية فيما يعرض الكاتب هي التي تحدد سمة العمل، أهي التركيز على دخيلة نفسه، أم على الأحداث الخارجية؟,, .
وفي عبارة أوضح يدعو د, نبيل راغب إلى عدم الخلط بين السيرة الذاتية والمذكرات على أساس انهما نوع أدبي واحد ويؤكد على أنه: يجب ان نفرق بينهما على أساس استخدام كل منهما للشخصية والأحداث المحيطة بها, فالمذكرات تركز أساساً على الشخصيات والأحداث، في حين تلتزم شخصية الكاتب بالتسجيل والتوضيح لما يدور حولها، أو ما يدور داخلها فيظل في الظل، ولذلك تبدو بعض المذكرات وكأنها تسجيل لاحداث تاريخية تصادف ان شهدها كاتبوها, أما السيرة الذاتية الحقيقية فعبارة عن سرد متماسك منطقي لحياة الكاتب، مع التركيز على التأملات والانطباعات ذات الأبعاد المختلفة .
فالمذكرات هي التي يُعنى فيها صاحبها بتصوير الأحداث والوقائع التاريخية أكثر من تصوير واقعه الذاتي أما كاتب السيرة الذاتية فبعكس ذلك تماماً, ومن أشهر المذكرات في أدبنا العربي: مذكرات الشيخ محمد عبده، ومذكرات أحمد شفيق باشا في نصف قرن، ومذكرات محمد كرد علي، ومذكرات عبدالله بن الحسين، ومذكرات المجالي، ومذكرات سعد زغلول، ومذكرات محمد فريد، ومذكرات محمد حسنين هيكل، ومذكرات حسن البنا، ومذكرات أنور السادات، ومذكرات النشاشيبي، ومذكرات الحاجة زينب الغزالي، وفي أدبنا السعودي: مذكرات طالب لحسن نصيف، ومذكرات خلال قرن من الأحداث لخليل الرواف.
5 اليوميات/ اليوميات الخاصة:
Diary /Private Diary
اليوميات سجل للتجربة اليومية يكتبها صاحبها يوماً بيوم، ويدون فيها ملاحظاته بالنظام الذي وقعت به الأحداث التي شاهدها أو كما رويت له من شهود عيان، ويسجل كاتبها اتجاهاته إزاء الأحداث التي تتلاحق بسرعة متزايدة، ويرتبها ترتيباً زمنياً قد يكون متسلسلاً أو متقطعاً حسبما تيسر له, أما الدافع إلى كتابتها فيكمن في رغبة الإنسان في أن يسجل اتجاهاته الدائمة التغير في عصر تجري فيه الأحداث بسرعة متلاحقة.
وفي الوقت الذي يعد فيه بعض الباحثين اليوميات أكثر امتاعاً وتكاملاً من الناحية الموضوعية، اذا ما قورنت بالرسائل التي تكتب في فترات متباعدة وتكون رداً على رسائل أخرى، لأن اليوميات حُرة طليقة من هذا القيد فتسجل احداث الأيام بصغائرها ودقائقها كلها في فترات متقاربة، مما يسد كثيراً من الفجوات التي يحفرها الزمن في الرسائل, وكثيراً ما تطبع اليوميات روح التحليل إلى جانب التسجيل، واليوميات من أطرف الأنواع الأدبية وأمتعها لما فيها من عمق الإحساس بالزمان والمكان، في الوقت نفسه يرى آخرون اليوميات أقل تماسكاً بحكم طبيعتها وأقل اعتماداً على التأمل التحليلي للاحداث، وأنها تفتقر إلى التطور الذي يحكي نموذجاً معيناً أو التواصل القصصي والحركة الدرامية نحو ذروة ما، وان ما تحققه من تواصل انما يتم بصورة متقطعة وبدون تخطيط واع.
والحق ان لهذا النهج في تسجيل الأحداث حسناته وسيئاته وليس الأمر وقفاً على ما ذكر آنفاً، بل إن هناك حسنات أخرى لهذا اللون الأدبي إذ يمتاز بالمقدرة الآلية على متابعة المواقف حال حدوثها، ويعين الكاتب على ألا ينسى الوقائع، ويزخر بالتفاصيل المتباينة، وتصوير قطاعات من المجتمع أو حقبة من الزمن بكل دقة، ويساعد على تبين ملامح الشخصية وكشفها من خلال ما تسوقه من تعليقات وما تثبته من انطباعات وآهات مهما بدت عادية أو ساذجة.
كما أن هناك سيئات أخرى غير ذلك وهي: أنها تقترب من التاريخ، وأن ما تتصف به من الطبيعية اليومية التسجيلية يشغل الكاتب عن أمر التدقيق والمراجعة، والتمحيص والتثبت مما كتبه في حينه، كما يفقدها جانباً كبيراً من جمال الصياغة وفنية التصوير وحياكة المواقف والأحداث حياكة درامية منظمة.
والأصل في اليوميات أن تكون خاصة بصاحبها: Private Diary يستعين بها في كتابات أخرى ك:الرحلات، والقصص، والتاريخ للحياة,, بشكل أكثر تنظيماً واستيعاباً للتفاصيل في رؤية شاملة وواعية، وما ذلك إلا لأنها أعجز من أن تقف وحدها على قدميها لضعف المادة ونضوب الحيوية فيها, وقد يفيد الباحثون وكتاب السير منها حين تقع تحت ايديهم لا سيما حين يودون التأريخ لما أهمله التاريخ بالنسبة لكبار الأدباء والمفكرين بعد رحيلهم، تبصرهم بفلسفة المؤلف الابداعية اذا كانت اليوميات مما عنيت بالأعمال الأدبية والفنية مثل كوتو الذي سجل يوميات فيلم من بدايته حتى آخر لقطة فيه، وسومرست موم الذي دون ملاحظاته اليومية أثناء ممارسته للخلق الأدبي.
ولكن المؤلف قد ينشر يومياته الخاصة اذا اشتملت على آراء خاصة أو وصف أحداث قد تهم الناس، فتفقد حينئذ خصوصيتها لأنها أضحت ملكاً للتاريخ، ويصطلح عليها بها بيوميات: Diary .
ومن أشهر اليوميات في الأدب العالمي: يوميات ايفيلين ، يوميات صمويل بيبس ، يوميات اندريه جيد، يوميات دانيل ديفو، أما في الأدب العربي ف: يوميات نائب في الأرياف لتوفيق الحكيم.
ولم يعرف العرب مصطلح يوميات ولكنهم عرفوا مصطلح روزنامجة ويعد كتاب: الروزنامجة للصاحب بن عباد ت 385ه أقدم ما وصل إلينا من كتب تحمل هذا المصطلح, وهناك كتاب الروزنامجتان للباخرزي ت 467ه الذي نشر مؤخراً تحت عنوان يوميات أديب,, نص في السيرة الأدبية من القرن الخامس الهجري .
وقد وصف أحد النقاد هذا الكتاب بأنه لون جديد يسجل للأدب العربي تاريخاً لهذا الفن الذي تطور فأصبح مذكرات أو سيرة ذاتية على ما نصطلح عليه اليوم .
وقد توسع المحدثون كثيراً في استعمال اليوميات فأصبحت في عُرف الصحف والمجلات: المقال الرئيسي في الجريدة يتناوب في كتابته المشاهير من الكتاب، ويتضمن فقرات أدبية واجتماعية واحياناً سياسية بعيداً عن حياة الكاتب الخاصة ومشاهداته اليومية التي تسجل لحظة بلحظة كما هو المعنى الدقيق للمصطلح لدى المشتغلين بالسيرة الذاتية، من ذلك يوميات العقاد التي بدأ بنشرها في 14 ديسمبر 1953م وجمعت فيما بعد تحت هذا العنوان، ومثل يوميات يوسف السباعي التي تبدأ بيوم 12 ابريل 1959م.
6 المفكرة اليومية:
Journal/ Journal in Time:
هي كاليوميات إلا أنها تركز إلى حد كبير على الحياة الداخلية للكاتب وتستبعد غالباً الأحداث خارج أحلام اليقظة أو تأملات ذاكرة وخيال المؤلف، أي أنها تستخدم قدراً أكبر من التأمل الشامل والتسجيل الموضوعي من اليوميات، التي تسجل الاحداث بأسلوب ميكانيكي إلى حد كبير، وهي بهذا المفهوم أكثر ذاتية ولصوقاً بكاتبها ودلالة عليه من اليوميات، مثل كتاب والدون لهنري دافيد ثورو، حيث جاء احتفالية غنائية بالعزلة البريئة أكثر من كونه تسجيلاً لوقائع واحداث يومية، التي اهتمت بتطوير مهارته الفنية وليس بحياته الخاصة.
رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

نوافذ تسويقية

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved