Wednesday 5th April,2000 G No.10051الطبعة الاولى الاربعاء 30 ,ذو الحجة 1420 العدد 10051



وقفات قبل الفوات

أخي الحبيب لعلك تأملت في هذا العام وهو يطوي صفحاته الأخيرة مستأذنا بالخروج من حياتك نعم يا أخي ما هي الا فترة قصيرة وتودع عاما بأيامه وساعاته ودقائقه انه بمثابة ضيف عزيز حل عليك فذهبت وتركته فلما عدت لتكرمه وتضيفه استأذنك بالرحيل، فما أعظمها من خسارة ان كنت لم تودع في تلك الأيام أعمالا صالحة, يقول الحسن البصري رحمه الله يا ابن آدم إنما أنت أيام مجموعة كلما ذهب يومك ذهب بعضك ، وقال طيفور البطاني: إن الليل والنهار رأس مال المؤمن ربحها الجنة وخسرانها النار .
وحتى لا اطيل عليك سأقف معك هذه الوقفات.
1 ما رصيدك؟:
لا يعجب الانسان من انقضاء الأيام وانصرام الأعوام ولكن العجب العجاب أن تخرج هذه اللحظات من رصيدك وأنت لم تكسب منها شيئا الا الندم والحسرة، وقد يكون ندمك على دنيا ضيعتها وتجارة خسرتها.

والوقت أنفس ما عنيت بحفظه
وأراه أهون ما عليك يضيع
قال صلى الله عليه وسلم: ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه رواه الترمذي وأحمد، وروي في الزهد لابن المبارك أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حدثوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة في الخير ما أعطى كافرا شيئا .
قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي يقول أحد الوعاظ:

تمر ساعات أيامي بلا ندم
ولا بكاء ولا خوف ولا حزن
سفري بعيد وزادي لا يبلغني
وقسمتي لم تزل والموت يطلبني
ما أحلم الله عني حيث أمهلني
وقد تماديت في ذنبي ويسترني
أخي الحبيب
قبل أن تودع هذا العام ما رصيدك أهو الحسنات والطاعات أم المعاصي والسيئات؟
واعلم جيدا ان كل ما تتلفظ به أو تعمله ستجده في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها.
قال تعالى: ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا , الكهف 49 .
2 كفى بالموت واعظاً:
لعلك لا ترغب أن تكدر صفو أمانيك وشفافية خواطرك ورقة أحلامك بذكر الموت الذي هو نهاية كل حي، ولكن أرى أن الحديث في هذه الساعات عن الموت أمر مهم فأذن لي أخي الحبيب أن أحدثك عن مرحلة من مراحل الحياة والتي لا يحيط بأسرارها علما إلا الله سبحانه وتعالى، يموت الطفل في براءته، والشباب في قوته، والشيخ العجوز في ضعفه وهزاله، يموت السلطان في ملكه والابن في حضن أمه، والعروس في ليلة زفافها والفاسق وهو يتعاطى معصيته ويموت المجاهد وهو شاهر سيفه رافع جبينه، والمصلي وهو ساجد لله، الكل يموت ويقدم على ما قدم ان خيراً فخير وان شراً فشر.
وليس المجال مجالاً لبيان حقيقة الموت وانما المجال مجال اتعاظ واعتبار فكم عرفت من الناس والأقارب والأصدقاء ممن توفاهم الله هذا العام وكتب لك أن تبقى بعدهم ليكون موتك في زمن قادم ولا ندري ولا تدري أهو هذا العام الجديد أم زمن بعده.

إنا لنفرح بالأيام نقطعها
وكل يوم يمضي يدني من الأجل
قال شميط بن عجلان: الناس رجلان، فمتزود من الدنيا ومتنعم فيها فانظر أي الرجلين أنت؟
وكان يزيد الرقاشي يقول مخاطبا نفسه: ويحك يا يزيد من ذا الذي يصلي عنك بعد الموت؟ من ذا الذي يصوم عنك بعد الموت؟ من ذا الذي يرضي ربك عنك بعد الموت؟ ثم يقول: أيها الناس الا تبكون وتنوحون على أنفسكم باقي حياتكم,, ويا من الموت موعده والقبر بيته والثرى فراشه والدود أنيسه وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر كيف تكون حاله؟؟؟

ترحل من الدنيا بزاد من التقى
فعمرك أيام وهن قلائل
3 من هنا فابدأ:
من هذه اللحظة التي تقرأ فيها هذه الكلمات اعزم على التوبة الصادقة وفتح صفحة جديدة وتمزيق جميع الصفحات السوداء.
عاهد ربك الجبار الا تهتك لمحارمه ستاراً ولا تسمح للشيطان ان يقودك الى دوامة التسويف فتؤخر التوبة وتقول اذا حصلت على كذا وكذا فسوف أتوب فمن يضمن لك الحياة حتى تصل الى ما تريد؟
فابدأ أخي الحبيب حياة السعادة والراحة والطمأنينة وانبذ حياة التعاسة والشقاء والكسل، ابدأ ولا تفكر في كثرة ذنوبك فربك واسع المغفرة ويقبل التوبة, قال الله تعالى: ورحمتي وسعت كل شيء , ويقول صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له , وروى الطبراني في الكبير والحاكم عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: قال الله تعالى: من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي ما لم يشرك بي شيئا , ولأن أمر التوبة عظيم فقد ذكر أهل العلم شروطا لها.
1 الاقلاع عن الذنب فورا.
2 الندم على ما فات.
3 العزم على عدم العودة.
4 ارجاع الحقوق الى أهلها أو طلب البراءة منهم.
وأختم بهذا الموقف العظيم لهذا الشيخ الكبير الهرم الذي سقط حاجباه على عينيه وهو يدعم على عصا حتى قام بين يدي رسول الهدى صلى الله عليه وسلم فقال أرأيت رجلا عمل الذنوب كلها فلم يترك منها شيئا وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة الا أتاها، فهل لذلك توبة؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: فهل أسملت؟ قال أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله قال: تفعل الخيرات وتترك السيئات فيجعلهن الله خيرات كلهن، قال: وغدراتي وفجراتي، قال: نعم، قال: الله أكبر فما زال يكبر حتى توارى,
أسأل الله العلي العظيم أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال وأن يجعل ما استقبلنا من أيام خيرا مما استدبرنا انه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
متعب محمد الرشود

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

نوافذ تسويقية

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved