Thursday 6th April,2000 G No.10052الطبعة الاولى الخميس 1 ,محرم 1421 العدد 10052



الولايات المتحدة بين تيمور الشرقية وكشمير
د, عبدالله بن فهد اللحيدان

عندما اضطرت الولايات المتحدة الى انهاء سياسة العزلة التي حكمت سياستها الخارجية طوال القرن التاسع عشر وتدخلت في الحرب العالمية الاولى لمنع سيطرة المانيا على قارة اوروبا، اعلنت على لسان رئيسها في ذلك الوقت المبادىء التي ستحكم سياستها الدولية الجديدة, لقد عرفت هذه المبادى الاربعة عشر باسم مبادىء ودرو ويلسون الرئيس الامريكي في ذلك الوقت، وكان واحدا من اهم هذه المبادىء هو حق الشعوب في تقرير المصير, لقد نتج عن الحرب العالمية الاولى انهيار عدد من الامبراطوريات وتحرر الكثير من الشعوب, وطالبت الولايات المتحدة بصفتها احدى القوى التي ساهمت بانهيار تلك الامبراطوريات بمنح هذه الشعوب حق تقرير المصير.
ورغم عودة الولايات المتحدة الى سياسة العزلة نتيجة لرفض الكونغرس الموافقة على الانضمام الى عصبة الامم، الا ان مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير ظل احد مبادىء السياسة الخارجية الامريكية بعد استئنافها لسياستها الدولية مع نشوب الحرب العالمية الثانية وبعدها, وطوال الحرب الباردة كانت الولايات المتحدة تعلن ان حكم الاحزاب الشيوعية في دول اوربا الشرقية التي حررها الاتحاد السوفيتي من الاحتلال الالماني كان مفروضا على شعوب تلك الدول وبعد انهيار الشيوعية وانتصار الولايات المتحدة في الحرب الباردة اعلنت الولايات المتحدة عن قيام نظام عالمي جديد يقوم على احترام حقوق الانسان بما فيها حق الشعوب في تقرير المصير واعطاء الامم المتحدة من خلال مجلس الأمن حق استخدام كل الوسائل من عقوبات وحظر وحتى استخدام القوة لحماية مبادىء النظام العالمي الجديد القائم على العدل واحترام قواعد القانون الدولي.
لكن المراقب للسياسة الدولية يلاحظ عدم صدق وعدالة النظام العالمي الجديد، ولنأخذ على ذلك حالتين من تعامل هذا النظام العالمي الجديد مع قضايا حق الشعوب في تقرير المصير, الحالة الاولى هي حالة تيمور الشرقية وهي جزء من اندونيسيا ووقعت تحت الاحتلال البرتغالي مثل بقية اجزاء اندونيسيا في بداية القرن السادس عشر, لكن الهولنديين استطاعوا الظفر باندونيسيا وطرد البرتغال منها باستثناء شرق جزيرة تيمور التي ظلت قاعدة للبرتغاليين, ومع بدء الحرب العالمية الثانية استطاعت اليابان احتلال اندونيسيا وطرد الهولنديين منها الا ان اليابان نفسها انهزمت في الحرب العالمية الثانية بعد القاء القنابل النووية عليها مما مهد لاستقلال اندونيسيا لكن تيمور الشرقية ظلت قاعدة برتغالية, وفي العام 1975 قررت البرتغال الانسحاب من تيمور الشرقية وبعد فشل المحادثات بين جاكرتا ولشبونة لتسليم تيمور الشرقية لاندونيسيا على اساس انها امتداد اقليمي لاراضيها دخلت القوات الاندونيسية تيمور خصوصا مع وقوع اضطرابات بين اهاليها والخوف من سيطرة الشيوعيين على البلاد, ورغم صدور قرار من الامم المتحدة بمنح التيموريين الشرقيين حق تقرير المصير الا ان الولايات المتحدة لم تعبأ بذلك خوفا من تحول شرقي تيمور الى قاعدة للمد والنفوذ الشيوعي, لكن مع سقوط الشيوعية زالت مخاوف الولايات المتحدة وعادت لتكتشف حق تيمور الشرقية بتقرير المصير وخصوصا لكون اغلبية سكان تيمور الشرقية ممن نجحت البرتغال في كثلكتهم وادخالهم الدين المسيحي, وقد استغلت الولايات المتحدة زعيمة النظام العالمي الجديد الظروف الاقتصادية التي مرت بها اندونيسيا وحاجتها لقروض ضخمة من صندوق النقد الدولي ومن البنك الدولي للانشاء والتعمير اللذين للولايات المتحدة فيهما ثقل كبير واشترطت منح تيمور الشرقية حق تقرير المصير وقد تم منح تيمور الشرقية حق الانفصال عن اندونيسيا بسرعة هائلة وبإجراءات متعجلة لم يحافظ فيها على المصالح الأمنية لاندونيسيا او لحقوق المسلمين من سكان تيمور الشرقية, القضية الثانية هي كشمير، حيث تم الاتفاق قبل الانسحاب البريطاني من شبه الجزيرة الهندية على تقسيم الهند الى دولتين اسلامية وهندية, كان معيار ضم هذا الاقليم او ذاك الى الدولة الاسلامية او الدولة الهندية هو السكان: فاذا كان غالبية السكان من المسلمين ضم هذا الاقليم للدولة الاسلامية والعكس صحيح, وكان غالبية سكان كشمير 80% تقريبا من المسلمين لذا فمن المفترض ضمها للدولة الاسلامية، الا ان عائقا وقف امام ذلك وكان ذلك العائق يتمثل بوجود عائلة مالكة هندوسية تحكم هذا الاقليم وتتمتع بالحماية البريطانية بموجب معاهدة بين الطرفين, وبالرغم من وجود حاكم مسلم لاقليم حيدر اباد الا ان هذا الاقليم ضم للدولة الهندية لان اغلب سكانه من الهندوس، لكن ذلك لم يطبق في كشمير، وانسحبت بريطانيا من الهند دون الوصول الى حل نهائي لقضية كشمير, وعلى اثر الانسحاب البريطاني قامت قبائل الباتان المسلمة بالدخول الى كشمير لضمها لباكستان، فما كان من ملك كشمير الذي كان يفضل الاستقلال الا ان استنجد بالحكومة الهندية والتقت القوات الهندية والباكستانية عند خط يقع في منتصف كشمير تقريبا، ثم قبلت الحكومتان وقفا لاطلاق النار الى ان يبت في قضية كشمير بشكل نهائي.
وقد صدر قرار من الامم المتحدة نهاية العام 1948 يقرر حق سكان الاقليم في تقرير المصير، الا ان الهند ظلت تسوف وتختلق الاعذار لعدم تنفيذ هذا القرار، واستفادت الهند كثيرا من ظروف الحرب الباردة لمنع منح كشمير حقها في تقرير المصير, ومع سقوط الاتحاد السوفيتي الحليف التقليدي للهند، تفاءل الكشميريون بقرب حل قضيتهم، خصوصا مع قيام النظام العالمي الجديد برعاية الولايات المتحدة الذي قام لحماية مبادىء العدل والقانون الدولي, لكن يبدو ان للولايات المتحدة حسابات اخرى فبدلا من الضغط على الهند بقبول حق شعب كشمير في تقرير المصير نلاحظ ان الرئيس الامريكي في زيارته الاخيرة لدول شبه القارة الهندية يروج لفكرة قبول خط وقف اطلاق النار وتقسيم كشمير كحل نهائي لهذه القضية, ويبدو ان الذي يحكم القرار الامريكي ليس مبادىء العدل والقانون الدولي بل حسابات جديدة تتعلق بمستقبل الهند وامكانية بروزها كقوة سكانية واقتصادية هامة بالاضافة الى اهميتها لموازنة النفوذ الصيني في آسيا, وهنا تضيع قضايا الحق والعدل وسط حقائق السياسة الدولية القائمة على المصالح والقوة.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون مسرحية

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

لقاءات

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved