Friday 7th April,2000 G No.10053الطبعة الاولى الجمعة 2 ,محرم 1421 العدد 10053



في ندوة للدكتور جابر عصفور
أبرز متغيرات الثقافة العربية تعدد العواصم الثقافية والفضائيات والعولمة
تفكك المركزية وانتشار الفضائيات ساعد على نوع جديد من الحوار الثقافي

يشهد الواقع الثقافي العربي العديد من المتغيرات التي اسهمت في العديد من التحولات سواء التي طرأت على الرؤية الثقافية لهذا الواقع او التي طرأت على شخصية المثقف العربي ذاته وربما تكوينه الثقافي، وهذه المتغيرات لا تبدأ باختفاء المركزية الثقافية او العاصمة الثقافية الوحيدة والنزوع لتعددية العواصم والمراكز ولا تنتهي هذه المتغيرات بالطبع عند ظاهرة العولمة وتأثيرها على الثقافة العربية.
وفي محاولة لرصد متغيرات الثقافة العربية نظمت كلية الآداب جامعة القاهرة ندوة بمناسبة الذكرى العشرين لرحيل الدكتور عبدالعزيز الاهواني بعنوان متغيرات الثقافة العربية تحدث فيها الدكتور جابر عصفور رئيس المجلس الاعلى للثقافة بمصر وحضرها نخبة كبيرة من المثقفين واساتذة الجامعات.
في كلمته أكد د, جابر عصفور في البداية ان حديثه عن متغيرات الثقافة العربية ينطلق من المنظور القومي وليس من المنظور الاقليمي في محاولة لتلمس الثقافة العربية في متغيراتها التي تشمل الاقطار العربية على نحو لا ينحاز الى أي قطر ولكن باستخلاص العناصر المشتركة في علاقات المشهد الثقافي العربي التي قد تبرز بعض عناصره في هذا القطر او ذاك لأسباب تاريخية او موضوعية، وقال احاول استنباط العناصر الاكثر بروزا من متغيرات الثقافة في وحدتها القائمة على التنوع وهي العناصر الابرز دلالة وإلحاحا على الذهن خاصة حينما نفكر في افق المستقبل وذلك لأن مستقبل الثقافة لا يمكن ان يتحقق الا بالتنوع وفي تفاعلها الانساني خاصة في عالمنا المعاصر الذي تحول بالفعل الى قرية كونية تسعى الى تحرير نفسها من صراع الحضارات الى التنوع الخلاق وهو العنوان الذي اختارته اليونسكو عام 1995م الذي يدعو لاحترام الخصائص الثقافية والتعاون الفعال.
المركز والهامش
ويرصد د, عصفور أول متغيرات الثقافة العربية بقوله انه في ظل دلالة التنوع الانساني من منظور الثقافة العربية يمكننا ان نلمح متغيراً يتصل باتساع الهوامش واقصد هوامش الابداع التي كانت مقموعة من قبل والانتقال من دائرة ضيقة الى دوائر متسعة والاسهام اللافت للعواصم العربية على درجات متباينة في تيارات التفاعل الثقافي فالانتقال من المركزية الثقافية الى هذا الاتساع ادى الى نوع جديد من التطلع صوب تعدد الرؤى الثقافية العربية فبنية المركز الواحد والهوامش المتعددة ان لم تكن تحولت فقد بدأ بالتحول الفعلي استجابة لحركة الهوامش واستجابة لوجود هامش ديمقراطي في موازاته والانتقال من صيغة القلب والاطراف الى صيغة العناصر المتفاعلة او المتكافئة او المتصارعة احيانا وانتقلنا من المركزية والعاصمة الثقافية الواحدة الى تعدد العواصم ومن ثم تعدد المراكز التي تدل على تعدد التنوع الثقافي وهذا ارتبط بأنواع من الاستقطاب السياسي او الاقتصادي الذي وجد في الوطن العربي من المحيط الى الخليج واتخذت اشكالا متعارضة وترتب عليها تقابل بين ثقافة المشرق وثقافة المغرب ويشير د, جابر عصفور الى ان هذا التقابل يدل على ان تعدد المراكز الثقافية انطوت على توتر علاقات التكوين للثقافات العربية بين ثقافتها الذاتية وتوتر المثقفين انفسهم بين التزاماتهم السياسية والتزاماتهم الفكرية، غير ان الوجه الايجابي لتعدد المراكز الثقافية نستطيع ملاحظته في تفكك البناء الثقافي وتخلخل سلطة النزعة الابوية التي ظلت تنطوي عليها بعض العواصم العربية وهذا ساعد على ظهور علامات الحوار وقد اسهم التطور التكنولوجي في فتح قنوات الاتصال بواسطة الفضائيات التي ساعدت على استهلاك نوع جديد من الحوار بين المثقفين العرب وبين الانماط الثقافية ورموز السلطة وجمهور المشاهدين ولكن هذه الصورة المتفائلة لا تكتمل ملامحها الا في دائرة مبدأ الرغبة وليس الواقع لأسباب كثيرة منها عدم وجود الحوار الخلاق فأغلب الانظمة ترفع رايات الحوار لكنها لا تسمح بأبسط شروطه وتستبدل بالتعددية الحوارية تعدد المراكز وصراعها والنتيجة تحول الحوارات التي تبثها الفضائيات الى مناجاة سابقة التجهيز لا تؤدي الى الانطلاق بالحوار الى المدى الذي يرفض تسلط المركز الاوحد، ويبقى الامر كما لو كانت المركزية القديمة قد انقسمت الى عواصم متعددة مع الحفاظ على العواصم ذات الاصوات المتعددة سواء في العلاقات الثقافية الداخلية او الخارجية ويعني ذلك ان المكونات التقليدية للثقافة التي يبدو انها قد تغيرت لم تختف بينما انقسمت الامر الذي يحول دون تعدد المراكز والوصول الى التعددية الحقيقية.
الازدواجية الثقافية
وينتقل د, جابر عصفور من متغير المركزية المهيمنة الى متغير يتعلق بسقوط المشروعات الكبرى ومحاولات بعض المفكرين في مجال تجديد الفكر العربي صياغة مشروعات جديدة ونشرها من جانب تبرز عمليات التطرف وارتفاع درجة العنف ضد المثقفين والمفكرين وتهديدهم بكل وسائل ممكنة والامثلة كثيرة في هذا السياق، ومن المفارقات هنا ان نجد من يزعمون بأنهم وحدهم يمتلكون الحقيقة ويمتلكون وحدهم تحديد الصواب من الخطأ يتزايد نزوعهم للانغلاق والخوف من الآخر والنفور من المغايرة ومهاجمة كل جديد واذا كان عنصر الاستبداد السياسي ينعكس على اجساد ضحاياه فإن هذا العنف ينعكس على عقول المثقفين الذين يكتوون به ويعيدون انتاجه ويمارسون بدورهم الاستبداد على انفسهم فيما يشبه دراما المقتولين والقتلة، والنتيجة هي غلبة العنف في خطاب المثقفين وتصلب الرأي رغم زعمه بأنه نقيض التصلب والتطرف، وهكذا فعنصر الخطاب الذي يبنى على مفردات الازاحة هو الصفة المتكررة لهم جميعا ويؤكد د, عصفور بأن شيوع هذا هو السبب في الازدواجية التي نلحظها بين الشعارات الثقافية والممارسات الفعلية حيث نجد المتصلب الماركسي الذي يتهم الآخرين بالخيانة للوطن والمثقف الذي يعلن اهمية الاختلاف والحوار فإذا اختلف معه احد سرعان ما يندفع لتوجيه الاتهامات والعنف، والاستاذ الجامعي الذي يشكك في كل اجتهاد سوى اجتهاده ولا يعرف الاختلاف مع طلابه.
اما عن متغير الثروة العربية وعلاقتها بالمتغيرات الثقافية والسياسية وتعدد المراكز فقال د, عصفور ان هذا المتغير او المفارقة تتصل بتأثير الثروة في الثقافة العربية وتشتمل على وجود بلدان لحقت بركب النهضة بعد اكتشاف النفط فأدت الى مفارقة الصعود السريع مع الحفاظ على العلاقات التقليدية للبنية الفكرية التقليدية غير ان الامر قد ادى بالثقافة للنظر اليها على انها عملية انتاجية وتطويرها مترتب على حركة رأس المال وهي قرينة حركة المستهلك الاقدر على فرض مطالبه وذوقه كما افضت الثروة الى متغيرات اخرى تجلى اثرها في هجرة المثقفين في سعيهم لرزق افضل وساعد على ذلك تفاقم الازمات الاقتصادية.
العولمة وأخطارها
وانتقل د, جابر عصفور بالحديث عن العولمة وتأثيرها على الثقافة العربية فقال: يضاف الى ما سبق نزعة العولمة في صورتها الامريكية وما تقوم عليه من توحيد قسري وتنميط وقولبة للعالم في المجال الاقتصادي بما يفرض نفسه على المجالات الاخرى بواسطة الشركات متعددة ومتعدية الجنسيات، وتتجه هذه العمليات الى تقليص دور الدولة وتهديد الاستقلال السياسي باكتساح الحدود واخطار العولمة اخذت تستفز الثقافة الوطنية للدفاع عن حضورها الخاص ورغم ما اتاحته العولمة من تكنولوجيا فإن مخاطرها تفرض وضع المواجهة على امتداد العالم وتدفع ثقافات الدول الى المقاومة الثقافية.
واكد د, عصفور في ختام حديثه على اهمية المقاومة الثقافية لأخطار العولمة وقال ان ابرز اشكال المقاومة عالميا هو تقرير التنوع البشري الخلاق الذي صدر عن الامم المتحدة عام 95 والذي يدافع عن التنوع ويحمل وعودا جديدة تؤكد على وجود تعددية حقيقية.
في تعليقه على حديث د, جابر عصفور قال الناقد الادبي الدكتور سيد البحراوي انه لم يتم الاشارة الى علاقة المثقف بالسلطة والمتغيرات التي نتجت عن هذه العلاقة طوال الفترات الماضية، كما ان الدكتور جابر عصفور قد وضع كافة المثقفين في سلة واحدة الماركسي مع الحداثي مع التقليدي دون تفرقة وكان الاحرى ان يوضح هذه الفروق في رصده للمتغيرات.
بينما علق د, أحمد موسى استاذ الادب الشعبي بقوله ان هناك ثنائية اخرى غابت في حديث د, عصفور وهي المتعلقة بالثقافة الشعبية وعلاقتها بالثقافة الرسمية والمتغيرات التي طرأت عليها ايضا فالثقافة الشعبية هي الابرز في التأثر بالمتغيرات وطالب بتخصيص ندوة لها.
عثمان أنور
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

أفاق اسلامية

لقاءات

نوافذ تسويقية

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

أطفال

تحقيقات

وطن ومواطن

شرفات

العالم اليوم

تراث الجزيرة

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved