Saturday 8th April,2000 G No.10054الطبعة الاولى السبت 3 ,محرم 1421 العدد 10054



ماذا يريد الانزياحيون بهذيانهم؟!
ابوعبد الرحمن ابن عقيل الظاهري

لا نزال في بدعة الانزياح الأسلوبية، واعود بكم الى الجليِّ الواضح الذي جعلوه موضوعا لثقافة المزج بالريح، والتمظهر بمصطلحات لا تعني شيأً (1) ، أو تعني شيأً إما مضللا ملبسا، وإما زائدا عن الحاجة!! ,, وهذا الواضح الجلي هو قول الشابي:

أيها الليل أبالبؤس والهول
(م) أيا هيكل الحياة الرهيب
فيك تجثو عرائس الأمل العذب
(م) تصلي بصوتها المحبوب
ولسنا بحاجة الى استحضار كامل القصيدة من ديوان الشابي، لنعرف سياق البيتين فيها، لأن محل الاستشهاد واضح سواأٌ (2) أراد الشابي الليل حقيقة، ام كان رمزا، فالفارق ها هنا غير مأثِّر (3) ، لأن الشاهد يتعلق بالليل ذاته سواء أراد به الشاعر الليل، أم رمز به لشيء آخر؟!,.
والليل يتصف في مجرى العادة لبعض الأعصار والأمصار بانه ظرف بؤس لمن لا مأوى له ومن في حكمه، وأنه ظرف هول ورهب,, هذا بدلالة المسمى الذي هو ذلك الزمن المفتقد نور الشمس، لا بدلالة الاسم الذي هو من لام وياء ولام,, وعلى الرغم من كل تلك الصفات الرهيبة فهنالك فأل ببوارق أمل ذات صوت محبوب وان كان مصليا، لأنه بعد عناء ليل كئيب,, والمرادف لذلك في التعبير كثير مثل: التعب سبيل الراحة، والتضحية ثمن النصر، وعند الصباح يحمد القوم السرى، وبعد العسر يسر,, الخ,, الخ,, وليس من الضروري أن يكون الخوف هو الجامع الكلي لتلك الصفات بل ذلك مستبعد في مثل سياق الشابي، لأن الخائف لا يسعى للتغيير، وإنما المراد الصعوبات التي يكتنفها الليل سواء أكان رمزا أم حقيقة أمام مواجهة شجاعة مضحية على أنه رمز، وأمام طمأنينةبفأل بدت بوادره لا ينغصه خوف ولا صعوبات على أنه الليل حقيقة.
وكل مسمى له أوصاف ترمز له بمعنى يضاف أدبيا لا لغويا الى معنى اسمه اللغوي: فهو لا يحتاج الى بدع: الجهة البلاغية، وتعدد تشاكل، وجهة خطية، ووحدة دلالية، وانتقاء من مقوم، وتتابع زمني، وإسقاط مقوم، ونواة تشاكل،و تصحيح تقدمي وتصحيح رجعي، والتشاكل المتتالي، وعلامات التقابل، وصيرورة وحدات التشاكل،و التراكب المزدوج، ومقوم عرضي، ومقوم إيحائي!!.
قال أبوعبدالرحمن : أي علم جديد أحرزته هذه المصطلحات بغض النظر عن أهمية العلم سلبا او إيجابا ، حتى نقول: هذا علم جديد استدعى اصطلاحا جديدا لا يوجد في لغتنا (بعرف عام، او اصطلاح أهل فن ما) ما يعبر عنه؟!,, إن هذا الهذيان لم يضف منظومة ثقافية، أو فكرية، او جمالية: الى مأثورنا اللغوي، أو تنظيرنا النقدي، او الاستشراف لنموذج إبداعي,, إن كل هذا الهذيان لاغ في بيتي الشابي برؤيا أديب يجزم بانسلاخ الظلام عن نور لوجود المقتضى، وتخلف المانع في رؤياه ، وذلك ببيان بسيط ليس من الإبداع الجواب، فإن كان الليل رمزا فالأداة البلاغية الكناية، وإن كان المراد حقيقة الليل فالأداة البلاغية التعبير المباشر عن مؤشرات حسية تبشر بنيله لمراده في ذلك الليل الكئيب,, سواء أكان الجامع المشترك لكآبته الخوف، أم المعاناة الصعبة!!
وتلك الاصطلاحات المعقدة فوق الحاجة لو صح أن تنظيرها صحيح كاعتبار الخوف مقوما لصفات الليل، او كانت صفات الليل تشير إليه,, ثم ان النتيجة بعد افتراض الصحة تحصيل حاصل,, إلا ان الحاصل كان بيسر من مثول اوصاف كل مسمى، وتحصيل الحاصل كان بإلغاز وتعمية وإضاعة عمر في قعر الهباء,, والنتيجة ظلم الأمة بالتمعلم عليها، وظم الأمة بالتدليس عليها بأن أصحاب الهباء ذوو ريادة تحتم حق تكريم امتهم لهم، فينالون كسبا حراما سواء أكان ماديا ام معنويا كمن يحصل على الدكتوراه بتزوير، فيعلم الناشئة جهلا، فيكون إيجابيا في الشر,, او يعطلهم بضحالته عن علم نافع، فيكون سلبيا في الخير,!!
إن حق الأمة على الفرد أولا، وهو على سبيل الوجوب,, وحقه عليها ثانوي بلا منة، وصفة ذلك الحق انه (شكر على واجب),, ولا يؤدي الفرد حق أمته أويكاد إلا بعلم محقق لا تزوير فيه، وبإضاأة (4) مجاهل يكون فيها الفرد رائدا، وبان يكون المجهول الذي يراد تحصيله حقا او خيرا او جمالا,, والرائد لا يكذب أهله,, ويقابل ذلك ان يرتاد المجهول الخطر الضار، فيكون عونا لأمته لا عونا عليها، آخذا بحجزها عن السقوط.
والانزياح في سياق طويل للعبث بلغتنا تنتهي أصوله الجزئية إلى مقولة: (ليس معنى النص ما يقوله صاحب النص في تاريخه وشرطه المعرفي الثقافي، وإنما هو ما يقوله قارأُ (5) النص في مناخ جديد طارإٍ (6) مخل بالنمط الدلالي حين ولادة النص!! .
وهذه المقولة تسلية جمالية إذا أسعفت المناسبة باستخراج نمط دلالي لم يخطر ببال قائل النص، فيحدث به قارؤه (7) مدلولا جديدا,, ولكن الزحف يظل سائرا الى النص المقدس الذي احكمت طرق دلالته بلغة موروثة، وعقل سوي مطالب بصدقه مع نفسه في حيِّز الممكن والمتعين والمستحيل,,وما خذل الضالون عن الدين الصحيح حتى زهدوا فيه، او تدينوا بما يضر ولا ينفع إلا بالتلاعب بالنص، والافتراء على دلالته.
ولم يكتب العابثون بالاصطلاح الأجوف، او الملبس، ليأخذ الحاوي الساذج بشق من اجل التلميع، ويأخذ المُأدلِجون نصيب الاسد من تحقيق غاية التضليل، وترقيص المبهورين بالخواء، وهم الذين تَفِحُّ أعمارهم على عبور جسر اللاجدوى,, لم يكتفوا بذلك، بل تحذلقوا بالرسوم الفضولية، ليزداد الحاوي تمظهرا بالمعرفة، ولا معرفة ولا يحزنون!!
ولنعد الى الرسم رقم 1
فنجد (الليل) في البيت الأول يقابل (بشائر) المأخوذ من عرائس في البيت الثاني، ونجد(ابو) في البيت الأول يقابل (الأمل) في البيت الثاني، ونجد (الهول) في البيت الأول يقابل المفرحة المأخوذة من (العذب) في البيت الثاني، ونجد (الرهيب) في البيت الأول مقابل (المحبوب) في البيت الثاني.
قال أبوعبدالرحمن: أرهفوااسماعكم، وهيئوا عقولكم للاستمتاع بفوائد ذلك الرسم ومصطلحاته,, إن الرسم جهة خطية تتضمن التشاكلين المتتاليين في علاقة التقابل، واليكم بيانها:
ان الليل مسبوقة بألف مجردة هكذا أ ، ومقابله بشائر مسبوقة بألف بعده رقم واحد هكذا (أ 1 )، والبشائر مأخوذة من العرائس الموجودة نصا في البيت الثاني,, ولو أرادوا المقابلة بين النصين في البيتين (الليل، والعرائس) لكانت الألف فيما يظهر قبل العرائس مجردة من الألف.
وفي الرسم رقم 2
نجد بين البشائر والعرائس السهم الرأسي هكذا (( )) ، وهي دلالة على التراكب الزمني، فلم نفهم من التراكب الزمني إلا العلاقة بين العرائس والبشائر مضافتين الى الأمل,, ان الامل يكون متعلقا بشيء سار كالاجتماع بمحبوب، والخلوص من عناء,, وبشائر الامل مقدماته الدالة عليه، فقميص يوسف بشرى ليعقوب بقدوم ابنه يوسف عليهما السلام,, والعروس مظنة الجمال والزينة والرغبة العارمة، فهي تعبير عن البشرى بكلمة أدل على التشويق,, وتَقَابُلُ الليل والعرائس وهما المنصوص عليهما في البيتين تَقَابُلٌ بين لفظين لهما معناهما المعجمي، فهما وحدتان دلاليتان!!,, ومعنى كونهما وحدتين للتشاكل انه سيوجد مشاكل لليل كالهول يقابل مشاكلا للعرائس كالبشائر، وعلى هذا فالبشائر مقابلة لليل,, هي تقابل بين وحدة معجمية (الليل) ووحدة غير معجمية هي (البشائر) لأنها ليست المعنى المعجمي للعرائس!!,, إذن هاهنا تشاكل في المقابلة بين مفردات البيتين من جهة ان الوحدة الدلالية المعجمية في كل بيت ينوب عنها وحدة دلالية غير معجمية، وتقابلان على سبيل التضاد، فالبشائر نيابة عن العرائس، والمفرحة نيابة عن العذب في البيت الثاني تتقابلان على سبيل التضاد بمعناه المعجمي، والهول النائبة عن الليل.
والتشاكل في وحدات البيت بغض النظر عن البيت الآخر نجدها في البيت الأول مثلا بين أوصاف الليل (وهذا سر إسقاط الليل)، فمن اوصاف المسمى ليلا في العادة البؤس والهول الرهب,, والمقوم لهذا التشاكل الخوف، لأن كلا من البؤس والهول والرهب مؤشر عليه,, وأسقط الخوف على البؤس ولا معنى للإسقاط إلا جعله معادلا ، وعلل الاسقاط بكون الخوف متراكما في الهول والرهب، فيكون الهول والرهب بؤسا,,, أي خوفا، لأن الخوف معادل البؤس!!.
وهذا التشاكل والإسقاط والتراكم له نواة أولى أي نواة التشاكل وما في حيزه من تراكم وإسقاط ، وهذه النواة الأولى هي الخوف!,, ولكن هذه النواة معارضة بنواة ثانية مضادة هي نواة اللاتشاكل في البيت الأول، لأنه لا تشاكل بين الليل وأبا ، لأن مقوم الليل زمان، ومقوم أبا إنسان,, ولكن (مع هذا اللاتشاكل) هناك تقارب، وهو ان كلا من الزمان والانسان منتجان، إذن نجعلأبا بمعنى الباعث، وهذا الجعلُ تصحيح تقدمي.
قال أبو عبدالرحمن: اكتفي هذا اليوم بهذا القسط من هذا الهذيان، ولأقف هذه الوقفات:
الوقفة الأولى: معرفة العربي بل كل ذي لغة بأوصاف الشيء ومحتوياته,, كل ذي كائن من تجربته وثقافته،, فإذا كان محل الوصف والاحتواء مثل الليل وهو من المشترك الإنساني فذلك تلقائي دون تعمل ثقافة,, والموصوف له مدلول لغوي من اسمه، وله أوصاف ومحتويات مشاهدة يوردها السليقي والمتعلم تلقائيا على سبيل الترادف، ليجسِّد المعنى الذي يريده من الموصوف كالليل باسمه واوصافه ومحتويات مسماه,, ولا أقول: كلام العرب مشحون بذلك,, بل كلامنا العادي وكلام العوام قائم على ذلك,, فبربكم يا أصحاب البنيوية والتفكيك والأسلوبية: ما الحاجة الى تضييع أعماركم، وإعنات أمتكم بتعقيد الواضح، والتمظهر بمصطلحات معقدة، ورسوم ليست علمية ألبتة,, ثم لا نجد بعد ذلك علماجديدا، بل نجد سوأً (8) مبطنا يستهدف النص المقدس,, اما العقود والمعاهدات ومواد القانون الوضعي مدنية ، ودولية فكما يقول العوام: عليها لعابين أسد,, إنما الضحية المبهورون من أمتنا (حماة النص المقدس) بثقافة الهباء.
الوقفة الثانية: معرفة المضاد للموصوف وأوصافه ومحتوياته تلقائيا كما سلف في الوقفة الأولى تماما.
قال أبو عبدالرحمن: ليعتبرني أصحاب ثقافة الهباء واعظا، فاكرم بوظيفة الانبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام وورثتهم وصفا!!,, إلا أنني لا اعظ بعرائس المجالس للثعلبي، ولا بركام الأحاديث المكذوبة والحكايات والمنامات,, وإنما أعظ بضرورات الفكر، والاستقراء العلمي، افيسر الطلعة من أبناء أمتي الذي أغبطه بثقافته، ولغته الخواجية، وخلقه الرفيع : أن يلقى ربه لحظة الوداع وليس في صفحته (من زكاة علمه، وعمره) غير كيد أهل الكتاب في التلاعب بالنص المبلغ عن الله، والترويج له، والتدليس للأمة باسم التجديد ، وفرض احترامها وتقديرها له بخواء مدلس ضار؟!.
الوقفة الثالثة: اي حاجة لفخفخة الاصطلاح بالتراكب الزمني في العلاقة بين بشائر الامل وعرائسه وباب الكناية والتشبيه استعارة، وبأداة والمجاز: أوسع الأبواب في لغتنا خاصة على مستوى المفردة، وعلى مستوى الكلام المركب؟؟,, هل حقق هذا الاصطلاح المعقد شغل فراغ في تراثنا؟!,, إن الاصطلاح بالتراكب الزمني في العلاقة بين بشائر الأمل وعرائسه وباب الكناية والتشبيه استعارة، وبأداة والمجاز: أوسع الأبواب في لغتنا خاصة على مستوى المفردة، وعلى مستوى الكلام المركب؟؟,, هل حقق هذا الاصطلاح المعقد شغل فراغ في تراثنا؟!,, إن الاصطلاح لا يكون إلا عن حاجة وزيادة تمييز,, وإلا كان عبثا على أقل تقدير,.
الوقفة الرابعة: من قال إن أبا إنسان؟!,, بل للحمار أب، وللخنفساء أب,, والأب هنا ليست للمعنى المقابل للبنوة، وإنما هو صريح لغةالعرب للاتصاف بمعنى ذي وصاحب.
الوقفة الخامسة: الليل زمن صامت لا فعل له، فليس باعثا ولا منتجا، وإنما هو ظرف يحوي، ويتصف بصفة مظروفه تجوزاً، فالباحث فضول آخر، وتغيير في كلام العرب له ما وراأه (9) مما هو فوق العبث.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

لقاءات

منوعـات

تقارير

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved