مياه الشرب,. بين محطات التحلية ومصالح المياه,, والناس العطشى,,! حمّاد بن حامد السالمي |
في مقال الأسبوع الفارط، تكلمت عن قيام مئات المراكز والمدن في قلب الصحاري، وفي قمم الجبال، وفي الأودية السحيقة، وكان محور الكلام، يدور حول المستقبل في ظل، شح الأمطار، ونضوب المصادر الجوفية، والحاجة الملحة بشدة لمصادر مياه تلبي الطلب في الجانب المهم، وهو جانب الشرب,, شرب الناس وليس شرب البهائم,,! هذه الحاجة أصبحت ظاهرة غير خافية، وهي تهدد مستقبل مئات المستوطنات البشرية، التي هي اليوم بمثابة مدن تزخر بالحياة والناس,, وهذه الحاجة نفسها، تدفع بعض السكان للهجرة من قراهم ومدنهم الصغيرة هذه، إلى المدن الكبيرة، ومن جانب آخر، فإنها تضغط على مصادر مياه الشرب التي تمول المدن الكبيرة، على ما هي عليه هذه المدن الكبيرة من حاجة متزايدة لمياه الشرب، ومصادرها المائية، ما زالت غير مواكبة للنمو السكاني، وللتوسع العمراني,, وخلاصة القول، نحن أمام مشكلة معقدة، هي مشكلة توفير مياه الشرب لقرابة 30 مليون نسمة عام 2019م، أي بعد أقل من عشرين عاماً فقط,,! فهل أعددنا عدتنا المائية لهذا العدد الهائل من السكان في السنوات القادمة,,؟
* ولكن,, هل نحن اعددنا عدتنا لسنواتنا هذه التي نعيشها ونحن تحت رقم (16 مليون نسمة),, حتى نخطط ونعد لضعف هذا العدد,,؟
* لماذا لا نفتح ملف مياه الشرب في المدن,,؟ وعلى وجه الخصوص، تلك التي دخلت اليوم، كهف المعاناة الحقيقية، وأصبحت في دائرة العطش المخيف، وفي مقدمتها مدن الحج الثلاث مكة المكرمة وجدة والطائف ، فمنذ أكثر من عامين وحتى اليوم، ومدينة جدة، تعاني نقصاً حاداً في مياه الشرب، ومكة المكرمة بدأت تشكو من نقص في الامداد المائي في كثير من أحيائها، أما الطائف، المدينة الصيفية التي يتضاعف عدد سكانها في موسم الاصطياف، فحدث ولا حرج,,!
* ان نقص المياه في الطائف، ظل وما زال مشكلة قائمة، وبدأت هذه المشكلة حادة، من شهر شوال الفارط وما زالت حتى اليوم، ومشكلة كهذه، لا يمكن أن تنسب إلى تآكل الشبكة الأرضية، لأنها شبكة حديثة وعلى أعلى مستوى من الجودة والتقنية، وليس لها من أسباب، إلا نقص الكمية المخصصة للطائف من محطة التحلية في الشعيبة، أو من سوء تصريف من ادارة المصلحة.
* أما نقص كمية الطائف وتواضع حصتها، فهذا أمر واضح ومعروف منذ أكثر من اثني عشر عاماً، فقد درجت محطات التحلية ومصلحة المياه في الغربية منذ عدة سنوات، على دفع أكثر من ثلثي حصة الطائف إلى مكة المكرمة أيام المواسم في رمضان والحج، وذلك لتلبية الطلب على الماء في مكة والمشاعر، وهذا شرف عظيم أن تضحي الطائف من أجل مكة حرسها الله ومن أجل ضيوف الرحمن، وهو دليل يثبت ما قلناه في مقال سابق هنا، من أن الطائف مدينة حج، وينبغي ان تُفتح على شقيقتيها الكبيرتين، مكة وجدة,, ولكن هذا الشرف العظيم، يظل على حساب ذوي الدخل المحدود، من أولئك المواطنين، الذين تقطع عنهم المياه في الشبكة، وتوجه أنصبتهم الى مناطق أخرى، في حين,, انهم مثل سواهم من المواطنين، دفعوا مقدماً رسوم الشبكة والعدادات وغيرها كاملة دون نقصان، ولو تأخر أحدهم في تسديد الفاتورة، فلن يقبل منه، ولن يرحمه أحد, ثم إلى متى سوف تظل الطائف تقدم هذه التضحية,,؟ أربعة شهور في العام الواحد,,؟ هذه ناحية.
* من ناحية أخرى,, فإن اللجوء إلى حصة مدينة لسد حاجة مدينة أخرى، هذا يعني ببساطة، أن الأخيرة تعاني من مشكلة أعظم في نقص المياه، ويعني أكثر، اننا منذ سنوات نأخذ بسياسة سددوا وقاربوا ونركن إلى اسلوب الفزاعة ، وبهذا نخلق بأنفسنا أكثر من مشكلة لأكثر من مدينة,, وما زالت الوايتات تهدر في شوارع الطائف ليل نهار ,, وعددها في اليوم الواحد بين 1500 الى 2000 وايت ,,! وهذا رزق ساقه الله ثم ساقته الظروف للسائقين على هذه الصهاريج من العمالة الهندية والباكستانية، لا نحسد أحداً، ولكننا لا ندري,, ربما هم أصحابها وغيرهم أجير عندهم، كما هو الحال في سوق الخضار بهذه المدينة التي توصف بأنها العاصمة الصيفية للبلاد,,!
* القضية الأخرى في هذه القضية الأم، ان كميات الطائف المخصصة لها من محطة الشعيبة، هي نفس الكمية منذ أكثر من اثني عشر عاماً، وهذا يعني ببساطة، أن محطة التحلية ومصلحة المياه، تعامل الطائف على أنها مدينة ميتة، أو في حكم المنقرضة، فهي بهذه النظرة، مدينة متجمدة لا تنمو ولا تتوسع، وعدد سكانها في تناقص,,! هذا هو التفسير الوحيد لكمية قليلة متواضعة محدودة منذ أكثر من اثني عشر عاماً، فهي لم تتجاوز سبعة وستين ألفاً من الأمتار المكعبة, لا يتبقى منها للطائف في رمضان وأشهر الحج الثلاثة، سوى ثلث هذه الكمية.
* ومنذ عامين أو أكثر بقليل، نشأت لازمة شهيرة بين المواطنين ومصالح المياه ومحطات التحلية، ثم أخذت بعد ذلك، طابع الربط بين هذه الأطراف الثلاثة، هذه اللازمة هي: الشكوى ,, فكل طرف يشكو من الطرف الآخر، فالمواطن يشكو من نقص الماء والتوزيع غير العادل من مصالح المياه، والمصالح تشكو من تواضع الكميات المسلمة لها من محطات التحلية، ومحطات التحلية تشكو من اهتراء الشبكات الأرضية، ومن سوء التوزيع والتصريف, وهذا كله ظهر أكثر من مرة على صفحات الجرائد في أكثر من حوار وأكثر من مقال.
* إن قضية كهذه لا تحل من جانب واحد، ولكن جميع الأطراف تتحمل جزءا من المسؤولية، فمحطات التحلية، ينبغي ان تتطور وتنمو بشكل يوازي تطور الحياة وحركة النمو السكاني، ومصالح المياه يجب أن تكون عادلة في توزيع حصص المدن، وتتحرى العدالة والدقة في توزيع حصص الأحياء، بحيث لا تذهب مياه الشرب إلى الحقول والبساتين والحدائق الكبيرة، فتقل بذلك، حظوظ الأحياء المتطرفة والبعيدة، وان تكون هناك رقابة مشددة على العمالة الأجنبية التي تدير توزيع مياه الشرب تحت الأرض، وتنفذ جدولاً للتوزيع، هو في كل وقت موضع شكوى من كثير من الأحياء، سواء في جدة أو في الطائف أو في مكة، فالشهود على الصب بشكل يومي في أحياء دون غيرها كُثر، في حين لا يصل الدَّور لاخرى إلا بعد عدة أيام، قد تصل إلى اسبوعين، وكانت في بعض أحياء الطائف أيام الحج بعد 25 يوماً ,,!
* وعلى المواطن ان يكون ايجابياً في هذه المسألة، بحيث يدرك أهمية الماء في بلادنا وانه أغلى من البترول، وذلك بالترشيد فهو أمر واجب، ومن الواجب أيضاً الابلاغ فوراً عن أي مخالفات أو هدر غير مبرر لمياه الشرب في أي مكان، لأن في هذا الابلاغ، مصلحة للجميع، وهي مصلحة عامة، والمصلحة العامة فوق الخاصة، ولكن بالمقابل، فإن على المسؤولين في مصالح المياه، أخذ ما يقال أو يكتب عن أداء اداراتهم، على محمل الجد أولاً، وعلى محمل حسن ثانياً، وأن يحسنوا الظن بمن يسدي لهم نصحاً، أو يقدم لهم دليلاً على أمر لمسه عن قرب، لأنه هذه من صفات المؤمنين الصالحين الذين منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال وهو على رأس الخلافة: رحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي,,!
|
|
|