اضاف الشيخ عبدالله بن خميس الى الطبعة الثانية من ديوانه على ربى اليمامة مجموعة من قصائده في الحب والغزل مما كان قد آثر عدم نشرها من قبل معتبرا اياها عبثا من عبث الصبا حيث ادرجها تحت عنوان وجدانيات او عبث الصبا مع اننا لا نقرأ فيها ما يدل على نزوات أوحبوات عاطفية عابثة فهي غزليات من ابدع وأرق وأجزل ما يمكن ان يقال في الغزل الحميد أي الفزل المباح شرعا واخلاقا فهو على الرغم من الضرب على وتر حميمية علاقة الرجل بالمرأة في تلك الغزليات الا انه التزم حدود الفضيلة فعندما تغنى بالمرأة وسكب صبابته ازائها وبث شكواه من نكرانها فانه فعل ذلك من منطلق الاحتشام البعيد عن دغدغة مكامن الغريزة او المجون.
فلنقرأ احدى تلك القصائد والتي يقول فيها:
مناي منى ظبي يهيم بلاقلبي أعطيتها عقلي وأوليتها حبي وتلهمني منكل معنى بديعه وتعلمني ما يفعل الصب للصب فتاة لعوب تملأ البيت فرحة وأنسى همومي ان أرى وجهها قربي مخصرة الاعطاف والجسم ناعم حكى قدها غصن الاراكة أو يربي دعتني الى شعر لانشده بها وما الشعر الا في ملامحها العرب وما الشعر الا نفحة من مليحة فتمليه والصب المعنى بها ينبي غزلت لها غزلا دقيقا فاقبلت تذيل فنون الحب والغزل واللعب فلوشئت منها روحها ما تمنعت ولو شئت ان تسبي قلوب الورى تسبي (1) |
ففي هذه القصيدة كما في كل غزليات شيخنا الفاضل ما يرقى به الى مقدمة اصحاب التجارب العاطفية من الشعراء المبدعين دون ان يكون لطاعن اليه مدخل او ذريعة.
اذا:
لماذا كان امتناعه عن نشر غزلياته عندما كان في اوج نشاطه الثقافي,؟ ولماذا اسمى تلك الغزليات عبث الصبا حينما قرر أن ضيف شيئا منها الى ديوانه,؟
بالنسبة للسؤال الاول فقد اجاب عليه شيخنا الفاضل بما مفاده: انه ما كان يرغب ان يرسخ عنه في اذهان قرائه انه موغل في الغزل فاحتفظ بغزلياته لنفسه باعتبارها خاصة به وحتى لايكون نشرها على حساب انشطته الثقافية الاخرى التي كان يتوخى منها خدمة المصلحة العامة, (2)
اما بالنسبة للسؤال الثاني فان كل انسان لابد ان يمر بفترة عاطفية يؤججها بشكل او باخر عنفوان الشباب فاذا تجاوز المرء مرحلة الشباب وخاصة الانسان المثقف ثقافة عالية كابن خميس وصارت لعقله السيطرة المطلقة على سلوكياته عندئذ تخبو توقدات العاطفة وينظر صاحب الرسالة الثقافية الى ماضيه من منطلق النقد الذاتي فيستدرك على نفسه امورا يرى ان التوجه لغيرها كان اجدى من الايغال فيها وبالتالي يكون الزهد فيها خير من الاندفاع والتمادي.
ولاشك ان الزهد في الغزل خير من التمادي فيه وهذا هو ما يضع ايدينا عليه شيخنا الفاضل ليس من خلال تسميته لغزلياته التي قالها في مرحلة الشباب من عمره ب عبث الصبا وحسب وانما من خلال نصوصه الشعرية كقوله:
مالي واحلام الهوى تصيبني وتثير من بعد العزوف شجوني وتردني صفر الفؤاد مولها يزداد عند الذكريات حنيني وانا الذي ترك الغرام تنسكا وشغلت عنه بعفتي وبديني واذا مثيرات الشجون عرضن لي اطبقت عن شغف بهن جفوني ولكم عذلت النفس عن خلساتها وهتفت بأعين الغرام دعيني (3) |
واذا كان الشيخ عبدالله بن خميس يعرض عن الغزل وهو قادر عليه في مثل هذا النص الواضح الصريح فليس كل ما احتوته وجدانياته هو غزل لذات الغزل بقدر ما هو تعبير عن احاسيس معينة كقصيدته الجوهرة والتي كان يرمز بها الى الحرية حرية الفكر والصحافة وهو بذلك ينسج على منوال علماء السلف وشعراء العرب الاقدمين باستحضار فتاة الفكر رمزا للغرض الاسمى في انظامهم الشعرية الخالدة والتي عالجوا من خلالها قضايا الامة الجوهرية في ازمانهم باساليب الشعر وفنونه الراقية ومجازاته وبدائعه الرائعة كهذه القصيدة والتي يقول فيها:
بعينيك ما أعيا الصحافة معناه نظائر في دنيا الوجود واشباه بيان ولكن لاينهنه سحره وفكر ولكن عز ما ابدع الله وفن وما كل الفنون بمبدع وشعر ولكن اين للشعر علياه وما نظرات منك الا صحيفة وماهن اقلام وماهن افواه فان شئت ميدان الصحافة منبرا وان عز في دنيا الثقافة مرقاه فهولي ب هاروت وماروت واكتبي صحائف ما احيا الاله وافناه فكم خبر في سير عينيك كامن يغنيه عزاف ويتلوه اواه وصوغي من الثغر المنور طرة تعز على فن الحسين وطفراه فما هو الا وردة قد تجمعت لترشف من ذوب السحائب احلاه وما هو الاطاقة من شقائق هو الورد اغلى ما يكون وانداه فتيقة مسك خلفها كنز جوهر لتخجل نظم الاقحوان ثناياه على حر وجه ظل يقطر فتنة تناجي به سر الجمال وتقراه فاواه ما حلى وابدع ما به من الحسن في سر الملاحة اواه فهيت لمن يبغي الصحافة حرة يفتش عنها حرة في محياه (4) |
لا ابيح لنفسي المضي اكثر مما فعلت في هذا الامر لخصوصية الموضوع باعتبار ان شيخنا الفاضل عبر عن تجاربه العاطفية الخاصة .
ولذلك فان ادراجي لهذا الباب كأحد المباحث عنه يعود لانه هو وصف قصائده ب عبث الصبا وهو أمر لا ينطبق عليها او على اكثرها على الاقل اذ لو كان عبث الصبا من هذا القبيل لكان ما اجمله واجداه من عبث امام ما تعج به مساحة الشعر الآن من عبث واسفاف حقيقيين.
المراجع:
(1) على ربى اليمامة ص 411 الشيخ عبدالله بن خميس.
(2) ابن خميس وآثاره الادبية 269 محمود رداوي.
( 3 4) على ربى اليمامة ص 423 و391.