الجزيرة تفتح ملف الألبان وتستطلع آراء منتجي الذهب الأبيض أعضاء أوبك يتفقون,, وأعضاء لجنة الألبان لا يعرفون ماذا يريدون |
* استطلاع : أحمد الفهيد
اللبن ,, مادة غذائية اساسية ومن أقدم المقومات الغذائية التي عرفها الانسان وهو غذاء يشكل احد رموز التكامل بين الممالك الثلاث: النباتية والحيوانية والانسانية.
هذه المادة التي ذكرت في القرآن الكريم في اكثر من موقع والتي وعد بها المتقون انهارا في الجنة، كانت من اول وابرز السلع الاقتصادية التي خصصت للتداول المبكر في التاريخ.
هذا التداول والثقل الاقتصادي لهذا المنتج منذ القدم جعله مجالا خصبا لمريدي الربح الذين التزم بعضهم باخلاقيات التجارة وخالف بعضهم الاخر، في حين ان هناك الكثير ممن لا نعرف حقيقة مدى التزامهم بهذه الامانة، في تضخم عجيب لتلك القصة التي تمثل فيها بائعة اللبن، القطاع الملتزم,, وتمثل امها ذلك القطاع المادي الذي يبحث عن الربح، في حين يمثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الاجهزة النظامية والرقابية.
وقد شهد قطاع الالبان في المملكة اهتماما خاصا منذ انشاء جلالة الملك عبدالعزيز رحمه الله لمشروع الخرج الزراعي الذي كان يوفر جزءا من احتياج المنطقة من هذا المنتج الاساسي وكان بمثابة نواة لهذه الصناعة التي استطاعت ان تحقق الاكتفاء الذاتي وبدرجة جودة عالية مكنته من تخطي الحدود كمنتج تنافسي له ميزته النوعية.
هذا السوق شهد في الآونة الاخيرة تنافسا تسويقيا حادا تركز على معيار السعر بشكل اثار قلق كثير من المراقبين والعشرات من علامات الاستفهام حول هذا التوجه وهوية المستفيد منه، هذه الحرب توسعت ساحتها لتدخل بعض اسواق المنطقة مرغمة في هذا التنافس المريع,وبعد ان راقب العالم اجتماعات منتجي النفط في اوبك الذين وصلوا الى اتفاق بخصوص سياساتهم الانتاجية,, اصيب المراقبون هنا بخيبة امل بعد النتائج غير الواضحة لاجتماع منتجي الحليب او الذهب الابيض يوم الاربعاء الماضي في اعلان غير معلن لاستمرار هذه الازمة,فعندما يبلغ سعر لتر اللبن الذي يحتاج انتاجه الى اكثر من 12 لترا من الماء اقل من 3 ريالات فان هذا يعني بصورة اخرى استنزافا لمخزوننا الاستراتيجي من المياه! واذا تم تصديره الى الخارج وتسويقه بنفس هذه الاسعار فربما يعني هذا بصورة اخرى اساءة ادارة للموارد ويحتاج فعليا لتدخل من الجهات المسئولة لتقنين هذا التعامل مع مواردنا الوطنية,ثم ان هذه المجاهرة بتحقيق مبيعات قد لا تغطي تكاليف الانتاج تعني بصورة اخرى شكلا من اشكال الممارسات الاحتكارية تهدف الى خنق صغار المنتجين الذين لن يتمكنوا من الاستمرار في تحمل المزيد من الخسائر ومن ثم الانفراد بالمستهلك وفرض السعر الذي يحقق للمنتج ارباحا تغطي خسارة فترة هذه المنافسة الحادة التي نعيش فصولها الان ولا نرى في الافق خطا لنهايتها,حول هذه المنافسة الحامية وانعكاساتها على السوق المحلي نطالع هذا الاستطلاع الذي حاولت الجزيرة من خلاله عكس مختلف وجهات النظر لنعطي القارىء صورة اكثر وضوحا لاوضاع ومستقبل هذا السوق على الرغم من التحفظ الشديد الذي استقبل به البعض اسئلتنا المباشرة، فالى التفاصيل:
لا لتثبيت السعر ولا لوسائل الاحتكار
* في البداية التقينا المهندس/ عبدالعزيز بن محمد الطلاس مدير عام شركة الجوف للتنمية الزراعية وسألناه رأيه في هذا التنافس الحميم الذي يشهده السوق، وهل يمكن ان نعده صورة من صور الاحتكار؟
يجيب المهندس/ الطلاس: ان ما يحدث الان من تخفيض للاسعار وان كان يبدو ظاهريا في مصلحة المستهلك الا انه قد يقود للانزلاق في حرب اسعار بين المنتجين الكبار منهم والصغار في معركة لها ابعادها واضرارها الخطيرة من ابرزها ان استمرار حرب الاسعار في بعض الاحيان يفرض على المنتجين البيع باسعار قد تقل عن التكلفة وهذا سيؤدي الى عدم استمرار بعض المنتجين ممن لا تتوافر لديهم الامكانات الجيدة في ظل الاسعار المتدنية وهذا معناه خروجهم من السوق الذي يؤدي احيانا الى خروج بعض المنتجين من السوق وبالتالي عودة كبار المنتجين للتحكم في السوق من جديد وبالتالي تكون اسعار المنتجات اعلى مما كانت عليه قبل النزول بالسعر وسيكون المستهلك هو الضحية في الاخر.
اما بالنسبة لتلك الفئة من بعض المنتجين الصغار والمتوسطين وغير القادرين على حساب تكاليفهم بشكل دقيق او ربما نتيجة لعجزهم عن دخول السوق والحصول منه على حصة مناسبة يدفع ببعض منهم للاعتقاد بان اسهل طريقة لزيادة حصتهم من السوق هي تخفيض الاسعار فيلجأون لذلك قبل ان يكلفوا انفسهم عناء عمل الخطط والحملات التسويقية التي تضمن لهم منافسة طبيعية ومدروسة في السوق الا انهم قد لا يحصلون في الغالب على الحصة التي يتمنونها منه.
ونحن هنا لا نؤيد تثبيت الاسعار او غيره من وسائل الاحتكار وانما نعارض حرب الاسعار التي قد يزج فيها بالكبير والصغير ويقع ضحيتها صغار المنتجين والمستهلك بصورة اخرى.
السوق بحاجة إلى التوازن
* وكيف ترون الحل للخروج من هذا المأزق وهل هنك سياسات تسويقية او حتى انتاجية يجب اعادة النظر فيها؟
اعتقد ان اعادة التوازن الى سوق مهم كسوق الالبان امر مهم ويمكننا تحقيق هذا التوازن عن طريق اعادة تقييم وتشكيل السياسات التسويقية المختلفة بين المنتجين.
واقترح لتحقيق ذلك مايلي:
اولا: عقد اجتماع بين كبار المنتجين وكذلك صغار المنتجين ودراسة مستويات تكاليف الانتاج لدى الجميع والخروج بمتوسط لمعدلات التكاليف ولنفرض انه يتراوح بين 3,5 الى 4,5 يضاف لها 14% لتحدد سعر البيع النهائي مع ترك السقف مفتوحا.
ثانيا: يجب الوقوف على اوضاع صغار المنتجين الذين دخلوا الى السوق لارغبة في خوض هذه المنافسة الشرسة بقدر ما هي نتيجة لمشكلة اخرى تم حلها بالدخول في مجال التصنيع وذلك لحل المشاكل التي أدت الى دخولهم السوق وذلك بسبب ان منتجي الحليب الخام عانوا كثيرا من تذبذبات السوق فمرة تبلغ الاسعار ارقاما عالية ومرة يتلف الحليب الخام في الصحراء!! مما دفع بهم الى اللجوء للخيار الاصعب وهو التصنيع وكبار المنتجين ساهموا بدورهم كذلك في جلب العديد من رؤوس الابقار سعيا منهم لتحقيق اكتفائهم الذاتي من الحليب الخام مما يزيد قدرتهم التنافسة وهذا مما فاقم المشكلة واحدث فائضا في السوق تأثر به الجميع وادى الى هذه الازمة كأحد الحلول لتقليل التأثر به.
والحل ان يتم امتصاص الفائض في السوق ومنع دخول اي منتجين جدد للسوق والحد من توسع مزارع الابقار الموجودة حاليا.
ثالثا: لابد من السعي لدمج المصانع الصغيرة لتشكل كيانا يستطيع ان ينافس كبار المنتجين المتواجدين في السوق ويزيد من كفاءتهم التسويقية ويقلل قيمة التكلفة.
واود هنا ان اؤكد عدم تأييدنا كمستهلكين وكمزارعين لسياسة الاحتكار ومطالبتنا بتنظيم عملي لسوق يحمي جميع الاطراف.
الأزمة لها جذورها القديمة
* من جهة أخرى التقينا سعادة الأستاذ مساعد النصار المدير التنفيذي للشركة السعودية لمنتجات الألبان سدافكو الذي تحدث عن هذه المنافسة الحاصلة في سوق الألبان وهو كمنتج يترقب ويتفاعل مع هذه المتغيرات التي ستؤثر عليه بشكل أو بآخر ويتفق مع المهندس الطلاس في أن الخاسر في مثل هذا النوع من المنافسة هو الصناعة المحلية وسوق الألبان وأيضاً المستهلك حيث يتحدث عن هذه المنافسة بقوله:
أنا أحترم السياسة التسويقية لأي شركة ولكني كذلك لا أحبذ أغراق السوق بهذا الشكل واعتقد ان هناك أكثر من طريقة لتوسيع الانتشار والاستحواذ على حصة أوفر من السوق غير اللعب على عنصر السعر,وعن اسباب المشكلة الحاصلة في سوق الألبان تعود لعدة أسباب ولها جذورها الزمنية وليست مشكلة جديدة حيث يضيف,, هذه الأزمة التنافسية ليست جديدة وما هي إلا تكرار لحالة سابقة كان السوق يعيشها في فترة من الفترات,, فلو عدنا للماضي القريب سنجد ان هناك منتجين صغارا كانوا يسوقون بأقل من السعر المتوسط للسوق في وقت كانت الشركات الكبيرة تراقب الوضع وربما وصلوا الى مراحل نفاد صبرهم على هذا التوجه! واضطروا إلى مجاراة الوضع للمحافظة على حصتهم من السوق.
ولكن مع هذا أنا لا أبرر هذه الاجراءات من الطرفين واعتقد كأحد المنتجين في السوق ان مثل هذه السياسات سياسات تسويقية غير سليمة.
وأنا كمواطن تهمني صحة المواطن بالدرجة الأولى والصناعة السعودية التي حققت مكانة مرموقة في مجال الصناعات الغذائية يجب المحافظة عليها, ووصول السعر الى 3 ريالات للتر أخشى أن يؤدي استمراره إلى الاخلال بتلك المعايير التي ستنعكس سلباً على الصحة وكذلك الصناعة.
فالصناعة تهم الفرد وينعكس اداؤها عليه بشكل مباشر وكذلك على دورها في المساهمة في رفع حصتها من الناتج المحلي للوطن، وحرب الأسعار التي نشاهد تطوراتها هذه الأيام ستؤدي بشكل أو بآخر الى تقليل جودة المنتجات وذلك بسبب قلة وعي المستهلك واعتقد ان هذا هو لب المشكلة الذي يجب ان ينظر الجميع من خلاله للوضع القائم فعندما ننجح كصناعة في تحقيق جودة نوعية والوصول إلى منتجات عالية الجودة ثم نمارس معها مثل هذه السياسات غير المسؤولة أياً كان طرفها أو مسببها فهذا يعني في نظري اهدارا في ثرواتنا لا يعود بالفائدة لا على المستهلك ولا على المنتج ولا على الصناعة في صورة أكبر.
الاندماج هو الحل
ويرى النصار عدة حلول يمكنها ان تجتمع لتوفر لنا حلاً منطقياً وعملياً لإنهاء هذه المشكلة والتحصين المستقبلي ضد مسبباتها من خلال التفكير والعمل الجماعي لمنتجي الألبان للمحافظة على سوقهم وعلى صناعتهم وقبل ذلك على صحة ابناء وطنهم حيث يجيب على تساؤلنا حول الحلول التي يمكن أن تضمن انهاء هذه المشكلة أو حتى ضمان عدم تكرارها.
آمل من المنتجين ان يتعاونوا لايجاد حل للخروج من هذا المأزق ويجب أن يكون هناك تعاون ومرونة في قبول التنازلات أو حتى المطالبة بها لكي نحافظ على سمعة الحليب السعودي المعروف بجودته النوعية وذلك عن طريق اتفاق صغار المنتجين على الدخول في مشروع اندماج بين هذه الشركات لتكوين شركات قوية وقادرة على المنافسة بقوة في سوق الألبان المحلي وحتى خوض التصدير مستقبلاً كذلك يجب على الجميع تبني سياسات تسويقية يؤخذ في الاعتبار ان لا تضر باحد وفي نفس الوقت يكون هناك سعر متوسط جيد يخدم المنتج والمستهلك في شبه اتفاق على حد أعلى وأدنى يضمن بقاء الجودة في مراكزها المتقدمة التي استطاعت تحقيقها.
ومن جانب آخر يجب أن نهتم بشكل أكبر بتوعية المستهلك باهمية الحليب ومشتقاته في مقابل المنافسة الشرسة من المشروبات الغازية التي تستحوذ على سوق أكبر وتعرض باسعار أرخص من الحليب كذلك وجود حملة توعية وحملة استهلاكية للحليب مطلب ضروري للسوق وللمجتمع.
حملة منتجي الألبان أين ذهبت؟
* ولعل الأستاذ النصار قادنا إلى سؤال ربما يعكس شيئا من عدم الاتفاق والترتيب في أجندة منتجي الألبان عندما سألناه عن تجربة حملة منتجي الألبان وأسباب عدم استمرارها حيث اجاب:
الحملة كانت مشروعا جبارا وعكست نتائج طيبة على السوق وعلى سمعة متنجي الالبان ومصداقيتهم امام المستهلك ولكن هذا المشروع لم يستمر وان كنت اتمنى شخصيا انا يعاد طرح هذه الفكرة وتطبيقها من جديد وهذا ما سيساعد على اعادة حجم الحصص الى اوضاعها المرضية ويفرض منافسة الجودة بدلا من منافسة السعر.
* ولكن الا ترى معي ان التوعية والدعاية ليست كافية لمنافسة المشروبات الغازية كمنافس خطير على الاقل في شريحة المستهلكين الصغار,, الا ترى ضرورة التنويع في المنتجات والعناية بالشكل والدعاية وآليات التسويق الاخرى لكي تحد من تأثير العروض المغرية التي تقدمها شركات المشروبات الغازية العالمية؟ في المقابل ماذا قدمتهم كشركة تستهدف الطفل كإحدى الشرائح الذهبية لسوق الحليب طويل الاجل؟
هذا الكلام صحيح ويقع في مقدمة كل خططنا التطويرية وقد قمنا بطرح حليب خاص بالاطفال ولكن لايزال في طور البداية ولم يتعود المستهلك عليه حتى الان ونعتزم في القريب ان شاء الله ان نطرح حليبا خاصا بالحوامل بمواصفات خاصة وبعد دراسات مستفيضة ونتوقع له الانتشار السريع فور طرحه في السوق, ولانزال مستمرين في دراسات السوق وتلمس متطلباته وتقديم ما يمكننا من التنوع والتطوير مع المحافظة على الطعم.
* ما مدى تأثركم بهذه الازمة خصوصا وانتم تنتجون الحليب طويل الاجل في حين ان المنافسة الان محصورة في المنتجات الطازجة؟ ومن جهة اخرى ,, هل هناك أي تغييرات في استراتيجياتكم التسويقية كتفاعل مع هذه الازمة او على الاقل لمواجهة التغيرات المتوقعة في السوق خصوصا بعد ظهور اللبن طويل الاجل؟
لانزال نراقب السوق وحريصين بالدرجة الاولى على تواجد المنتج في السوق بافضل ما يمكن بحيث نحافظ على حصتنا من السوق ونحن على استعداد لتوقع جميع الاحتمالات والتعامل معها بالشكل المناسب وان كنا نأمل ونتوقع ألا تستمر هذه الازمة.
اما فيما يتعلق بتأثيرها على تواجدنا في السوق والمتغيرات الجديدة فنحن على ثقة بان السوق مفتوح للجميع وتعتمد المنافسة فيه على سياسة تميز المنتجات وتواجدنا ولله الحمد جيد جدا ويجاري حجم الشركة ومدى الجهد الذي نبذله من اجل الحفاظ على هذا التواجد.
وهنا نتوقف اليوم عند هذا الحد بعد سماع هذه الاراء ونتابع غدا بمشيئة الله بقية اراء ذوي العلاقة والاختصاص في الجلسة الثانية من ملف قضية الالبان.
|
|
|