لنتخيل شركة مساهمة ضخمة تضع نظارات طبية مثل كاتب هذا المقال أو تراجع مستشفى متخصصا لاجراء عملية ليزر اوليزك تعددت الأسماء والتشطيب واحد ؟! قد لا يكون البحث عن حل للمشكلة او علاج للعلة هو رد الفعل المتوقع لعدد كبير من هذه الشركات المبتلية ولكنها ستبدع في اصدار البيانات الحماسية التي تعيد المشاكل الى ظروف السوق والمنافسة والبيئة والعولمة وغيرها وغيرها, من ذلك نستشف أولى مظاهر قصر النظر لدى الشركات والتي من الممكن ان نسميها حمى الاعتذار حيث تصاب أغلب الشركات بفيروس اجتماعي منتشر لدينا بكثرة يمنع الاعتراف بالقصور ويشدد على انكار الفشل حتى تقع الفأس في الرأس؟
فيتم البحث عن عذر وتختفي المشاكل تحت رماد الغرور والمكابرة الى حين تأجيل الحل هو أكبر مظاهر قصر النظر خاصة في المشاكل والعلل الاستراتيجية بما في ذلك ظاهرة استبدال الحل المثالي او الحقيقي او الجذري بإجراءات طوارىء وحلول مؤقتة تلامس اعراض المشكلة وليس اسبابها في التفكير الاستراتيجي مثل هذه التصرفات في الطريق السريع الى العمى والنتائج المظلمة.
لنبدأ من الرسالة ليس فيلم العقاد ولكن مهمة الشركة , قصر النظر في صياغة المهمة يكون مؤشراً على ضعف البنية العقلية التأسيسية للشركة ويقال ما بني على قصور فهو قاصر ويحتاج الى رعاية, أولى مشاكل صياغة المهمة هي أنه ينظر اليها كمتطلب ورقي لاستكمال الملف والاجراءات لدى الجهات المعنية ولا تكون عقيدة ورؤية مستقبلية تنبني عليها نشاطات الشركة, ففي اللحظة التي توافق الجهات المعنية على الشركة تصبح المهمة المكتوبة مجرد ورقة في الارشيف وتفعل إدارة الشركة المساهمة التي تأسست لتعمل في صناعات أمام صناعة البتروكيماويات ما تشاء حتى لو كان الاستمثار في مصانع شطة او استيراد البصل, والاستثمار في سوق الأسهم والعقارات والسندات و غير ذلك؟ الشركة التي تعمل بدون مهمة هي شركة ليس لها شخصية ولا هوية وتعجز عن معرفة من تكون؟ ولا ماذا تريد؟ وهذه مشكلة أولية, المشكلة التي تتبعها في الأهمية هي قصر النظر في حفظ توازن المهمة المكتوبة فهي أما ان يتم مطها لتشمل كل شيء من النشاطات والاستثمارات او يتم تقييدها على نشاط وحيد ومنزوٍ, ولكن اذا كانت المهمة نفسها في واد واستثمارات الشركة في واد آخر فعلام الهرج والمرج؟
من مظاهر قصر النظر كذلك ظاهرة الاحادية بمعنى ان هناك دائماً حلا واحدا مفضلا او وسيلة واحدة محفوظة عن ظر قلب أو رؤية واحدة مقدسة او طريق واحد نذهب ونعود معه الخ, هذه الظاهرة الغريبة لو استفلحت في المؤسسات الفردية والمنشآت العائلية لتفهمنا دواعيها من منطلق حجم التأثير الفردي في هذه الكيانات ولكن ان تنشأ في الشركات المساهمة ذات الهم الجماعي فهذا عسير على الفهم, ومن أمثلة هذه الظاهرة ماهو استراتيجي مثل تقديس اسلوب واحد في بيئات مختلفة ومتغيرة ما يورث فصاما استراتيجيا مؤلما, ومنها ماهو وظيفي مثل ميل بعض مديري التسويق الى استخدام الإعلان كوسيلة مفضلة حتى لو كان السوق يقول غير ذلك, لا احد يمكنه ان يقلل من تأثير القيادة الفردية على نشأة وتطور الشركات ولكن ان تقع الشركات المساهمة بالذات فريسة لقائد فرد !! وهي أموال الجميع فهذه مسألة فيها نظر, وفي شركاتنا يمتد تأثير بعض القيادات الفردية سواء شخصياً وبشكل مباشر او ذهنياً وبشكل غير مباشر لسنوات عديدة فتكون تحت وطأة الاحادية وتحت قيادة دماغ واحد فيه الكثير من القصور والأوهام والتحيزات العقلية مثله مثل أية عقل بشري محدود، اليس كذلك؟
وهناك مشكلة قصر نظر أخرى تتعلق بإدارة العمليات الانتاجية او الخدمية وتتمثل في أن أغلب الشركات المساهمة تميل الى عمل كل شيء بنفسها وباستثماراتها الذاتية وتغفل عن الفرص التي يقدمها مفهوم التعاقدات الخارجية )outsourcing(, الشركة التي تملك و تدير كل ما يساعدها على ممارسة نشاطها الرئيسي مثل المباني والسيارات وربما سفن الشحن !! ومصانع أصغر المواد الأولية ومنافذ او دكاكين التوزيع والمطابع (لتساعدها في طباعة مستلزماتها) ووكالات السفر والشحن (لتساعدها في تسفيرالعمالة وشحن المواد والمنتجات) وغير ذلك تكون قد وقعت في مطب بتاع كله فتكون قد اضاعت صيدها في عجاجها! لدينا شعور نفسي اجتماعي يحبذ الاستغناء عن الناس ويقف ضد الاعتماد على الآخرين من باب الاستقلالية ويبدو أنه قد ضرب في اللاوعي الباطني لشركاتنا المساهمة فظهرت شركات ضخمة من حيث الأصول والاستثمارات و الامتدادات ولكنها متواضعة من حيث النتائج خاصة معدلات دوران الأصول او الكفاءة الانتاجية ومعدلات العائد على الاستثمار وغيرها,
وللحديث بقية
* متخصص في الإدارة الاستراتيجية