Monday 10th April,2000 G No.10056الطبعة الاولى الأثنين 5 ,محرم 1421 العدد 10056



القيمة الاقتصادية للعقاقير
د,زيد بن محمد الرماني *

إنّ موجة إزالة الغابات التي تجتاح العالم، يصاحبها نمو متعاظم في اجمالي الدخل الوطني، بالاضافة الى خسائر مأساوية في رفاهية الانسان والأنظمة البيئية.
اذ تنطوي ترنيمة الدمار التي قام بتوثيقها علماء الاجتماع على إحداث تكاليف باهظة يجري التغاضي عنها من قبل الاقتصاد العالمي القائم على القيمة النقدية, فالمدن التي جرى قطع الاشجار من حولها، اخذت على الجانب الانتكاسي من الدورة الاقتصادية المتمثلة في الازدهار والانتكاس،أخذت تظهر الدلائل الاجتماعية للتردي الاقتصادي الذي ظهر منذ وقت طويل على المدن الكبرى: ازدياد تعاطي المسكرات، ومفاسد المخدرات، والعنف والتفكك الاسري والتشرد والهجرة.
تؤكد الاعداد الكبيرة من الدراسات العلمية والتحليلات الاقتصادية على أن ملكية الاراضي عامل حاكم في استدامة اقتصاديات الغابات.
ومع ذلك اصبح كل من السياسيين ومعهم وسائل الاعلم يميلون مؤخراً إلى التركيز ، عوضاً عن ذلك، على الآمال المعقودة على صنف جديد، أو صنف جرى الاعلان عنه حديثاً، من اصناف منتجات الغابات، ذلك الصنف هو المنتجات غير الخشبية.
وتوحي الامكانيات الاقتصادية الهائلة لهذه المنتجات للكثير من الناس بأن تطوير اسواق لهذه المنتجات هو البديل لمحاولة حل المسائل الشائكة الخاصة بالسيطرة على الغابات.
وفي الحقيقة، فإن الامكانيات الكامنة في المنتوجات غير الخشبية للغابات لاتعدو كونها تأكيداً على اهمية قضايا ملكية الاراضي.
إنّ القيمة الاقتصادية للعقاقير التي تؤخذ من الغابات مذهلة حقاً, فنسبة 40% من الوصفات الدوائية التي تصرفها الصيدليات، تحتوي على مكوّنات نشطة مشتقة من الحيوانات والنباتات البرية،والكثير منها من الغابات.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن حجم الصناعة الصيدلية في العالم تصل قيمته الى 200 بليون دولار، وان استخدام الادوية المشتقة بيولوجياً ربما يفوق 40% من الوصفات الطبية، وان حصة كبيرة من الادوية المشتقة بيولوجياً تؤخذ في الاصل من انواع الكائنات الحية التي تعيش في الغابات.
اذا اخذنا كل ذلك بعين الاعتبار ، فمن المحتمل ان المبيعات السنوية من الادوية من الغابات قد تزيد في مجموعها على 100 بليون دولار, كما تقدم الغابات كذلك ادوية الاعشاب التي يستخدمها حوالي 80% من سكان دول العالم النامي.
وحول العالم بأجمعه،لاتقوم أية دولة بجعل حقوق الملكية الفكرية تمتد لتشمل المعلومات الطبيعية الموجودة فيها، فهذه الدول تتعامل مع هذه المعلومات كما لو كانت موارد وطنية ينبغي الكشف عنها لخدمة الاقتصاد الحديث بغية الحصول على اية فوائد يمكن للمعلومات الطبيعية ان تقدمها.
فلو وُجد مُعالج يقوم بعلاج أمراض الجلد باستخدام الأعشاب، فقالوا إن هذا تراث أوخبرة أومعلومات شعبية.
أما لوقامت شركة صيدلية بعزل المادة الكيماوية الفعالة في الاعشاب التي يستخدمها ذلك المعالج لقالوا إن هذا كشف علمي باهر، تحميه حقوق الاختراع ، ويُكافأ بأن تصبح له قوة احتكارية عالمية.
وللاسف، فإن سكان الغابات في معظم أنحاء العالم لايملكون اراضيهم ولايملكون المعرفة التي تقدمها تلك الاراضي، وفي غياب حقوق الملكية هذه، فإن التنقيب عن التنوع البيولوجي، من المحتمل ان ينجم عنه النتائج نفسها التي نجمت عن ازدهار الموارد في الماضي، مزيد من الفقر، وغابات أقل.
وسواء كانت الموارد اراضي أو أخشاباً أو امدادات من الزهور أو معلومات يتم الحصول عليها من السكان الأصليين، فإن ملكية الاراضي هي الشرط الضروري الاول لاستدامة اقتصاد الغابات.
وبدون هذا الشرط ، فإن الناس الذين يديرون غابات العالم، ليس لديهم الاسباب الكافية والأقل من ذلك من السلطة كي يحافظوا على صحة هذه الغابات.
أما تحديد ثمن الانظمة البيئية،فهو الشرط الضروري الثاني لاستدامة اقتصاد الغابات.
ووفقاً للاسعار السائدة، فإن الاقتصاد العالمي يعمل ضد تماسك النظام البيئي، مما يجعل المحافظة على الغابات معركة في غاية الصعوبة.
إن التكلفة الكاملة لفقدان الغابات مازالت غير معروفة، بَيدَ أن من الواضح انها كبيرة الحجم فإزالة الغابات، تقضي على تنوع النباتات التي قد تصبح محاصيل جيدة كما أن ازالة الغابات تطلق غازات تؤدي الى تغيير المناخ.
وتدمِّر ازالة الغابات المنتجات غير الخشبية للغابة التي لاتسجل بصورة كاملة في الاقتصاد النقدي.
يقول ألن درننج في كتاب اوضاع العالم 1994م : لا أحد يدري الحجم الكامل للصناعات غير الخشبية التي تعتمد على منتجات الغابات والمهدّدة بفعل إزالة الغابات, ومع ذلك ، فكلما أمعن الباحثون النظر فانهم سيكتشفون أن حجم هذه الصناعات أكبر.
إن إزالة الغابات تدمِّر كذلك المناظر ذات القيمة الاقتصادية الحقيقية من حيث صناعة السياحة الطبيعية الضخمة ومن حيث اساليب أخرى أكثر مهارة.
وفي الحقيقة، فإن معدل استهلاك الفرد الواحد من الاخشاب ظل يأخذ في التناقص في الدول الصناعية طوال معظم قرن من الزمان، أولاً نتيجة لاستبدال خشب الوقود بالوقود الاحفوري،وفيما بعد لاستبدال نفايات قطع الخشب بالمعادن والمواد البلاستيكية وغيرها من المواد.
إن تصميم الملكيات وسياسات الاسعار من اجل الاستدامة ليس بالأمر الصعب.
والمشكلة هي تحقيق الشرط الضروري الثالث لقيام اقتصاد الغابات المستديم الا وهو التغيير السياسي.
فقد تعثرت محاولات الاصلاح حتى الآن, اذ عندما يجري تنفيذ البرامج الموجهة نحو الاصلاح من خلال وكالات الغابات الوطنية، فإنها تتحول الىمحاولات باهتة ومشوّهة ومجزأة.
ومن ثم، فإن مصير ذلك الجزء من العالم الذي تكسوه الغابات مرتبط بمصير الناس الذين يعيشون عليها, فالغابات والناس سيسقطون او سينهضون معاً فإما أن يصار الى الدفاع عن ارض الاجداد بكل ما في النظام من قوة وإما تساقط الغابات وإما ان يمنح هؤلاء الناس نصيباً من القيمة الاقتصادية يساوي الخدمات البيئية وإما ان تسقط الغابات.
ختاماً اقول: يمكننا التطلُّع الى رؤيا العالم مستقبلاً، وقد تجدد شباب غاباته وعادت العافية الى اقتصادياته: عالم ينضم فيه سكان الغابات، بكل مالديهم من خبرات عملية وثيقة بهذه الغابات الىصفوف علماء البيئة للتخطيط لاستخدام اراضيهم, عندها يمكن ان نأمل أن نرى منظراً ارضياً صمِّم للحفاظ على الصحة البيئية والانتاجية الاقتصادية.
عندها نتوقع اقتصاداً يثري بفضل نوعيّته لا كميّته اقتصاداً يكافىء العمل النشط ويستهدف الأداء.
فيه تظهر الغابات وهي تتكاثف تدريجياً وتنتشر في كل اتجاه مستعيدة عافيتها.
فإلى ذلك الحين، ليس أمامنا إلاّ الانتظار، وآمل ألا يطول ذلك الزمن.
* عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

الطبية

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved