Monday 10th April,2000 G No.10056الطبعة الاولى الأثنين 5 ,محرم 1421 العدد 10056



الرئة الثالثة
لوحة من ال كوميديا البيروقراطية
عبدالرحمن بن محمد السدحان

يشكو بعض الموظفين في قطاع الدولة، وفي القطاع الخاص من معوقات نفسية معينة تتعدد بتعدد اسبابها ومصادرها، وقد تفرز اسقاطات سلوكية معينة يمارسها المعنيون بها، تارةً بالكلام بما يشبه التصريح او التلميح، واخرى بالفعل، منه ماهو ارادي تكيفه سطوة الوعي، او لا إرادي تسيره نشوة الاحساس!
***
وسواء جاء هذا الاسقاط مباشراً او غير مباشر، وسواء كان قولاً باللسان او عملاً بالجوارح، وسواءً كان الوعي حاضراً معه او مغيباً عنه، فان في هذه الرموز السلوكية ما يضحك وما يبكي، وما قد يوقد نار غضب المتعاملين معه احياناً، انفعالاً لا افتعالا!
***
ولنضرب لهذا الحديث مثلاً عبر سياق السيناريو التالي، وهو نمط من الكوميديا البيروقراطية، فيه شىء من الحقيقة، وكثير من الخيال، وهو يتحدث عن موظف يعاني موقفاً نفسياً معيناً، فيترجمه الى انماط من السلوك، ظاهره العبث وباطنه الالم المبين، ولندع الخيال الآن يرسم لنا لوحةً ليوم في حياة هذا الموظف؟!
***
يُقبل عصام على مقر عمله كارهاً,, وهو يتمطى، وقد مضى من نصاب الدوام الرسمي ربُعه، فيسلم على هذا,, ويعانق ذاك,, ويداعب ثالثاً ويتوارى عن رابع تحاشياً للحديث معه، ويمضي شطراً من ساعات الصباح متنقلاً بين المكاتب، يحتسي شاياً هنا,, وقهوة هناك، وقد يغمره مضيفه زميل العمل بأريحية تتجاوز الشاي والقهوة الى بعض المرطبات، وربما بعض اطايب الطعام مما اكتنزت به خزائن المكتب! ثم ينضم اليهما زميل ثالث فرابع وربما خامس تفرقهم امور شتى، لكن تجمعهم الرغبة في اغتيال جزء من ساعات الدوام!!
***
ويطرق الجميع من صنوف الحديث أشتاتا، فواحد يشكو من متاعب العمل، وكثافة المراجعين، وآخر يروي ملاحمه العنترية في استراحات البلوت خلال عطلة نهاية الاسبوع، وثالث يروي احدث ما نسجته ألسنة الاشاعات في الوزارة او المصلحة التي يعمل بها فاق السمر تتحدث عن قرب تعيين فلان ، او نقل علان او تقاعد فلتان ، وقد يعرج الحديث الى حوادث المرور وملاحمها الدموية، ثم يدخل المنتدون ساحة الملاعب، ويتبارون في فنون الكلام مدحاً لهذا الفريق او قدحاً لذاك, وقبل ان ينحرف الجدل بينهم الى مسار لا يرضونه، يحولون دفة الحديث الى وجع السياسة، فيشير احدهم الى التعثر المتكرر لمحادثات السلام بين العرب والصهاينه في مساراته المختلفة ويستعرضون نوائب العنف في اكثر من مكان, ثم ينتقل الحديث الى شىء من فتنة الحش في خلق الله, تلميحاً حينا، وتصريحاً اغلب الاحيان، ويتحول المجلس اعني المكتب الى ساحة تتراقص على رقعتها ألسنة حداد لا ترحم حياً ولا ميتاً!,, ثم تكون النكتة مسك الختام,, وتتعالى الاصوات بين حين وآخر,, تتلوها قهقهات مسعورة كأنها صرخات جن في واد مهجور!
**
وفجأةً,, يرتفع صوت المؤذن منادياً لصلاة الظهر,, فتؤوب النفوس الشاردة الى صوابها,, ويتفرق رفاق السمر البيروقراطي كل الى سبيله، ويعود عصام الى مكتبه يتمطى، كما فعل اول مرة، ويرمق الاوراق التي عافت الانتظار بنظرة يتقاسمها الاشفاق والخجل، ثم يشمر عن ساعديه للوضوء فالصلاة,, ثم يعود الى مكتبه مرة اخرى,, ليعبث ببعض تلك الاوراق,, حتى اذا انس غفلة من رقيب، انسل بنفسه متأبطاً ما تيسر له من صحف اليوم الى مواقف السيارات,, مشيعاً مكتبه بنظرة وداع بارد، فيما يسترق البصر يمنةً ويسرةً في طريقه الى سيارته خشية ان يرمقه احد وهو يدندن لنفسه مقطعاً من اغنية الموعد التالي ,, مع الصندوق!!

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

الطبية

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved