Tuesday 11th April,2000 G No.10057الطبعة الاولى الثلاثاء 6 ,محرم 1421 العدد 10057



رحلة استكشافية في وسط الجزيرة العربية (1 - 2)
(فيليب ليبنز)
حمد الجاسر

ومن منشورات دارة الملك عبدالعزيز بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية كتاب رحلة استكشافية في وسط الجزيرة العربية أَلَّفه فيليب ليبنز عن رحلة قام بها مع فلبي وكونزاك ريكمان وجاك ريكمان الى وسط الجزيرة العربية عام 1371ه،ونقله الى العربية الدكتور محمد محمد الحناش، وراجع التعريب وعلَّق عليه وحقق المواضع الدكتور فهد بن عبدالله السماري.
في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله وتحت رعايته السامية الخاصة تمت رحلة اثرية من قبل بعض المعنيين بالدراسات الاستشراقية منهم (كونزاك ريكمان)، وقد تم التفكير بالقيام بها إثر انعقاد (مؤتمر المستشرقين في باريس) في شهر يوليو سنة 1948م (شعبان سنة 1367ه).
ويعود الفضل في تهيئة الرحلة للاستاذ (ريكمان) والى مساعديه، وخاصة ابن اخيه (جاك ريكمان) و)فيليب ليبنز) ولاسيما ما يتعلق بجانبها التقني والعملي الضروري للقيام ببعثة استكشافية في صحراء المملكة، تحقق لهما النجاح بحسن تنظيمها، وبمساعدة جامعة (لوفان) وللصداقة التي تربط (ريكمان) منذ زمن طويل بالملك عبدالعزيز، الذي أمر أن تكون جميع تكاليف الرحلة على نفقته الخاصة، وأبلغ أمراء جميع المناطق التي ستمر بها الرحلة للمساعدة، كما امر باعداد اثني عشر مرافقا لها.
واشار (ريكمان) للعثور على نقش لاحد ملوك العرب الخلص في مملكة سبأ، استفاد منه هذا العالم الاثري، وإن شكا من صعوبة تصوير النصوص، بسبب تسلق الهضاب.
اما هذا النقش الذي اشار اليه، فهو موجود في جبل (مَأسَل الجمع) وقد نشر فلبي معلومات عنه في مقالة في المجلة الجغرافية (1) .
ومضمون ذلك النقش: القضاء على بعض القبائل الصحراوية في تلك المنطقة، ووصف كاتب المقدمة وهو (فلبي) عدم معاناتهم من طول السفر ، الذي قطعوا فيه مسافة خمسة آلاف كيلٍ، مع ما تتصف به الصحراء من وحشة وجدب وصعوبة حتى على اهلها، ولكن بِتَحمل رفقائه وبفضل ما بذله (ليبنز) من حنكة فهو الطبيب الذي مارس الطب في صحراء المملكة وعالج بعض المرضى بنجاح.
ثم مقدمة اخرى كتبها (كونزاك ريكمان) أستاذ في جامعة (لوفان) عن الرحلة ايضا، افاض فيها الثناء على رفاق الرحلة فيلبي وفيليب ليبنز من موظفي (الامم المتحدة في فلسطين) وله موقف حيال خبر اكتشاف شريط الوثائق العبرية القديمة من قبل البدو في ضواحي (البحر الميت) سنة 1948م 1367ه) وان هذا الاكتشاف اثار جدلا بين العلماء، ممن يراه اكبر اكتشاف للمخطوطات في الزمن المعاصر، وبين من يقف امامه صامتا.
وهناك فريق ثالث من المتريثين حذرا في حكمه عليه، في انتظار معرفة المكان الاصلي الذي جاء منه هذا المخطوط، ولكن (فيليب ليبنز) القائد الطيار الموظف في (الامم المتحدة) قد تابع مراحل هذا الاستكشاف، وكان يعرف البلد الذي جال في جميع اتجاهاته، وقد اعطى معلومات دقيقة عن مصدر هذه الوثيقة، واتفق مع مقابلة ل (ريكمان) في جامعة (لوفان) انه كان مستعدا لرحلة استكشافية بالمملكة، وتركت له الحكومة السعودية كامل الحرية في اختيار رفقائه فيها، والتي سيتولى (جاك ريكمان) البحث عن الأثار وقراءة النقوش، وكان فلبي قد كتب تعريفا في رفيق انضم الى البعثة، فوصفه بانه مصور مجرب مُتأنِّ، يتسلق الصخور، ولم يختص عمل (فيليب ليبنز) بالسهر على صحة البعثة لمعالجة المرضى، بل كان يشرف على تنظيم الاكل، فتكونت البعثة من فلبي البدوي التربية، ووريث الثقافة الغربية، وثلاثة متخصصين في علم الاثار، وكونزاك ريكمان وابن اخيه جاك ريكمان، وكان بدء الرحلة بتقديم مجمل عن تاريخ ذلك وهو شهر مارس سنة 1951م (جمادى الآخرة 1370ه) بعد وصول رسالة موجهة الى فلبي من ديوان الملك ابن سعود، كانت بمثابة عقد ميلاد لهذه البعثة الاستكشافية الاثرية، وفيما يلي اهم فقراتها: هي مورخة في 2/10/1370ه وصادرة من الشعبة السياسية وموقعه من يوسف ياسين في اجابة لرسالة مؤرخة في 17 رمضان سنة 1370 من فلبي يطلب فيها الاذن للقيام برحلة الى منطقة (نجران، من اجل البحث عن الاثار القديمة على غرار ما سبق ان قام به، وانه سيلتزم بتقرير الى حكومة المملكة يتضمن جميع الاكتشافات مع الالتزام بتسليم حكومة المملكة كل ما سيعثر عليه من الاثار التي يمكن تصويرها، مع عدم تصدير أي شيء من ذلك، وان يصحب معه المرافقين:
1 الاستاذ كونزاك ريكمان، استاذ اللغات السامية في جامعة (لوفان) المشرفة.
2 السيد فيليب ليبنز، الخبير في تخطيط الرسوم وتصوير الاثار القديمة والنقوش.
3 جاك ريكمان، ابن أخ الاستاذ السابق ومساعده في (الفيلولوجيا) والتاريخ الحميري والسبئي.
مع التقيد بالبرنامج الذي وضع للرحلة (2) برئاسة فلبي.
لقد عرض الموضوع على الدوائر العليا فحظي بموافقة المقام السامي، الذي امر بالتصديق عليه وتنفيذ جميع البنود الواردة فيه.
ثم وصفٌ مفصّل للمرافقين في هذه الرحلة بعد تفكيرهم في ثلاث قضايا:
اولاها: التمويل، وقد افضل (المركز الوطني للبحث العلمي) في جامعة (لوفان) في بلجيكا بدعم سخي.
اما الادوات فكلها تتركز اساسا على ادوات التصوير، واما الهدية للملك عبدالعزيز فيكفي كأس من (الكريستال) للتعبير عن عرفان البعثة وعظيم شكرها.
وسافرت البعثة في 24 اكتوبر سنة 1951م (23 ذي الحجة 1370ه) في طائرة متجهة للمجهول ، حتى وصلت مطار (جدة) واسترسل الحديث عن الرحلة بما مجمله:
1 بعد المقدمات والتعريف بأعضاء البعثة من ص 5 الى ص 21 .
2 الحديث عن مدينة جدة، من ص 22 الى ص 24 .
3 عبر جبال الحجاز من ص 25 الى ص 34 .
4 من الطائف الى (بيشة) من ص 35 الى ص 52 .
5 من (بيشة) الى (أبها) من ص 53 الى ص 72 .
6 من (أبها) الى (نجران) من ص 73 الى ص 128 .
7 الاقامة في (نجران) من ص 128 الى ص 152 .
8 اقتحام صحراء (الربع الخالي) من ص 152 الى ص 167 .
9 من (نجران) الى (اللدام) من ص 168 الى ص 196 .
10 من اللدام) الى الرياض، من ص 197 الى ص 234 .
ثم الفهارس اعلاما واماكن وصورا ومحتويات للكتاب، بحيث تنتهي الرحلة في (276) صفحة.
ولقد اوضح الدكتور فهد بن عبدالله السماري في مقدمتها المناسبة التي دعت الى اصدارها مع غيرها من المؤلفات النافعة في تاريخ الملكة، لابراز الجهود المباركة التي قام بها المؤسس الاول رحمه الله وابناؤه من بعده، عرفانا بفضلهم ووفاء بحقهم ، وأتبع ذلك بمقدمة عبر فيها عن سروره بالاطلاع على هذه الرحلة باللغة الفرنسية، حيث تفضل الاخ الدكتور سعود الذياب الملحق الثقافي في (باريس) بالاتصال بالناشر، والحصول منه على نسخة اصلية والموافقة على قيام (دارة الملك عبدالعزيز) بنشرها بعد تعريبها فتولى ذلك الاخ الدكتور محمد الحناش من الفرنسية الى العربية، وبدأ الدكتور فهد السماري بمراجعتها مستمتعا بقراءتها لأسلوبها الشيق وتفصيلاتها الواسعة في بعض المباحث التاريخية والاثرية والاجتماعية، ولاقى صعوبة في تحقيق اسماء بعض المواضع التي وردت في مصادرها غير صحيحة، ولكنه استفاد من خرائط (وزارة البترول والثروة المعدنية) التفصيلية على مقاس (1/500000) وببعض المعاجم الجغرافية المحلية، كما تمكن من الاطلاع على اوراق دوّنها (فلبي) عن هذه الرحلة التي كان رئيسها، زوده بها السيد (ارميتاج) في هذه الاوراق تفصيل لاكثر الرحلة.
ثم بعد ان اتضح له ثراء المعلومات وغزارة مادون من أسماء المواضع ووصف لها مثل (قرية الفاو) وغيرها، ومن كونها تضيف جديدا وكثيرا من المعلومات عن اجزاء من المنطقة الجنوبية الغربية للمملكة، ولدعم الملك عبدالعزيز لمثل هذه الرحلات الاستكشافية،وفيه دليل على وعيه باهمية هذه الاعمال العلمية والاستفادة من خبرات المتخصصين في التاريخ القديم والآثار والنقوش.
وبعد الانتهاء من مراجعة هذا الكتاب علم بوجود صور كثيرة لدى اعضاء البعثة الاستكشافية تبلغ نحو اثني عشر الف نقش قديم، وبالمساعدة مع الاخ الدكتور سليمان الذييب تم الاتصال بأحد اعضاء هذه البعثة هو (جاك ريكمان) الاستاذ بجامعة (لوفان) فسر برغبة الدارة بتوثيق نتائج هذه الرحلة، فكلفت الدارة الدكتور سعيد السعيد لزيارة الدكتور (جاك ريكمان) واجراء مقابلة معه، وتصوير مالديه من محفوظاته من صور ونقوش، تم جلبها في الرحلة الاستكشافية، التي لابد ان الملك عبدالعزيز رحمه الله آنذاك لايعلم مكانها وبفضل تعاون الدكتور (جاك ريكمان) تمكنت الدارة من الحصول على اكثر من (2000) صورة فوتوغرافية (3) .
تم اشار الدكتور: ان ترجمة الكتاب تعدّ بداية لدراسة نتائج الرحلة والاستفادة منها والنقوش القديمة، بالرغم من انها نشرت عن طريق الدكتور (ريكمان) الا انها لاتزال بحاجة ماسة الى جهود ابناء المملكة من المتخصصين.
ثم شكر مكتبة (امريكا والشرق) في (فرنسا) التي نشرت الاصل الفرنسي للرحلة على موافقتها للدارة على تعريبه، وشكر كل من اسدى اليه يدا حول نشرها.
هذه الرحلة التي هي للبحث عن الاثار دونت بطريقة مفصلة لاتكتفي بالغاية المتعلقة بما يفهم منها، وانما تفصل مراحل البعثة مرحلة مرحلة بدقة.
كماتتحدث بتوسع عما تمر به من مدن ومواضع وجبال ومياه، وتدقق في ذكر الصفات الخاصة لكل واحد من الرحالة، كأن يوصف فلبي بانه (هاري سان جون بريدجر فلبي المعروف هنا بالشيخ عبدالله الذي اعتاد على نمط العيش في هذا البلد (انظر الصورة رقم 2) انه يرتدي عباءة بيضاء واسعة يلفها ازار مذهب ، يحمل فوق رأسه الغترة ومن فوقها عقال على شكل دائرة مزدوجة مصنوعة من شعر الماعز (4) .
ثم يأتي وصف صفاته الخلقية والالماح الى بعض صفاته الخلقية مثل (5) : (محياه النشيط يدل على ارادة قوية وقادرة على تحقيق انتصارات على نفسه ، سيظل اسمه مرتبطا بالتعرف على هذا البلد، وكتبه كلها تشهد على ذلك).
ومن امثلة الحديث عن المدن (6) : ( ها هي ذي جدة المدينة البيضاء تمتد بخيلاء على ضفاف البحر الاحمر ذي المياه الزرقاء، فمن هنا يصل اغلب الحجاج متوجهين الى مكة، التي تبعد بحوالي سبعين كلم عن جدة، والمدن العتيقة الخشبية تغالب المنازل المبنية بالاسمنت، كما تغالب الطرق المسفلتة والطرق المخصصة للطيران).
ولا تفوت الاشارة الى تلاقي المعمار القديم بالحديث في الصحراء، والى ذكر المجاملات اثناء الاستقبالات والمواعيد من بعض مشاهير هذه المدينة التي تعد متحفا اثريا، في طريق التكوين، حيث اشرف ريكمان على عملية تصنيف وتصوير القطع الاساسية التي ستعرض فيه، وقد اشتغلنا في ذلك مدة يومين.
ثم التحدث عن وسائل عبور الصحراء، ومكانة سيارة الجيب بين تلك الوسائل.
اما الحديث عن مكة فكان موجزا اذ لايدخلها المسيحيون، وفي حالة الخطأ يدخل فاعل ذلك السجن، او يطرد من البلد فورا.
وفي قرية (الزيمة) لم يفت مدونو الرحلة الى ان رئيسها احد احفاد الشريف الذي كان ان يقتل المستشرق الانجليزي (شارل دوتي) مؤلف كتابه المعورف، ولكن الشريف الآن استقبل البعثة أحسن استقبال في مزرعته، ويسمى عبدالمحسن بن احمد الحارثي.
ويوصف ما قدم من وسائل الاكرام كالعادة عند العرب في مثل هذه المناسبات ويعلق مدونها بقوله (7) : (تقتضي التقاليد العربية ان يتغيب صاحب الوليمة في اثناء تناول الضيوف الطعام، وهذه قمة الاخلاق العربية،وهنا يكمن سبب الصمت وسرعة الاكل، وفعلا اذا حضر ستظل الاواني باردة وسترد مليئة اليه ولعائلته).
(للحديث تتمة).
*الحواشي:
(1): لخصها كاتب هذه الاحرف في مولفه مدينة الرياض عبر اطوار التاريخ الذي نشرته دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر سنة 1386ه ص 139 159 ، اما قراءة ريكمانز الاخيرة فقد اصدرت لجنة دراسات الكتابات العربية القديمة في قسم الاثار والمتاحف (جامعة الملك سعود) سنة 1420ه كتابا يحوي دراسة مفصلة لهذا النص، ويلاحظ تكرار اسم (ريكمان) في هذه الرحلة، مع وروده في مصادر اخرى (ريكمانز ryckmans).
(2): ص 19/20 .
(3): ص 8 .
(4): ث 23 ، وكلمة (ازار) لعل صوابها هنا (حزام) فالازار لايوضع فوق العباءة.
(5): ص 23 .
(6): ص 23 .
(7): ص 30 .

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

لقاءات

منوعـات

نوافذ تسويقية

القوى العاملة

تقارير

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved